المعاناة في العلاقات الزوجية



محمد رياض اسماعيل
2021 / 7 / 21

لا اتناول الخلافات الزوجية البسيطة والعابرة في حياة الأزواج، بل سأبسط الخلافات المتأزمة التي غالباً تفرق الأزواج في مجتمعنا، تلك الخلافات التي أدت الى زيادة الطلاق في المحاكم حتى وصلت الى عشرة الاف حالة طلاق في الشهر، بمعدل حالة طلاق واحدة كل 4 دقائق. كل رجائي قراءة المقال بتمعن وتركيز.
العقل البشري، مصمم لخدمة صاحبه، أي منحاز بالتمام الى الشخص الذي يحمله. هذا هو تصميم الخالق الذي يهدف الى الحفاظ على النوع البشري في الوجود، فإن لم يكن كذلك لانقرضت البشرية، لذلك فان وظيفة العقل هو الدفاع عن حامله بكل الوسائل والأساليب. لنتناول ماكينة العقل ونستنتج دالة عمله.
يستمر العقل دائما في تسجيل مجريات حياتك في الذاكرة، وتثبت مباشرة موقعا خاصا إذا تعرضت للإهانة او للإطراء في مسيرة حياتك. إن تعرضت للإهانة لن تنسى ذلك، لأنك خزنتها مباشرة في موقع خاص في الذاكرة بواسطة آلة التسجيل او العقل، وهذه هي بداية للمعاناة. وكذا الحال بالنسبة للإطراء. فهل يستطيع الانسان ان يعيش بدون تسجيل؟ لماذا نخزن معاناتنا؟

قد يكون التسجيل هو من باب الحماية النفسية، كما ان التسجيل له أهمية في التذكر، أي لتجد بيتك وسيارتك وحاجاتك... هذا التسجيل يخلق صورا في عقولنا، صور عن أنفسنا، عن السياسيين، عن الناس وعن الله والانبياء، انه نوع من التأمين والحماية النفسية. والان لنتأمل العملية ولماذا نخزن معاناتنا!
ما هي الماكنة التي تخزن في عقولنا الاحداث؟ هل تخزن بانتباه ام انها تخزن اعتباطاً دون انتباه! هل المعاناة ضرورية لجعلنا نواجه الحاجة الى التغيير؟ حيث يرد في التراث والموروث الثقافي ان ولادة العباقرة والنوابغ والناضجين تأتي من المعاناة، اي يجب ان تعاني لكي تصبح متميزاً او لتصحح مسار حياتك. في الأديان كافة يجب ان تمر بالمعاناة لتصبح حياتك رغيدة، جيدة حسنة أي (بعد كل عسر يسر) ... المعاناة بنوعيها البدني والنفسي، ضرورية بحسب موروثنا الثقافي للفلاح، ويشترك في هذا جميع البشرية، والامر لا يقتصر بنا فقط، ورب قائلٍ يقول ان المعاناة يجب ان تنتهي بعد المرور بها، واخر يقول ان المعاناة غير ضرورية لأنها عنصر هدام للحياة لأنها تجعلك منطوياً على الذات. كما ان هناك معاناة يعطيك درساً لتصبح نبيلاً كريماً وتغير نفسك، وغالباً تعطي المجاعة والحروب والجائحات دروسا يخلص منها الانسان الى تعلم الدروس التي تجعله نبيلا ويغير نمط حياته. وترفض معتقداتنا واعرافنا توجيه أصابع الشك حول فكرة هذه المعاناة! لنفكر معا في الجانب الاخر.
هل بالإمكان انهاء الحزن؟ ذلك الحزن المتولد من الإهانة، هل بأماكننا انهاء القواعد الحياتية التي تلقنا بها ووعينا عليها منذ الطفولة؟ تلك القواعد العميقة التي أصبحت في الوعي او اللاوعي؟ هل بإمكاننا انهاء معاناة فقدان الاخرين؟ وعند تفحص كل ذلك، سندرك ونرى باننا مجروحين منذ الطفولة وخلال مسيرة الحياة، وهذه الجروح خلقت المعاناة، وهذه المعاناة ترسخت وبنت جدران حول نفسها يصعب اختراقها، ويصبح الانسان خائفاً من كثرة الجدران. ان هذا كله مؤذي، يتعبنا جداً، فهل نتمكن من مسحه نهائيا من ذاكرة عقولنا( ( Alt+delet؟ ويمضي هذا الأذى معنا طوال العمر، ويجعلنا أكثر عزلة عن الاخرين، أكثر خوفا من تكرر الأذى. لنفكر، هل بإمكاننا ان لا نتأذى مستقبلا؟ وان نمسح الأذى عنا اليوم والأذى الذي اصابنا في الماضي منذ الطفولة أيضا؟ إذا كنت جديا وتبحث للكشف عن سبب الأذى، وما هي الأذى ومن جَرَحَك في الماضي وتلقيت منه الاذى، أي باختصار هل بالإمكان عدم تسجيل الإهانة او الاطراء في الذاكرة، او أي امر مزعج واجهتك والايماءة به والغضب؟ هل بالإمكان عدم تسجيل كل ذلك وانهاء المعاناة ؟
يا أعزاءي، لنفهم أنفسنا، لنسعى الى فهم برمجة خالقنا لنا، ان الله يريد بالإنسان بقاءه، ان يحافظ على بقاءه حياً، وبرمج ذلك بخوارزمية منطقية للدماغ لاستمكانه من تسجيل الاحداث اليومية والعبر المستخلصة منها، وليتعلم نمط عيشه، ويتجنب كل من يهدد وجوده بالكلمة او الفعل، كما قلت ان الدماغ هو جهاز للتسجيل، مثل الحاسبة تسجل، لأنها وجدت في ذلك التسجيل الامن والأمان، السلامة، انه شكل من اشكال الحماية لنفسها، عندما يكنى شخصا بانه أحمق او حين يهان، يكون رد فعله المباشر لذلك هو التسجيل، قبل ان يكون الرد باللسان. أي ان الكلمة الموجهة لك نفسها (التي تأتي بالأذى)، لها أهميتها، لذلك تسجل. مثلها الاطراء أيضا. فهل بالإمكان عدم التسجيل؟ ان الواجب الخوارزمي للدماغ كما أسلفنا القول، هو التسجيل. اننا ان لم نسجل سوف لن نتعلم اللغة ولن نتعلم قيادة السيارة ولن نتعلم مواقع بيوتنا ومكان عملنا ومحال البيع والدوائر الحكومية... اذن هل بالإمكان فقط عدم تسجيل ردود الفعل النفسية؟ كيف؟ كيف يمكن عدم تسجيل الإهانة والاطراء فقط؟ الاطراء مفرح نريد تسجيله، لكن كلا العنصرين تقرئان وتسجلان معا. ما هو العضو الذي يتأذى؟ هل هو شيء واقعي حقيقي صلد انت نصبته، ام تكتيكي، هل هو شيء تستطيع الحديث عنه ام هو شيء خلقته عن نفسك بخصوص نفسك؟ انا لي صورة عن نفسي، هذه الصورة تشكلت منذ الطفولة، كان تتصور أنك ذكي وماهر مثل اخيك، بل أحسن منه، هذه الصور تتكون تدريجيا، سواء عن تعليمك او غيرها، مجموع هذه الصورة هي الانا، وهي التي تأذت، أي انا، وطالما لي صورة عن نفسي، سأتأذى حين اراها تضرب بالمداس من الاخرين! هل بالإمكان منع تكون هذه الصور؟ ماهي هذه الماكنة التي تكون وتخلق الصور وليس العكس؟ الصور عن بلدي وعن السياسيين، عن رجال الدين وعن الله، تتبع تصنيع الصور كلها، من صنع ذلك؟ ولماذا صُنع؟ صنع من اجل الأمان، لأسباب تتعلق بحماية النفس، هذا هو السبب باننا جميعا لنا صور عن أنفسنا. من خلق هذه الصور وما الالية والعمليات التي تخلقها؟ هل يمكن لهذه الالية ان تنتهي وتقف لو انتبهنا انتباها تاما؟ ام ان الالية تعمل عندما لا يوجد هناك انتباه؟ عندما تطلق نحوي عبارة أحمق، والكلمة كالحجر لها وقع واستجابتي لها تكون (انت الاحمق السافل)، الان هل بإمكاني معرفة معنى الكلمة، الإهانة التي قصدتها نحوي، انتبه لكل ذلك لحظيا، هل بإمكاني ان اعي هذه الكلمة لحظيا وإنك تستعمل الكلمة لكي تهينني؟ انتبه تماما في تلك اللحظة، انها ليست بذرة انت بذرته، ليست شيئا انت وضعته، لكي تتجنبه، في ذلك الانتباه لا يوجد مستقبل! عندما تطلق نحوي عبارة أحمق وانا غير منتبه ولست أحمقا، لم اعر انتباها لما قلته، ثم يبدأ التسجيل، تستطيع ان تجرب هذا الان، إذا نجحت، كل جروحك في الماضي والان، ستتحرك كي لا تتأذى.