مُدّوا الأيادي واضربوهنّ



امال قرامي
2021 / 7 / 1



هي أكثر سبب في انتشار العدوى. اغسلها وعقّمها مليح قبل ما تمس وجهك وتفاعل بعض الفايسبوكيين مع هذه الحملة التوعيّة التي جاءت بعد أن صارت عدّة ولايات «منكوبة وموبوءة»، ومات مئات التونسيين/ت ولم يجدوا «يدا» رحيمة تمتدّ إليهم لتنقذهم. مات المعوزون لأنّ يدهم «قصيرة» ولم يستطيعوا ولوج المصحّات الخاصّة فعن أيّ يد تتحدّثون؟
قُوبلت الرسالة التوعويّة بالاستهزاء والسخرية والانتقاد لأنّها كانت فاقدة للنجاعة. فإن كانت الدولة عاجزة عن إلزام الناس باحترام الإجراءات فهل ستنجح رسالة بصريّة في ردعهم أو منعهم من سلوك بدا لأغلبهم "غير حضاري" ومُخبر عن جهل وانعدام وعي؟.
وبقطع النظر عن طرق تقييم الفايسبوكين لهذه الرسالة التوعوية نعتبر أنّ ما ورد فيها يستدعي التوقّف. فالخطاب لا يتوجّه إلاّ إلى ذكور الأمّة «عزيزي المواطن» وكأنّه لا حاجة لحفظ صحّة النساء. ففي زمن اختيار الأولويات لا حقّ للنساء في العيش والصحّة. وبذلك يعبث أصحاب هذه الرسالة بما جاء في الدستور من مواد تلحّ على حقوق المواطنات والمساواة ...، بل إنّهم يتجاهلون قانون 58 فيعتدون رمزّيا على التونسيات فيغيّبونهنّ ويحولونهنّ إلى غير مرئيات. أمّا ما يسترعي الانتباه في هذه الرسالة اقتصارها على اليد الواحدة الناقلة للعدوى فهل تقتصر النظافة والتعقيم على يد دون أخرى؟ وتكمن المفارقة العجيبة في الإحالة على الماء، والحال أنّ الحقّ في الماء صار مطلبا أساسيّا يرفعه الناس في باجة وفي غيرها من المدن حيث تشبّ النزاعات من أجل سطل ماء، ولن نشير إلى مواد التعقيم والتي تعتبر اليوم من الكماليات يكفي أن تتجوّلوا في الجامعات والمعاهد حيث يجري التلاميذ والطلبة الاختبارات بلا كمامات أو مواد تعقيم لتدركوا الواقع المرير فهل وُجّهت الرسالة إلى طبقة دون أخرى؟ فمن له المال بإمكانه أن يغسل بالماء ويطهّر يده بالمعقّم أمّا البقية فلهم أياد تتضرّع إلى ربّ السماء.
يحيل التركيز على اليد إلى القوّة والسلطة والبطش: ‘قبضة اليد الحديديّة’ وقد لمسناها في أشكال تعامل أجهزة الأمن مع الحركات الاحتجاجية. فهذه يد تسحل وأخرى تعرّي وأخرى تلطم وأخرى تعذّب...وعاينّا قبضة يد السلطة في الإجراءات التعسفيّة والتمييزيّة وغيرها فكان المسار ارتداديا يذكّرنا بما كان. وليس التركيز على اليد العليا مقتصرا على البطش بالآخر بل هي اليد التي تمتدّ إلى المال العمومي فتغرف، وتحوّل وجهة الهبات والمساعدات وتتقبّل الرشاوى و«العجالة» و... ومن هنا كانت اليد منبّهة إلى استشراء الفساد وطرق مأسسته.
لننتقل من الشارع حيث وضعت لافتات فاقدة للمعاني إلى مجلس النواب الذي نُظر إليه على أنّه جمّع أصحاب الأيادي القذرة، والمتحرّشة والسارقة والمعتدية والمزوّرة... وهنا تأتينا البيّنة «فبهت الذي كفر» . هي «يد» بصيغة المفرد كتلك الواردة في اللافتة يوجّهها صحبي سمارة، (ونتعمّد تسمية المعتدي اعتمادا على ثقافة حقوقية تصرّ على فضح الفاعل) إلى زميلته عبير موسي ليصفعها. وبذلك انتقلنا من الصفع ببذيء الكلام إلى الضرب على الخدّ بالكف المبسوطة التي لا تخشى ما جاء في الكتب المسطورة، ولا تأبه بالقوانين التي صدرت عن السلطة التشريعية ذات سنة بل لا تكترث بمرجعيّة اتّخدها «حزب حاكم» تنصّ على «تكريم النساء» ومعاقبة اللئيم الذي يعتدي على «الشقائق» وقذف المحصّنات...
لا يبالي الصافع بخطابات تلحّ على أنّ التونسيات «نساء بلادي ونصف» وهنّ «الحرائر» اللواتي «وقفن لتونس» فبالنسبة له لابدّ من رفع اليد وضرب المتطاولة على «الهيبة الذكورية» والقوامة والدرجة والفحولة، ولابدّ من صفع المزاحمة للرجال في السلطة وسليطة اللسان غير الممتثلة للمعايير والمنمّطات ... الضرب ينتقل من الفضاء الحميمي (الفراش، البيت حيث تكسر اليد والرجل وتفقأ العين...) إلى الفضاء العمومي ومنه إلى قبّة المشرّعين.
لا تعنينا مؤازة النسوان للنسوان وضغطهنّ حتى يتمّ الضرب على يدي الجناة ولا نبالي بوقوف الأحزاب «الحداثية» وقفة مشرّفة تذكّر بحرب البسوس. فالمسألة مسألة فقدان المجلس والحكومة كلّ مصداقيّة فحين يصبح السائد: هدر حقوق المواطنين/ت واستباحة كرامتهم/هنّ وحرمتهم/هن الجسدية تنقل المقاومة إلى ساحة أخرى.