مجمع الفقه الإسلامى و - زواج الفريند -



محمد فُتوح
2021 / 7 / 20

برغم السحابات المعتمة التى تحجب الضوء ، وبرغم الفتاوى الظلامية التى يطلقها علينا رجال الدين من وقت لأخر ، فتاوى تقوض الحياة لصالح الموت والفناء ، وبرغم موجة الأسلمة الزائفة التى نالت من كل شىء فى حياتنا ، وبرغم البيات العقلى الطويل ، وغياب النهار وانهزامه أمام الليل الأسود الحالك ، وانطفاء الشمس وإعلانها التمرد على السطوع ، برغم ذلك فإن الحياة تحتضن وتتشبت بخيوط الأمل ، علها تنسج منه ثوباً جديداً زاهى الألوان.
شئنا أم أبينا فإن التغيرات لا محالة ، قادمة ، لتهدم الأفكار الثابتة التى تدعى صلاحيتها لكل زمان ومان ، وما أحوجنا إلى تنويعات من التغير ، والذى لا يكفى أن يكون ضيفاً عابراً ، بل مقيماً ليبنى الجديد .
ويبدو أن وطأة التغييرات أصبحت جارفة ، إلى درجة التى أصبح فيها رجال الدين فى مأزق حرج ، يجعلهم لا يسايرون العصر ، وتغيراته فى شتى مناحى الحياة.
وتحت هذه الوطأة ، أقر مجمع الفقه الإسلامى ، بمكة فى السعودية شكلاً عصرياً من أشكال الزواج وهو " زواج فريند " لمواجهة مشكلات الشباب والفتيات المتعلقة بالزواج.
لقد ولدت فكرة " زواج فريند " على يد الشيخ عبدالحميد الذندانى عام 2003، وهو رجل دين يمنى الجنسية ، وكان يتعرض لظروف وأحوال المسلمين فى الغرب وخاصة تلك التى تواجه الشباب المسلم ، فى بيئة اجتماعية وثقافية ، تتناقض مع الكثير من العادات والقيم السائدة فى المجتمعات المسلمة.
واستناداً على قاعدة " التيسير" فى الفقه الإسلامى فــــ " زواج فريند " وكما يرى الشيخ الذندانى ، هو شكل من أشكال الحماية للشباب من الجنسين ، فبدلاً من أن يتخذ كل منهما " بوى فريند " أو " جيرل فريند " ، فإن هذا النوع من الزواج ، يعد زواجاً شرعياً وهو يعنى أن يتزوج الفتى و الفتاة ، دون أن يشترط امتلاكهما لمسكن خاص بهما ، فالمسكن ليس شرطاً شرعياً فى الزواج ، فما دام هناك عقد زواج صحيح يتمثل فى الإيجاب والقبول والشهود والولى والإشهار ، فلا حرج فى أن يعيش كل منهما ، فى بيت أبيه ، ويكون اللقاء بينهما فى أى مكان.
إن تيار العولمة قد اختزل الزمان والمكان ـ فأصبحت المشكلات التى يعانى منها الشباب المسلم تكاد تكون واحدة ، فما يقترح تطبيقه على الشباب المسلم فى الغرب ، يمكن تطبيقه أيضاً على الشباب فى البلاد العربية والإسلامية.
إن وضع الشباب المسلم فى الغرب ، قد يكون أحسن حالاً من الشباب فى البلاد العربية والإسلامية ، فالمشاكل المادية التى يعانى منها الشباب فى المجتمعات العربية والمسلمة ، تقف عائقاً منيعا ، يحول بينه وبين فكرة الزواج ، حيث صعوبة الحصول على مسكن ، وأزمة البطالة والعادات الاجتماعية الجامدة التى يتبناها الأهل . كل هذه تعد معوقات تحول دون الزواج بشكله التقليدى السائد . نضيف إلى ذلك ارتفاع سن الزواج وحالة الكبت الجنسى ، التى تتبدى للعيان من خلال نظرات الرجال التى تخترق أجساد النساء فى الشوارع والمواصلات ، وحالات التحرش الجنسى والاغتصاب وحالات أخرى كثيرة سرية ومسكوت عنها.
لقد ارتفعت نسبة العنوسة فى بلاد مثل مصر ، والسعودية ، بالرغم من أنى لا أرتاح لهذه الكلمة . لقد أدرك رجال الدين فى مؤتمر عقده مجمع الفقه الإسلامى ، مدى خطورة ، استمرار صعوبة الزواج ، فما كان منهم ، إلا أن يتبنوا هذا الرأى الذى طرحه الشيخ الذندانى مؤخرا .
إن " زواج فريند " لا يكون فيه الشاب مسئولاً عن الإنفاق . فكل من طرفى العلاقة يعيش فى بيت أبيه ، إلى حين الانتهاء من الدراسة ، أو الحصول على عمل وتحسن الأحوال المادية ، وقتها يمكن الحصول على مسكن ويتحقق الاستقلال الاقتصادى عن الأهل . إن عدم مسئولية الزوج عن الإنفاق ، لا يعنى انتفاء المسئولية الأخلاقية عن هذا النوع من الزواج ، فقد يُكتب له النجاح ويدوم.
إن نظرتنا إلى مفهوم الإنفاق يشوبها كثير من الخلل ، لذا يجب تعديلها ، فإنفاق الزوج يقابله طاعة الزوجة التى تعد ثمناً لهذا الإنفاق . إن الزواج يمثل شركة أو مؤسسة اقتصادية ، كل من الزوج والزوجة ، يجب أن يسهم فيها حسبما تسمح ، قدراته واستطاعته المادية ، أما الإنفاق مقابل الطاعة فهو مبدأ يفتقد إلى الإنسانية ، ومع ذلك وفى أغلب الأحيان نجد أن المجتمعات الذكورية ، تؤيد الأفكار والقوانين التى تخدم الرجل وخاصة فى مسألة الإنفاق وهذا ما نراه فى زواج المسيار، الذى ينتشر فى دول الخليج والذى فيه يتخفف الرجل من عبء الإنفاق ، وأيضاً قانون الخلع ، الذى يسمح فيه بالانفصال ، بشرط أن تتخلى المرأة عن حقوقها المادية.
إن فكرة الشيخ الذندانى والتى أقرها مجمع الفقه الإسلامى ، لم تسلم من النقد ، فهناك منْ يؤيد الفكرة ، وهناك منْ يعارضها استناداً وكالعادة على الفقه الإسلامى.
من بين المؤيدين للفكرة كان الشيخ عبد المحسن العبيكان ، وهو رجل دين سعودى ، حيث يرى أنه إذا توفرت شروط الزواج الصحيح ، فإنه يعد مقبولاً وصحيحاً بغض النظر ، عن كونه يتم تحت سقف منزل واحد يجمع الأسرة أو لا يتم ، والمرأة بإمكانها التنازل عن حقها فى المبيت والنفقة ، ما دامت تستطيع أن تلبث إلى جانب أبيها وأسرتها ، ولكن يشترط الزواج ألا يكون مؤقتاً ، ولا بنية الطلاق.
أما د. سليمان عبد الله الماجد القاضى فى محكمة الإحساء بالسعودية ، كان يرى أن فكرة الشيخ الذندانى ، ستكون بمثابة فتح فى علاج مشكلة كبيرة ، وهى تجاوز تكاليف الزواج قدرة الشباب والفتيات ، وصورة الزواج جائزة شرعا ، ولاتحمل أى محظورات فقهية .
ويؤيد فكرة " زواج فريند " الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى السابق فى الأزهر.
أما المعارضون ، فهم يتمسكون بصيغة الزواج التقليدى السائد ، ويشترطون المسكن لكى يتم الزواج ، ومنهم المفتى السابق لمصر ، الشيخ نصر فريد واصل ، وغيره من بعض المشتغلين بالدين.
إن الكثير لن يروقهم فكرة هذا الزواج ، فالعادات والتقاليد القابعة فى عقولهم تأبى أن تتقبل أى فكرة جديدة . إن الإنسان يخاف من التغيير ، ويخشى الجديد من الأفكار ، لذلك فهو لا يغير أفكاره ومعتقداته بسهولة ، وبالرغم من صعوبة ذلك إلا أن الأفكار الجديدة تتسلل إلى عقله شيئاً فشيئا . فالفكرة الجديدة كما يرى وليم جيمس عالم النفس والفيلسوف البراجماتى ، يرفضها العقل لأول وهلة ، ثم بعد وقت تتجاور الفكرة الجديدة بجانب القديمة فى العقل ، ثم شيئاً فشيئاً تزحزح الفكرة الجديدة تلك القديمة وتطردها من العقل وتحل مكانها.
إن توصيف وليم جيمس يصدق على أمور كثيرة فى حياتنا . فهناك أفكار جديدة حلت فى عقولنا مكان تلك القديمة ، خاصة فيما يتعلق بالمرأة ، مثل ضرر الختان ، وتعليم المرأة وعملها ، كل هذه الأمور كان العقل يرفضها ، ولكن مع مرور الوقت بدأ يؤمن بأهميتها وجدواها.
بالرغم من عدم إيمانى بالتغير الذى يأتى عن طريق رجال الدين ، إلا أن فكرة " زواج فريند " تعد خطوة متواضعة فى طريق حل مشكلة الزواج للشباب والفتيات المسلمات . ولكنها ليست حلا جذريا لمشكلات الشباب والفتيات فى سن المراهقة وقبل مرحلة الزواج . أيضاً هى محاولة للتغلب على مشكلات الزواج للشباب والفتيات المسلمات فقط. إن العدالة تقتضى أنه عندما نفكر فى الحلول ، يجب أن تكون المواطنة هى المعيار ، الذى نستند عليه ، فهى المظلة التى نستظل بها جميعاً.
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟؟ 2007