عقول ذكورية فى أثواب نسائية



محمد فُتوح
2021 / 7 / 14

محمد فُتوح
-------------
عقول ذكورية فى أثواب نسائية
تحرير المرأة يحتاج " ثائرات " وليس " موطفات "
----------------------------------------


لا أعرف لماذا نظلم شهر أبريل ، حيث يبدأ هذا الشهر الجميل فى اعتداله ، ودفئه ، " بكذبة أبريل " ، وكأننا لا نمارس الكذب على مدار الاثنى عشر شهراً من شهور السنة ، نكذب على أنفسنا ونكذب على الأخرين ؟؟. نكذب على أقرب الأقربين ، وعلى أبعدهم ، نكذب على منْ يلتصقون بنا طول العمر ، ومنْ يمرون علينا مرورا عابرا ، كسحابة صيف .
نكذب فى البيوت المغلقة ، والمدارس ، والجامعات ، وقاعات المؤتمرات ، ومهرجانات التكريم والاحتفالات ، ولجان المؤسسات السياسية والثقافية ، نكذب فى الحزن ، ونكذب فى الفرح . وربما نكذب أيضا فى تواريخ الميلاد ، وتواريخ الزواج ، وتاريخ الوفاة .
بل ان التاريخ أصلا ، ممتلئ أغلبه ، بالأكاذيب ، وخيالات ورغبات وأهواء ومصالح ، منْ قام بكتابته ، التى تنتقل من جيل الى جيل . ولذلك قامت حركات اعادة قراءة التاريخ ، التى تقدم التحليل الأكثر منطقية ، وانصافا ، للأحداث التى خاضها الجنس البشرى ، على مدى عصوره .
من مقولات سيجموند فرويد ، رائد التحليل النفسى ، والطب العصبى ، الذى رحل عام 1939 : " فى كل حياتى وتجاربى الطويلة المتنوعة والكثيرة ، مع البشر ، لم يدهشنى شئ ، مثل قدرة البشر على التعايش مع الأكاذيب كل يوم ".
من أكبر الأكاذيب المشاعة ، والتى أسمع ، وأشاهد ، ترويجها ، كل يوم ، أن من المعايير الأساسية الدالة على تقدم أحوال المرأة فى المجتمعات ، هو أن تتقلد النساء المناصب القيادية فى الدولة .
وهذا أمر راسخ فى عقول أغلب الرجال ، والنساء ، اللائى يشتغلن فى مجال تحرير المرأة ، حيث يطالبن دائما بأن تزيد أعداد النساء ، فى مراكز صنع القرار ، وعلى قمة المناصب المختلفة .
لماذا أقول أن هذا الأمر ، أكذوبة كبرى ؟؟. لتوضيح فكرتى ، دعونى أذكر ، وأتذكر معكم ، ومعكن ، أربعة نماذج نسائية شهيرة ، عالمية ، تقلدت أرفع وأهم المناصب ، فى فترة متقاربة .
فى 22 نوفمبر 2005 تقلدت إنجيلا ميركل منصب أول مستشارة لألمانيا ، وفى يناير 2006 جاءت إلين جونسون كأول رئيسة لدولة أفريقية هى ليبيريا ، وفى العاشر من مارس 2006 تم حقل تنصيب رئيسة تشيلى ميشيل باتشيليت ، مفوضة بمتابعة السياسة الثقافية ، وأخيراً أصدر رئيس كوريا الجنوبية ، روه موهيون ، قراراً غير مسبوق بتعيين هان ميونج سوك ، المحامية والناشطة فى مجال المرأة ، وعضو حزب أورى الحاكم ، رئيسة وزراء للمرة الأولى ، فى تاريخ كوريا الجنوبية.
ويلاحظ الفرق الكبير فى الطريقة التى تقلدت بها النساء الأربعة ، الخمس لهذه المناصب القيادية . ، ففى الحالات الثلاث الأولى ، تم اختيارهن عن طريق الانتخاب ، أما فى الحالة الأخيرة ، فكانت عن طريق التعيين .
وبغض النظر عن طريقة تواجد هؤلاء النساء ، فى مناصبهن العليا ، الا أن منْ يتابع القرارات التى نبعت منهن ، والسياسات التى قدمن لها الدعم المادى ، والأدبى ، والاعلامى ، فى جوهرها ، تحافظ على البنية الذكورية للمجتمع والدولة التى جاءت بهن الى المنصب ،
والسلطة .
إذن فالمسألة بكل بساطة ، اختيار " لعقل رجولى ذكورى فى هيئة امرأة وحسب ".
إن مشاركة المرأة ، وفاعلية تأثيرها فى كل مناحى الحياة ، عالمياً ومحليا ، ومساهمتها فى قتل الوحش الذكورى ، المحتل ، المغتصب ، ليس أمرأ " بيولوجيا " ، لكل منْ يُكتب فى شهادة ميلادها ، أنها مصنفة فى جنس الاناث .
ولكن أن تفكر ، وتحكم المرأة بعقلية ذكورية، فهذا ليس نصراً لقضية المرأة ، حتى لو تقلدت أعلى المناصب .
وهل يمكن أن ننسى رئيسة وزراء انجلترا ، المرأة الحديدية ، " مارجريت تاتشر " ، التى تقلدت هذا المنصب الرفيع من عام 1979 ، الى عام 1990 ، والتى كانت فترة حكمها ، الأطول فى تاريخ هذا المنصب فى المملكة المتحدة ، برئاسة حزب المحافظين ، أنها كانت فترة فى منتهى الرجعية ، والعنصرية ، والذكورية ؟؟؟. فى فترة حكمها ، كانت الحركات النسائية فى أوج نشاطها ، وغضبها ، من ذكورية هذه المرأة الحديدية ، التى أصدرت من القرارات ، يعد تراجعا كبيرا فى مكاسب وحقوق النساء . بل ان مارجريت تاتشر ، كانت تعبر صراحة عبر وسائل الاعلام ، وفى كل اجتماعاتها ، أنها لا تفهم ما الذى تريده الحركات النسائية ، وأن وضع المرأة استقر منذ فترة ، ولن نغير فيه شيئا ، وقالت بالحرف الواحد " أعلم أن النساء يكرهوننى ، وأنا أيضا ، فهذه الحركات هى مثل السم ".
وفى مصر ، دخل البرلمان ، عدد من النساء ، اما هن صامتات ، أو موافقات مصفقات ، لا نسمع منهن شيئا ، يغير من الثقافة الذكورية للمجتمع المصرى . ولا واحدة منهن ، اعترضت على قانون
الأحوال الشخصية المهين للزوجات والأمهات والبنات والأطفال . ولا واحدة منهن ، اقترحت قانونا جديدا للزواج والطلاق والميراث ، يحقق
العدالة بين الجنسين .
ان غالبية النساء المنخرطات فى العمل السياسى المصرى ، وفى البرلمان ، يسيرن الأمور بالعقلية الرجولية الذكورية الموروثة . بل تجدهن أكثر تعصباً من الرجال أنفسهم ، فيدافعن عن دونيتهن ، ويتأقلمن مع ميراث القهر الذكورى ، دون الشعور بأى نوع من الظلم الواقع عليهن.
إن التحليل النفسى لهذه الظاهرة ، يكمن فى أنه غالباً ما يستدمج المقهور شخصية القاهر ، فيدافع عن أفكاره باستماتة ، ويتبنى هذه الأفكار دون أن يجد غضاضة فى ذلك ، ويكره ويعادى ، منْ يحاول توعيته ، وتحريره . وهو ، أو هى تفعل ذلك ، لشعورها أن منْ يدافع عنها على حق ، ولكنها لا تملك من الشجاعة لتجهر بغضبها المكبوت ، أو تراكم القهر الواقع عليها . لأن ثمن الشجاعة والجهر ، غال جدا ، قلة جدا من النساء اللائى يستطعن دفعه .
إن تحرير المرأة ، وحصولها على العديد من المكتسبات ، ليس مرهوناً بتقلد الكثير من النساء للمناصب القيادية .
فجولدا مائير ، ومادلين أولبرايت ، وكونداليزا رايس ، لسن إلا عقولاً ذكورية فى أثواب نسائية ، ساهمت ، فى تدعيم ، وترسيخ الأفكار العنصرية .
لقد تولت المرأة ، أكثر من ثلاثين منصباً قيادياً ، منذ بداية الألفية الثالثة ، تنوعت بين رئيسات دول ، أو رئيسات حكومات . ولكن القليلات منهن ، لديهن وعى بالعلاقة بين التخلص من الفكر الذكورى ، وتقدم البلد التى يحكمونها . قليلات منهن ، منْ تكون أصلا ، قبل المنصب القيادى ، " ثائرة " ، وليس مجرد " موظفة " .
إن طريقة التفكير الذكورية ، التى تكرس للتفرقة والظلم والكيل بمكيالين وإشعال الحروب والمتاجرة بالأسلحة وتسليع النساء ، هى السبب الرئيسى وراء كل الكوارث ، التى عانت منها البشرية حتى الآن.
نحن فى حاجة ماسة إلى أنسنة الحياة ، فعندما تنتهج القيادات النسائية وأيضاً الرجالية منهجاً جديداً فى التفكير ، منهجاً يؤسس لأنسنة الفكر والسلوك . حينئذ تكون البداية الحقيقية ، لصياغة عالم جديد يسوده العدل والحرية والمساواة.

من كتاب أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ 2007