أصل الحكاية


صلاح الدين محسن
2021 / 7 / 31

من مدونتي - 29-7-2021 *

تداول الاعلام في الأيام الأخيرة , خبر قتل صبية سورية عمرها 13 سنة علي أيادي أخوتها وأبيها . بسبب مسألة الشرف - زواجها بدون رغبتهم ورفض الزواج من ابن عمها
انها مأساة تحدث كثيراً ببلاد الشرق - المنتمية لدول العالم الثالث -
لا وجود لها عند أهل الغرب المتقدم / العالم الأول
ليس لأن الشرق وحده يعرف ويحفظ عن ظهر قلب : الشرف والعرض والكرامة .
ولا لأن الغرب لا يعرف أو ضيَّع تلك المفاهيم . و فسق وفَجر ..
كلا .. أبداً
و أصل الحكاية :
في البداية عند الانسان الذي عاش بالفطرة .. لم تكن هناك جرائم ما يسمي بالشرف وغسل العار ..
فالبنات والأولاد كانوا يعيشون معاً كما كل الكائنات الحية . كما الحمائم , والقطط .. وكما العصافير ( لنزار قباني , مقولة : أريد أمة تدعني أمارس الحب , كما العصافير فوق الشجر )

كانت الحياة الفطرية بريئة .
فماذا لو حملت البنت ؟
لا شيء . لا مشكلة . ولا يسألوها كيف ولا لماذا ولا ممن جاء حملها .. ؟
فليأتِ المولود . علي الرحب والسعة
لأن الأرض براح . ومجاناً , وتسع كل من يأتي .. والحياة سهلة بسيطة
والعلاج من الأعشاب - مجاناً - لا رسوم لطبيب ولا في مستشفي..
ولم تكن توجد مدارس تحتاج الي مصاريف . وتحتاج لمواصلات مكلفة .
ولا السكن عليه ايجار و الأرض لزوم السكن لا تشتري . بل مجانية .
والطعام من شجر البرية . والصيد بأنواعه حر ومفتوح ..
والفِراش من جلود الحيوانات ..
والملبس من أشياء بسيطة من البيئة .
كل شيء سهل .. الحياة كلها كانت سهلة . غير مكلفة
فرحبوا بأية مواليد جديدة .. تلدها البنات . كيفما وحيثما ومتي تولد تلك المواليد . لا يهم
يعني لم توجد جرائم قتل للبنات بسبب الشرف , وغسل العار ..
فماذا جري ؟! ..
ازداد تعداد البشر
صارت الأرض لأجل السكن غير مجانية .. بل تباع . وبالمتر ! .. إما بسيطرة الحكومة أو بسيطرة الأقوياء ذوي النفوذ .
لم تعد العلاقة بين الاناث والذكور مشاعاً كما كانت .. بل صارت محددة , مثلما صار الرزق محدداً .. كل أنثي لها زوج . كل رجل له زوجة أو أكثر . وصار يحرص علي عدم اختلاط نسبه بنسب غيره .. كل شيء صار محدداً - كما الرزق وكما مساحة الأرض اللازمة للسكن والعيش فوقها .. فتحكم الرجل في تحركات الأنثي .. ويبقي هو حر في تحركاته في عمل علاقة مع اناث أخريات . عندما يجد الفرصة . أو الزواج بأكثر من أنثي .. أو اقتناء جواري .. فالرجل هو الذي يعمل ويكتسب الرزق . والمرأة مكتفة بالحمل والوضع والرضاعة ورعاية وتربية النسل

وتغيرت الحياة أكثر , فصارت هناك مدارس ومستشفيات . ومواصلات غير الدواب .. كل ذلك محتاج لفلوس
والفلوس من أجر الأب ..
والأب يحتاج للعمل بمصنع أو مزرعة أو معمل أو عيادة أو مدرسة
والأشغال ليست متوفرة دائماً ..
والأجور من غير المضمون أن تكفي حاجة أسرة كل أب ..
فماذا لو أنجب أب 4 بنات أو أكثر .. وكل ابنة أنجبت 5 .. وكان المجموع 20 - مثلاً - وكلما اختلفت ابنة مع والد أولادها . عادت لبيت أبيها . تجر معها ربطة أولاد وبنات !؟

فمن أين للأب باسكانهم . واطعامهم . وكسائهم , وعلاجهم وتعليمهم ؟؟
انها كارثة .. كارثة حقيقية
من هنا تبدلت الأحوال , و اختلف العُرف .. وجاء عُرفٌ جديد يمنع البنات من الاختلاط بالأولاد ( قاعدة مع الأولاد ليه !؟ هو انتي ولد !؟ / بتلعب ومحشور وسط البنات ليه !؟ هو انت بنت !؟) -- لم تكن تلك المحظورات موجودة من قبل ..

ثم منع البنت من الخروج بمفردها . خشية أن تحمل وتأتي للأب والأم بكارثة . انسان مطلوب اعالته . بينما الأب يعول أسرته بمشقة وبالكاد
ثم منع البنت من الوقوف في شرفة المسكن أو الوقوف كثيراً بالشبّاك . خشية أن تغوي رجل , ويغويها , فتحمل منه وتلد كارثة .
و لمزيد من الحجز والمنع دون اختلاط البنت بالولد . الأنثي بالذكر .. :
جاءت فكرة الحجاب ..
وللمزيد من الاحترازات جاءت فكرة النقاب بعد الحجاب
وللمزيد من التحوطات .. جاءت فكرة بقاء الأنثي في البيت - قَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ - سورة الأحزاب 33
وللمزيد .. صارت الأنثي المُخالِفَة تسمي : قليلة أدب , عديمة التربية . سايبة وعايبة وموش لاقية حد يشكمها و يحكمها , وعاوزة كسر رقبتها !
ثم عمل جزاء وعقوبة للابنة المخالفة
وضعت عقوبات للإناث اللائي يحبلن بدون زوج يتكفل بالمولود . كي لا تأتي بكارثة لأبيها .
والعقوبات تتراوح بين الجلد والرجم / وغالباً لا تطول العقوبات سوي الاناث فقط دون شركائهن من الذكور .. !
ثم دخلت الأديان .. فتبنت تلك العقوبات , وشرعنتها ! جعلت منها شريعة . والشريعة نسبتها الي الله ! وهددت وتوعدت من يخالفها . وهكذ تم ادخال الله في الموضوع !
لكي لا ننسي أساس المشكلة . وسبب كل التطورات والتصعيدات ضد الاناث : لمنع وقوع كارثة فوق رؤوس الآباء . تتمثل في انجاب بناتهم والقاء الذرية فوق رأس كل أب ليتكفل بهم بينما الدخل محدد , والسكن محدد الاتساع . وكل شيء صار له ثمن , بعدما كان كل شيء مجاناً في زمن العيش بالفطرة .

ثم تصاعدت القيود والمحاذير ضد الأنثي , حتي وصلت لمنع ارتفاع صوتها ! : " المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذ كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها / منقول من " اسلام ويب " : نت . https://www.islamweb.net/ar/fatwa/43307/
ثم إلزام الأنثي بأن : توارب عينيها ( يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ( سورة النور:31 )
ولمزيد من محاصرة الأنثي , ألزموها بلبس الأسود , إما عباية سوداء أو غطاء للوجه . لكي يصيب الاكتئاب من يراها من الذكور , وتجيله سَدّة النفس ! فلا تفتنه بملابس زاهية الألوان أو بيضاء ! ولا هو يفتنها .. ..

وبسبب عزل الاناث عن الذكور , طوال قرون عديدة . بلغت المثلية الجنسية عند ذكور بعض الدول - كالدولة صاحبة الأراضي الطاهرة المقدسة ! والدول الملاصقة بها ذات الأجواء شديدة الحرارة - علي أقل تقدير 90% ! ذكور لا يرغبون ولا تفتنهم الاناث ! - وبطبيعة الحال تكون المثلية الجنسية عند الاناث هي بنفس النسبة !
فان سأل سائل : اذا كان الغالبية الساحقة من ذكور أمتكم لا تفتنهم الاناث - مثليون جنسياً - فلماذا فرض الحجاب والنقاب وسواد الملابس , علي الاناث , بحجة منع الفتنة ؟ أية فتنة !؟ ان فتنة الذكور - أغلبها - لم يعد مصدرها الاناث , وانما الذكور يفتنوا الذكور ! - واناث تفتنَّ اناث - , فلماذا التضييق علي الاناث بالذات , بالحجاب والنقاب والملابس السوداء وبالحجز بالبيوت !؟
فيأتي الرد , ليس وحسب من شيوخ الفتاوي , بل من اناث مؤدلجات عقائدياً : " الحجاب أو النقاب : طاعة لله " , " وفيه عفة وطهارة " ! .. !
لأن الله - بواسطة الأديان - كما قلنا دخل علي الخط في تأكيد وتثبيت فرض الحجاب والنقاب .. !
وهكذا صارت الأنثي محاصرة بتل من المحظورات والممنوعات و المنكرات والتشديدات والعقوبات بقوانين وأعراف , وتشريعات صادرة من الأرض و من الفضاء الخارجي - من السماء ورب السماء وجبريله الأمين ! ..

وخروج الأنثي عن ذلك : فيه جرح للشرف والكرامة والعرض .. وعار / لأجله تراق دماء الاناث وتزهق أرواحهن , دفاعاً عن الشرف وغسلاً للعار .. !!!
ولمزيد من تأمين الآباء ضد أن تنجب البنات دون عائل , منعاً لوقوع كارثة فوق رؤوسهم .. ابتكروا فكرة " المهر والشبكة والمؤخر , وقائمة بأثاث الزوجية " تأمين للأنثى. وتأمين بالمقام الأول لأبيها / اذ هجرها الزوج. أو مات وترك لها أولاداً فلا تعود لبيت أبيها وتكون كارثة عليه

وبالمهر والشبكة والمقدم والمؤخر وقائمة أثاث الزوجية يتعقد أي مشروع زواج , أشد تعقيد .. ! وتعقيد وتأخير سن الزواج يتسبب في مشاكل من كافة الأنواع التي يعرفها علماء - وأخصائيو - النفس والاجتماع .. والمثقفون / ( والعارف يقول للي موش عارف ! ) .
أما إذا كانت الدولة حديثة متحضرة .. وتؤمِّن صحيًا واجتماعيًا علي كل امرأة وعلي أطفالها : تختفي الشبكة والمهر والمؤخر - ويشترك الطرفان في أثاث الزوجية وفي نفقات الاعاشة... وتغدو الحياة سهلة ( عدا زواج الوجاهة .. عند أصحاب الملايين والمليارات ، ونجوم الفن .. يدفعوا الملايين في شكل هدايا ثمينة .. كزواج ملياردير بأرملة رئيس أكبر دولة بالعالم ، أوزواج ملياردير بمطربة أو ممثلة مشهورة جدا ، ، إلخ ) عدا ذلك فان عموم الناس بالدول المتحضرة التي تُؤمِّن حياة المرأة وحياة أطفالها ، تتحقق فيها الحرية الشخصية والاستقلال الاجتماعي التام عن العائلة فلا يحتاج ارتباط امرأة برجل الي ثمة تكاليف سوي ان يذهب طرف منهما للإقامة مع الآخر في مسكنه ، ويتشاركان في نفقات المعيشة بالتراضي بينهما. وكل منهما شرفه وكرامته معه في جيبه هو , ولا دخل لأهل ولا لأحد في ذلك , فأهل الأنثي - أب , أخ , خال , عم - كل منهم أيضاً : شرفه محفوظ في جيبه هو , وليس محفوظاً بين أفخاذ أية أنثي مهما كانت صلة القرابة بها / وتحت ظل حماية القانون

ولم يتوقف الحال الآن بدول العالم الثالث المتخلف عند الدفاع عن الشرف والعرض بقتل الأنثي بيد الأب والأقارب ! بل قد يمتد حتي الوصل الي إدعاء الدفاع عن شرف الحي ! أو شرف الشارع ! أو كرامة الحارة ! وحتي : الدفاع عن شريعة السماء , ضد من يخالفونها .. ! .

لكن في جزء متقدم من العالم .. اختلف الأمر .. عندما صارت الأنثي تعمل وتستطيع الانفاق علي نفسها . فلا تكون عبء ولا كارثة علي أبيها أو أي من أقاربها
وصار عندها وعي . بحيث لا تربك نفسها بالانجاب الكثير. بل بانجاب واحد أو اتنين - في الغالب - ليمكنها رعايتهما وحسن الانفاق والتربية.
بعدما صارت الدولة - المتقدمة المتحضرة - تظلل الأنثي - والذكر , وكل المواليد وكل المواطنين - كما قلنا - بمظلة تأمين اجتماعي وتأمين صحي .. -
الدولة تعالج الأنثي - وكل أفراد المجتمع - من يوم ميلادها . وتكفل لها ضمان اجتماعي ..
وبوصول الأنثي لسن 18 سنة . تلتحق بعمل - أو تحصل علي مبلغ من الضمان الاجتماعي . أو تعويض بطالة ..
هنا شعر الآباء بالأمان . ميلاد أنثي لا يشكل كارثة . الأب لم يعد مسؤولاً بأي شيء تجاه الأنثي .. و انجابها للكثير أو القليل , لا دخل للأب به . فترك لها - وبالقانون - حرية السكن بمفردها أو مع من تحب . بدون زواج أو بزواج . وحرية الانجاب بدون زواج أو بزواج - حسبما تري هي - فلا ضرر يمكن أن يقع عليه .. وتلبس ما تشاء , ولا تلبس ما يقيدها أو يحجر علي حريتها في كشف شعرها . أو أكتافها , أو سيقانها , أو تضييق ملبسها من عند الأرداف , أو ارتداء قميص يكشف عن أعلي الأثداء . وتنظر من البلكونة والشبابيك بكامل حريتها . وتخرج متي تشاء بمفردها ولو في منتصف الليل . ترفع صوتها : في المظاهرات أو في البرلمانات . أو في مجالس ومنظمات هيئة الأمم المتحدة .
الأب لم تعد له صلة بمشاكل الأنثي ابنته . ولا مسؤولية عنها ببلوغها سن 18 سنة .
صارت الأنثي حرة كما كانت قديما في زمن العيش بالفطرة .. !
ولا حاجة لأب لأن يكلف نفسه مشقة الرقيب علي ابنته بلا داع. ولا القانون يسمح له بفرض رقابة علي ابنة تعمل وتكسب نفقات معيشتها بنفسها ..
وبذلك يكون التحضر والتمدين للدول والشعوب التي حققته .. قد أعاد للأنثي - وللذكر - زمن الفطرة , مرة أخري .
والتقي وتعانق زمن الفطرة مع زمن وعصر دول الحضارة الحديثة ..
وأية دولة ستلحق هكذا بالدول المتحضرة .. سيختفي منها تلقائياً , ما يسمي بجرائم الشرف وغسل العار .. وسيزول الحجاب والنقاب والملابس السوداء كما الهباب
وسيرتاح الآباء , والبنات . والشباب . وسيرتاح القضاء والبوليس والنيابة .. سيرتاحوا باختفاء مشكلة القتل لأجل الشرف وغسلاً للعار / عدا :
مؤلفي قصص ومسلسلات وأفلام وحكايات ومآسي جرائم الشرف . وأصحاب الفتاوي الفاقدة للانسانية , ذوي العمائم بألوانها المختلفة - السوداء والبيضاء والحمراء - وإعلام وصحافة أخبار الحوادث , والنائحات والندابات .. وحفاري قبور الاناث - ضحايا قضايا الشرف - ... لعل هؤلاء فقط هم الذين سيتضرروا من التحاق بلادهم بأمم العالم المتمدين المتحضر ...

هذه هي الحكاية من أولها لآخرها .

--- مراجع :

كتاب " أصل العائلة " تأليف : فردريك انجلز .
------ موضوع ذو صلة : تناولنا تلك المشكلة من قبل في قصة " سونسون " - وهذا المقال يعتبر ملخص للقصة . التي وردت ضمن مجموعة قصص " تحرير الرجل " لكاتب هذا المقال , والمطبوعة عام 1998 ... قصة سونسون , منشورة بالانترنت في موقعين :
https://salah48freedom.blogspot.com/2015/06/blog-post_22.html

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=114136

------ * https://salah48freedom.blogspot.com/2021/07/blog-post_50.html