المرأة الفلسطينية



إيمان محمد
2021 / 7 / 2

لقد عرف دور المرأة الفلسطينية على مدى قرن من الزمن ودورها في صنع جيل قادر على أن يؤدي رسالة عظيمة في فلسطين، وذلك رغم ظروف القهر والاحتلال الذي لا زال يربض على هذه الارض ويمعن في الاستيلاء عليها بكل ما توفرت لدى اسرائيل من أسلحة وقوة ووسائل قمع. إلا أن الدراسات السابقة حول دور المرأة قبل قدوم الانتداب البريطاني لفلسطين وحتى يومنا هذا،
رغم قلة الدراسات والمواد الإعلامية التي سلّطت الضوء على دور المرأة الفلسطينية في الكفاح والحفاظ على مسألة الدفاع عن حقوق الانسان الفلسطيني في الحياة بحرية و العيش بأمان ، وهي التي نقلت هذه الرسالة بالتوارث إلى الأجيال عبر الحكاية والرواية الشفهية ، واستحضرت على الدوام تاريخ حراك الانسان المسلوب حقوقه في فلسطين و النضال المستمر لهذا الشعب بتفاصيله . كما أنها أم الشهيد وأخت الأسير والشهيدة والأسيرة في كثير من الأحيان، هذا فضلاً عن مساهماتها في كافة صنوف العلوم والأدب والفن المقاوم للاحتلال.

جدير بالذكر ان مدينة القدس ، كغيرها من المدن العربية، حتّمت على المرأة نمط حياة اقتصر دورها فيه على العناية بالأسرة والمنزل. لكن في عام 1929 كان للمرأة الفلسطينية دوراً مميّزاً في مساندة الثوار. إذ احتضنت القدس في هذا العام شهيدتين مقدستين هما عائشة أبو حسن وتشاويق حسين.

تعاظم دور المرأة الفلسطينية و مشاركتها البارزة في النضال بحيث شكّلت فارقاً في العمل المقاوم. مع اندلاع «ثورة فلسطين الكبرى»، في عام 1936 ،وجدت النساء أنفسهن جنباً إلى جنب مع الرجال في خوض العمل الثوري. بعضهن اصبحن جزءاً من حكايات بطولية تروى للأجيال اللاحقة، وأصبحت المرأة المقاومة أيضاً جزءاً من الذاكرة الجماعية الفلسطينية. بحيث اصبح استشهاد فاطمة غزاوي في ذلك العام المثال والحجّة في وجه كل من ادعى ضرورة الاستسلام امام العدو، خصوصاً أنّ بعض الأصوات العربية في تلك الفترة كانت تنادي بالتهدئة مع الصهاينة.

هكذا، لم تنتظر أي من نساء فلسطين المقاومات قيام جمعيات نسائية أو تجمعات حزبية، كما أيامنا هذه، لتطل من خلالها على واقعها الاجتماعي. كانت المسألة مسألة وعي فطري بوجوب المشاركة في كل عمل ثوري. لذا، كان من البديهي أن تقوم نساء فلسطين بدور فعال منذ إعلان وعد بلفور وقيام دولة الاحتلال. كل واحدة منهن اختارت النضال على طريقتها. بدءاً من التعلّم ودخول سوق العمل والتألق في المجالات الأدبية والعلمية، وصولاً إلى حمل السلاح في الجبهات، مروراً بمدّ المسلحين بالعون من طعام وسلاح ر ولهذه الغاية أُنشئت منظمة نسائية سرية اسمها «زهرة الأقحوان». كذلك كانت النسوة الفلسطينيات حاملات للأسرار العسكرية، فأشهر الأغاني التراثية الفلسطينية «يا طالعين للجبل»، غنتها النسوة للمعتقلين، لإبلاغهم بأن الفدائيين أتوا لتحريرهم. حددت النسوة في الأغنية التوقيت المحدد لعملية التحرير ولمنع البريطانيين من فهم الرسالة ، موّهن الأغنية باستخدام حرف اللام في كل كلماتها.
بعد النكبة و تنفيذ حملات الإبادة التي قامت بها عصابات الصهاينة، حملت المرأة الفلسطينية الصرّة الثقيلة على كتفها ومشت بها إلى بلاد اللجوء. تحملت النسوة أعباء العيش في البلد المضيف، بالإضافة إلى عبئها الأساسي، أي احتضان العائلة والحفاظ على الروابط الفلسطينية ــ الفلسطينية كي لا تصبح العودة مجرّد حلم، وكي لا تصبح فلسطين أرضاً بعيدة.
حملن فلسطين معهن في هجرتهن، وكان الشتات بالنسبة إليهن «جبهة» أخرى خضن فيها معارك لا تقل أهمية عن تلك التي كانت دائرة في جبهات القتال. شكلت هذه المرحلة حافزاً مهماً لزيادة الوعي، فكان لتعلم المرأة خصوصاً دور مهم ، فهي الآن ستستخدم علمها للتذكير بفلسطين ولزرع الوعي.
مع الوقت اعتادت المرأة الفلسطينية حمل السلاح وأصبح أخف ثقلاً على كتفها. أما البذلة العسكرية، فبدت جميلاً عندما ارتدتها نسوة ما عدن يكتفين بوداع حبيب ذاهب إلى الجبهة أو باستقبال شقيق مستشهد. هكذا، أصبحت المرأة جزءاً من المشهد النضالي، وليلى خالد مثال يكاد يحكي حكاية روح فلسطين المفعمة بالثورة وبالبارود.

واللافت أنه خلال فترة الكفاح الوطني ظهور قامات نسوية فلسطينية داخل فلسطين التاريخية ومناطق اللجوء القريبة والبعيدة في مجالات الأدب والفن والطب والقانون والهندسة، ناهيك عن إنشاء هيئات نسوية رفدت العمل الفلسطيني المقاوم بشكل جلي وكبير.
وساهمت المرأة الفلسطينية في العمل الكفاحي المباشر خلال الانتفاضتين الأولى والثانية؛ وكان دورها ماثلاً من خلال فكرة وترسيخ الاقتصاد المنزلي إبان الانتفاضة الأولى ؛ الأمر الذي عززّ صمود المنتفضين وحراكهم اليومي ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

على مدار سنوات الكفاح الفلسطيني واجهت المرأة ما واجهه أبناء الشعب الفلسطيني كافة منذ الإنتداب البريطاني حتى الإحتلال الإسرائيلي من تشريد وتهجير ونزوح.

إضافة إلى استشهاد المئات من النساء الفلسطينيات منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، وخلال الانتفاضتين؛ عانت كثيراً من عمليات الاعتقال والملاحقة. وفي هذا السياق، تكتسب تجربة الحركة النسوية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي صفة مميزة، وإن تداخلت إلى حد كبير في تجربتها مع تجربة الحركة الفلسطينية بشكل عام. فهي أكثر ألماً ومعاناة، وتحمل في خصوصيتها مدى النضج و الوعي في المجتمع الفلسطيني، إذ شاركت وتشارك المرأة بدورها النضالي إلى جانب الرجل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك في نضالات الحركة الأسيرة ؛ ورغم قلة المصادر التي وثّقت أعداد وأسماء النساء الأسيرات، فإن المعلومات الأولية تشير إلى أن ما يقارب عشرة آلاف وخمسمائة امرأة فلسطينية دخلن المعتقل منذ بداية الاحتلال للضفة والقطاع عام 67 وحتى العام الحالي 2020. وكثيراً ما كانت بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون، مثل ماجدة السلايمة وزهرة قرعوش وربيحة دياب وسميحة حمدان وغيرهن.

وتعرضت الأسيرات لكثير من حملات التنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال. وتفيد شهادات عدة للأسيرات أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب. شهد العامان 1968 و1969 بداية قاسية وعنيفة جداً في تاريخ ( حركة النساء الاسيرات ) ، خصوصاً في انطلاقة تجربة الاعتقال وبدء النضال والكفاح للدفاع عن ذواتهن داخل السجون ضد مخططات تدمير وتحطيم النفسية والإرادة و الإصرار على النضال لدى الأسيرات.
وسجل تاريخ الحركة النسوية الأسيرة مواقف أسطورية عجز الرجال عنها، كما حصل العام 1996 عندما رفضت الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن إثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي ودون ذلك فضلن البقاء في السجن، واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع الأسيرات في بداية العام 1997.
وخاضت الأسيرات معركة الحرية بعد اتفاق أوسلو تحت شعار «لا سلام من دون إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات». وشاركن في الخطوات النضالية إلى جانب بقية الأسرى في السجون كافة في سبيل تحقيق أهدافهن بالحرية والإفراج. وبشكل عام كانت السجون الإسرائيلية ومازالت بديل المشانق ومكان القتل الروحي والنفسي للفلسطينيين سكان هذه الأرض، ووظفت إسرائيل أدوات القانون والقضاء الإسرائيلي توظيفا مخالفا للقوانين والأعراف الدولية خدمة لأهدافها الإستراتيجية المتمثلة بطرد الفلسطينيين .
وثمة شهيدات وجريحات وأسيرات وأمهات ثائرات فلسطينيات قدمن الكثير لفلسطين على مذبح الحرية والتحريروالعودة.

حررت الثورة الفلسطينية المرأة من قيود المخيم، وحطمت بعض اغلالها القديمة، وتقدمت بالمجتمع الفلسطيني خطوات واسعة إلى الامام. وراحت صورة العائلة المناضلة تطغى على صورة العائلة التقليدية حيث الأب يعمل والأم لا وظيفة لها إلا رعاية المنزل المتواضع

إن مسالة تحرير المرأة ليست مسألة فردية نسوية محضة بل تشير إلى مسالة هامة متعلقة بأهمية الثورة التي اشتركت بها المرأة من كافة شرائح المجتمع ، ومشاركة المرأة في النضال والمساهمة في الخلاص من الاضطهاد، حيث تثير المسالة في ذات المرأة على أنها تسعى إلى الخلاص من اضطهاد المجتمع في خضم المقاومة، بالإضافة إلى مساعيها للخلاص من الاضطهاد الاقتصادي والعمل المأجور. وحيث أن النضال يزداد ثقلاً و قوةً إذا كان نضالاً مشتركاً مع الرجل رفيقها في المقاومة والذي بدوره هو الآخر مضطهد من الاحتلال والاقتصاد والعمل المأجور.

من الملاحَظ بأن نضال المرأة في المجتمعات العربية اصبح تدريجياً معزولاً عن نضال المرأة في فلسطين لكون بقاء الحالة الفلسطينية معلقة ، على الرغم من أن وضع المرأة في المجتمع الفلسطيني لا يختلف كثيراً عن وضع المرأة في المجتمعات العربية الأخرى، من حيث استمرار تلك النظرة التقليدية للمرأة . ان المجتمع الفلسطيني تعرض لتأثيرات مختلفة، خاصة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، مما أكسب واقع المرأة أهمية خاصة. نرى بأن حقيقة مشاركة المرأة في النضال اليومي و المباشر من اجل حقوق الانسان الفلسطيني و دورها الفعّال في صد الهجمات المستمرة على كافة الجبهات ، لم يصاحبها وعياً ينعكس على تحرير المرأة من تقاليد المجتمع والتي هي نفسها نصبح عقبة في طريقها و تعيق مشاركتها في النضال، بل استمر وفقا للنظرة التقليدية للمرأة، وتم تحديد ذلك ببنى تقليدية للمجتمع، تضيق مجالات النشاط النضالي أمامها، بل وجعل نشاطها محدوداً في أنشطة اعتاد المجتمع تقبلها.

اذ وفق هذه الأفكار الذكورية المعمولة بها لا تستلزم من النساء الخروج عن الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، و يجعل مساهمتها جزئية ومقتصرة على قطاع بسيط من قطاعات المجتمع. بالاضافة الى ثقل محاولات المجتمع في وضع حدود لنشاطها النضالي كي لا يحدث اختلالا في "البنى التقليدية للمجتمع " . وجود الكثير من المفاهيم السائدة حول المرأة سواء في محيط الأسرة أو في المجتمع ككل، أتاحت لنضال المرأة حالة من العفوية تبعاً للحالة التي كانت تعيشها الحركة الفلسطينية، وانه في الوقت الذي ارتبطت به مسالة تحرير المرأة

وإن المجتمع الفلسطيني في الحقيقة يعيش في مرحلة متوترة، ولعلنا نلاحظ أن نبرة العنف ضد المرأة، أصبحت عالية جداً ومتصاعدة. ولوضع الأمور في سياقها الأكبر والخروج من التحديات والصعاب المعقدة أمام المرأة الفلسطينية، خصوصاً إن سلة العنف بدأت تمتلئ وطوال الوقت يُلقى منها نتائج سيئة، فما هو المخرج من هذا كله؟! لذا تكمن أمام المرأة الفلسطينية في إطار طموحها نحو تمكينها من حقوقها، هو النظر بواقع ثاقب لتعزيز القانون الذي يحمي المرأة الفلسطينية،
أن النسق القانوني والبنية التشريعية التي وفرتها القوانين الفلسطينية تشكل أرضية جيدة نحو المشاركة والتغيير. وبالنسبة للمرأة، فالمحصلة العامة للتشريعات، ايجابية ومنصفة فيما يتعلق بالحقوق والمواطنة والشخصية القانونية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة أمام القانون، في ميادين العمل والتعليم والوظائف. ما يسترعي الانتباه أنه ليس بمجرد إقرار القانون أو التشريع يصبح الطريق أمامه ممهدة للتطبيق؛ فالعادات والتقاليد، والثقافة الذكورية، والنظرة المتوارثة للمرأة ودورها، كلها هذه عوامل معيقة ولازالت هي السائدة،؛الأمر الذي يعني أن جهداً كبيراً ينتظر القوى المجتمعية المساندة لهذه القوانين من أجل تطبيقها و سيادتها في واقع الحياة الثقافية والسلوك، وهذا الأمر من المفترض أن يتم برؤية تاريخية وببعد مبرمج ومحدد المدى.

لا يزال تحقيق المساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة في أعلى سلم الأولويات،
فالمرأة الفلسطينية تتكيف عبر الأجيال
وقالت القائمة بالأعمال بالإنابة للمراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، فداء عبد الهادي ناصر، إن المرأة الفلسطينية تكيّفت عبر الأجيال، بسلاسة، ليس فقط من أجل تجاوز الصعوبات، ولكن أيضا من أجل تحقيق النماء والازدهار، وكانت الحركة النسوية النشطة من العلامات البارزة للقصة الفلسطينية.