كيف يتسبب تلوث الهواء في انتشار وباء الربو بين الأطفال؟



مصعب قاسم عزاوي
2021 / 7 / 8

تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.

الرضع والأطفال حساسون للغاية لتلوث الهواء. الطفل الذي يبلغ من العمر 5 سنوات يستنشق حوالي 25 لتراً من الهواء كل ساعة وأكثر من 600 لترٍ في اليوم، أي أكثر بكثير من البالغ مقارنة بوزن الجسم. ونتيجة لذلك، يمكن أن تترسب كميات كبيرة من الملوثات المستنشقة على الأغشية الرقيقة التي تبطن القنوات التنفسية والرئتين للأطفال. مع جهاز المناعة غير الناضج، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي العلوي، مما يسبب العطاس وسيلان الأنف أكثر من البالغين. كما أن نظامهم التنفسي المتنامي ووظائف الرئة الدفاعية المحدودة يجعلهم معرضين للخطر أكثر بسبب تلوث الهواء الداخلي والخارجي.
يتعرض الأطفال الذين يعيشون في اتجاه الريح من مصادر التلوث، مثل شوارع المدينة الملوثة أو الطرق الرئيسية أو مداخن المصانع، يومياً لمستويات مرتفعة من تلوث الهواء من مصادر الاحتراق هذه. يمكن أن تحمل مفاعيل الطقس مزيجاً من الملوثات من المصانع والزراعة، بما في ذلك المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة ومبيدات الآفات. يعد احتراق زيوت الوقود الثقيلة في الأفران مصدراً إضافياً لتلوث الهواء في المناطق الحضرية. زيوت الوقود الثقيلة هذه، والتي تُعرف أيضاً باسم زيوت الوقود المتبقية، هي البقايا من عملية التقطير والتكسير للبترول، الملوثة بمركبات مختلفة كالمذيبات والعطريات والكبريت والنيتروجين.
ينتج تلوث الهواء الداخلي في المدينة بشكل أساسي عن انبعاثات عوادم البنزين والديزل من المركبات مثل السيارات والشاحنات والحافلات. تتفاعل الجزيئات الدقيقة من السخام والغازات المهيجة والسامة الناتجة عن الاحتراق، عند تعرضها لأشعة الشمس، مع الأكسجين لإنتاج ضباب دخاني سام يحتوي على أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، والأوزون، وهي عوامل معروفة جيداً تسبب التهاب الرئتين والجهاز التنفسي.
خلال أيام الصيف الساخنة والمليئة بالبخار، يمكن أن تكون مستويات الملوثات المحمولة جواً مرتفعة للغاية، خاصة خلال النهار عندما تصل مستويات الأوزون إلى ذروتها. مع حلول الليل، تنخفض مستويات الأوزون، ولكن غالباً ما يظل التلوث الناجم عن الجسيمات الصغرية المعلقة في الهواء مستمراً. لذلك، يمكن أن يمتد «الهواء السيئ» حتى الليل وخلال الفترات التي تقل فيها الملوثات الأخرى. بعض الجسيمات صغيرة بما يكفي لتتغلغل في عمق الرئتين ويمكن أن تنتقل إلى الدم، وتحمل خليطاً ساماً من أكاسيد الكبريت والمعادن الثقيلة وغيرها من المواد الضارة مباشرة إلى أجسام الأطفال.
يمكن أن يحتوي تلوث الهواء الداخلي في المنازل على مستويات عالية من دخان السجائر، فضلاً عن منتجات الاحتراق من المواقد والأفران والمدافئ المنزلية سيئة التهوية. عندما يكون المنزل جيد التهوية، فإن مستويات تلوث الهواء الداخلي تقترب من مستويات تلوث الهواء الخارجي، ولكن عندما يتم إغلاق المنزل للتدفئة أو تكييف الهواء، ترتفع مستويات تلوث الهواء الداخلي، خاصة إذا كان هناك مدخن في المنزل أو موقد أو مدفأة سيئة التهوية.
يمكن أن يكون للتعرض لتلوث الهواء الداخلي أو الخارجي تأثير فوري على الطفل، حيث يتسبب في حدوث صفير وضيق في التنفس لدى الأطفال غير المصابين بالربو، كما يتسبب في زيادة وتيرة وشدة نوبات الربو لدى الأطفال المصابين بالفعل بالربو. علاوة على ذلك، يمكن أن يسبب تلوث الهواء أيضاً التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي عند الأطفال. في الواقع، النتيجة النهائية لتلوث الهواء عندما يتعلق الأمر بالأطفال هي دائماً زيادة عدد حالات التغيب عن المدرسة وزيادة عدد حالات الاستشفاء.

فيما يلي بعض آثار تلوث الهواء على الربو:

أ) كلما زادت حدة تلوث الهواء، كلما زاد عدد حالات الربو بين الأطفال.
ب) الرضع الذين يتعرضون لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة لديهم فرصة أكبر للوفاة من متلازمة موت الرضع المفاجئ، والتي تُعرف أيضاً باسم الموت في المهد.
ج) المرأة التي تتعرض لتلوث الهواء أثناء الحمل لديها فرصة أكبر للولادة المبكرة أو طفل منخفض الوزن عند الولادة.
د) الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر بشكل سلبي لديهم معدل إصابة بالربو أعلى من أولئك الذين لم يتعرضوا لدخان السجائر.
ه) أطفال المدن الداخلية الذين يتعرضون لمستويات عالية من تلوث الهواء من السيارات والمصادر الصناعية لديهم معدلات أعلى من الربو وأمراض الجهاز التنفسي في المستشفيات مقارنة بالأطفال في المناطق التي بها تلوث الهواء منخفض.

إن الحد من تلوث الهواء، ولو لفترة قصيرة، يقلل من عدد دخول الأطفال إلى المستشفى بسبب الربو أو أمراض الجهاز التنفسي. أظهرت بعض الدراسات البارزة التي أجريت في المدن التي تستضيف الألعاب الأولمبية ذلك بشكل قاطع. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 في بكين، الصين، أن الحد من تلوث الهواء في الهواء الطلق، حتى خلال فترة الأسبوعين القصيرة خلال الأولمبياد، أدى إلى عدد أقل من زيارات غرف الطوارئ بالمستشفى من قبل مرضى الربو.
يمكن أن يكون للحد من تلوث الهواء على المدى الطويل فوائد عظيمة لصحة الأطفال. أظهرت دراسة أجريت في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة أنه بين عامي 2001 و2008، مع انخفاض مستويات تلوث الهواء، كان هناك عدد أقل من حالات دخول الأطفال إلى المستشفيات بسبب الربو مقارنة بالسنوات السابقة. عندما كانت معدلات التلوث أعلى، كان هناك المزيد من الأطفال في المستشفيات بسبب الربو.
إن معدلات التلوث المتزايدة في عالم اليوم ليست بشائر جيدة للأطفال المصابين بالربو. يضاف إلى هذا العبء حقيقة أن بعض الملوثات التي تم إطلاقها بالفعل في البيئة هي ملوثات بيئية ثابتة ستبقى في أجسادنا وأجساد أطفالنا وأحفادنا لعقود أو حتى أجيال. تظهر الاستطلاعات السنوية التي أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة أن معظم الناس اليوم يحملون كميات قابلة للقياس من حوالي 200 مادة كيميائية مصنعة في أجسامهم. يمكن لبعض المواد الكيميائية التي نتعرض لها جميعاً على نطاق واسع أن تتلاعب بعمليات الجسم الطبيعية، مما قد يؤدي إلى عدد كبير من الأمراض الحادة أو المزمنة الصامتة والعلنية، والتي قد يكون مرض الربو على رأس قائمتها الأليمة السارية بين فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض دون معين أو نصير لها في عصر الرأسمالية السمية بشكلها المعاصر الوحشي المنفلت من كل عقال قد يعيق سيرها المحموم لتحقيق أقصى الأرباح بأقصر الآجال بغض النظر عن أي خسائر جانبية، حتى لو كانت حيوات و عافية الملايين من الأطفال المعذبين صحياً في أرجاء الأرضين.

*****
هوامش:

للاستماع إلى نص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي:

https://academy.house/en/videos