ارتقاء القيم في مجال المرأة والجنس بالأوساط الأمازيغية المغلقة حوض زيزفي قسمه الجبلي نموذجا



لحسن ايت الفقيه
2021 / 8 / 1

ثبت، بعد إجراء مقارنة بسيطة بين تاريخ أول وثيقة عرفية اطلعت عليها، وتعود إلى سنة 1854، ووثائق أخرى، أحسبها تعديلا للعرف في عهد الحماية الفرنسية في بحر سنة 1946، أن ارتقاء القيم قائما. ورغم انتقاد المحكمة العرفية، وانتقاد الظهير الذي كان ينظمها، ظهير 16 من شهر مايو من العام 1930 المشهور بالباطل باسم «الظهير البربري»، فمن الواجب التسجيل أن المحكمة العرفية فتحت باب الاجتهاد والاستماع إلى أراء السكان، حتى الأطفال اليتامى منهم فيما يتصل بوضعية أمهاتهم.
كل سكان زيز يتذكرون اجتهادات الخبير العرفي، عضو المجلس العرفي بالمحكمة العرفية بالريش، الفصيح علي قايد، المتوفى سنة 1968. اجتهد مرة، يوم قصدت المحكمة العرفية أرملة حامل، توفي زوجها وخلف ولدا ذكرا واحدا وبنتين اثنثين، اجتهد أن يجعل لما في بطنها نصيب مولود ذكر. سألوا الطفل اليتيم عن هذا الرأي/ الاجتهاد، ورفضه معللا بما يلي: أرأتيم لو وضعت والدتي توأمين كلاهما ذكر، فماذا تفعلون حينئذ؟ استحسن علي قايد والضابط الفرنسي رأي الطفل اليتيم وتأجل الحسم في تقسيم تركة الهالك. وحصل أن رفع دعوى قضائية في عهد استقلال المغرب، في الستينيات من القرن الماضي، ضد مواطن رفض أن يدفع له واجب كراء المنزل بمركز الريش، ورفض أن يخرج من المنزل. قال له القاضي: كنتم مفسدين في عهد الحماية الفرنسية تتلقون رشاوى! أجابه علي قايد: ما نتلقاه لا يتجاوز قالب سكر، وسأمنح لك كيسا من السكر لتسوي الإشكال الذي حاق بي. قال له القاضي: اقترح علينا ما تراه مناسبا. قال له علي قايد: أن يؤدي هذا المواطن واجب الكراء ويستمر في كراء المنزل، أو يفرغ المنزل دون دفع واجب الكراء. ولو صادفت هذا الأمر في عهد الحماية الفرنسية، فإنه هذا المواطن سيؤدي ما بذمته، ويفرغ السكن، ويعاقب بالسجن لأنه أخل بالواجب.
يروم هذا الاستشهاد تقريب فهم الاجتهاد الذي تقوم به المحكمة العرفية التي لا تفتأ تعلل أحكامها فينجر عن ذلك التعليل قيم جديدة. ومعنى ذلك، أن العرف موضوع اجتهاد، وطالما يجري تعديله ليلائم وحاجات الإنسان. ويبدو ضليلا ذاك الذي يقدر العرف وفق ثنائية التقدم والتخلف، أو ثنائية الملة والنحلة، لأن العرف الأمازيغي وظيفي، وليد العلاقات الوظيفية التي تروم السلم والاستقرار بوسط يكاد أن يكون مجردا من الموارد الطبيعية. وتتصل مراجعة العرف، فوق ذلك، بدعم تماسك المجتمع والأسرة. لا يحق أن تتغذى الخلافات وينشأ الشنآن على أساس الجنس غير الشرعي، بما هو غريزة التي لا تروى. وفي جميع الأحوال فقد اهتدت سلطات الحماية الفرنسية إلى أهمية القيم لضمان التهدئة. وحسبنا أن هناك من يمجد الأحكام العرفية لسرعة البت في الأحكام، وانسجام هذه الأخيرة والقيم السائدة. ما أن ميز أحد الأحكام المذكورة بما يشينها عدا أولئك الذين استحوذت عليهم مرجعيات ما ورائية من حيث المعتقد، وباتوا يمجدون الاستغلال الجنسي للمرأة، وزواج المتعة، وإتيان النساء من خلفُ [ظرف مبهم مبني على الضم]. وليس غرض هذه الورقة الوقوف عند توتر القيم، بل النظر إلى العرف الأمازيغي من حيث ارتقاء القيم، والاستشهاد بما حصل بجبال الأطلس الكبير الشرقي، في أمد يداني قرنا من الزمان، مع التركيز على حوض زيز.
يمكن التسجيل، في البدء، أن حوض زيز في قسمه الجبلي تقطنه «أيت يزدك» وتهيمن عليه ثقافيا، لذلك فُرض عرف «أيت يزدك» في عهد الحماية الفرنسية على الأقليات العرقية. ولم ينج من هيمنة المحكمة العرفية واختصاصها الترابي سوى قريتين، زاوية سيدي حمزة وقصر الند بالسفوح الجنوبية الشرقية لجبل العياشي. وتبتعد أعراف «أيت يزدك» عن أعراف قبائل أخرى بالأطلس المتوسط لتضمينها حق المرأة في الإرث. وقد يرجع ذلك إلى ضعف التجانس في القبيلة، لأن أبطنها غير متقاربة عرقيا، فوق أنها كثيرة التوتر، إذ يعبر وسطها أكبر معبر يربط هضاب الشمال بواحات الجنوب.
ومن بين أوجه الاتفاق تقديم الزواج العشائري وتفضيله، مع سماح «أيت يزدك» بالزواج غير العشائري، وكل يتفق أن الفتاة البكر ملك للقبيلة. ولا يمكن أن تتزوج بدون موافقة والدها. والزواج، بما هو يكسب طابع الاستمرارية، عقد بين الرجل والمرأة. ويسمح للرجل أن يختار شريكته، ولو لأول مرة، وقد يصادف عائقا من لدن أبيه في بعض الأوساط. وقد حصل في التسعينيات من القرن الماضي أن عارض والد ابنه في أن يتزوج بطالبة جامعية لأنها ليست من عرق أمازيغي.
ومن الممنوعات في مجال الزواج منع الرجل من التزوج بالمرأة التي أفحش معها، وبلغ الخبر عامة أفراد القبيلة. وبالمقابل يحق له أن يتزوج بالفتاة التي افتض بكارتها وأغواها.
ولأن الزواج عشائري في الأصل فإن الفتاة البكر تزوج من لدن أقرب الأقربين إليها، ولا يمكن تزويجها بدون رضاها ضد إرادتها بتعبير أدق «contre son gré»، وحينما يُوافق على تزويجها، لا يحق لها الرفض. وأما الأرملة فلا يحق لها أن تتزوج إلا بعد انقضاء أمد عدتها «La retraite légale». ولا يمكن للمطلقة الحامل أن تتزوج إلا بعد إتمام مولودها حولين كاملين. ويتفق عرف قبيلة أيت يزدك مع الشريعة الإسلامية في حال الطلاق الثلاث، إذ لا يمكن لطليقها أن يتزوجها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره.
ولما كان الزواج حقا مطلقا لدى قبيلة «أيت يزدك» ، فبإمكان الرجل أن يرث نصيبه من ملك أبيه وهو حي، نصيب يضاف إليه مصاريف الزواج إن كان أعزب. والزواج لدى الأمازيغ عامة يرادف الالتزام بالواجبات الزوجية، وأهمها المواظبة على ممارسة الجنس. وبالتالي، يمكن للمرأة البكر أن تطلب تكاليف عرسها إن ثبت عجز الزوج عن ذلك العل، أو تبين لها ليلة الدخلة أنه لا يقدر على فعل الوطء، والدخول الفعلي. لكن وجب على الزوجة في الحالة الثانية أن تمكث ببيت الزوجية حولا كاملا لتتأكد من العجز، وتؤكده بالخبرة، إذ يقوم الخبراء بدفع رأس بيضة في فرجها للتأكد من أنها بكر. ولقد استمر فحص البكارة ببيضة الدجاجة إلى حدود السبعينيات من القرن الماضي، وقد حصلت في هذا المجال عدة وقائع، لا داعي للاستشهاد بها.
ويمنع على المطلقة التزوج بطليقها الأول، بعد طلاقها الأول، فضلا عن ثلاثة أشخاص يحددهم الزوج، ألا يكونوا عشاقها الأسبقين. وقد سلف أن قلت في كتابي إملشيل جدلية الانغلاق والانفتاح أن هذه المادة غريبة، لا مكان لها في عرف «أيت يزدك». فلا وجود لحصر ثلاثة أشخاص ومنعهم من التزوج بالمطلقة، وإنما يجوز، وفق ما يتضمنه عرف «أيت يزدك» ، حصر شخص واحد إذا كان طليقها. ولا شك أن هذا السلوك وليد ارتقاء القيم، أو التأثر بتقاليد القبائل المجاورة.
والطفل السباعي مشروع شريطة مضي سبعة أشهر عن موعد إعلان الزواج أو فسخه، أو أثناء إعلان الأرملة أنها حامل إبان العدة الشرعية «La retraite légale». وأما إذا شاع ارتكاب الفحش الجنسي فإن الولادة قبل تسعة أشهر غير مشروعة ويصبح المولود ابن زنا. والرضاع أمده حولين كاملين.
وأما ممتلكات المرأة التي تجلبها إلى بيت الزوجية فهي جامدة لا تنمو ولا »تنخفض. وأما عملها فمردوده للزوج وحده. وحينما تجلب الزوجة حيوانات إلى بيت الزوجية فهي ملك للزوج. ثبتت هذه القيمة، بعد تعليلها بحكم رقم 704، صادر عن المحكمة العرية بالريش بتاريخ 6-2-1946.
وعن الفحش تأكد أنه حينما تعطي المرأة للوجود كائنا حيا، خارج بيت الزوجية، فإن المتهم بالفعل ملزم بالزواج بها إلا إذا تقدم بعشر محلفين «Co- jureurs». و«من ارتكب فحشا يعطي للزوج على سبيل التعويض 2000 فرنك»، وفق اجتهاد قضائي، حكم معلل رقمه 49 بتاريخ 26/03/1946. وإن ولدت المرأة التي فحشت، في بيت الزوجية، فالفحش الحاصل يتصل بسمعة الرجل لأن قبل تعويضا مقابل فعله. ومن اغتصب فتاة بكرا أو أرملة يُحمل على الزواج بها أو دفع نصافا قدره 2000 فرنك.
وفي جميع الأحوال فالمرأة تحت سلطة أبيها أو قريبها أو زوجها، فهي تحت عصمة «agnatique».
أين يكمن تحول القيم، أو ارتقاؤها في عرف أيت يزدك؟
ثبت ذلك التحول في ثلاث ملاحظات:
ـ إرث المرأة قبل هلاك الهالك استثناء، وكانت القيمة إلى حدود سنة 1854 مقتصرة على رجل واحد بقرية تخلفونت.
ـ التأثر بالشريعة الإسلامية تحول في قيم القبيلة التي ظلت تؤمن وإلى حدود سنة 1859 بفصل الدين عن الدنيوي.
ـ التنازل عن فحش المتزوج مقابل تعويض مالي تحول في القيم إن لم يقتصر على الحالات اليتيمة.