افتراءات رجل ذكورى يدمن الجمود والتعصب



محمد فُتوح
2021 / 8 / 9


كنت أعتقد أننى سأقرأ نقداً رصيناً ، يصدر عن إنسان قد عَرًف نفسه بأنه أكاديمى متخصص فى الفلسفة والأديان . لكن من الوهلة الأولى ، خاب ظنى حيث أن ما جاء فى مقال د. عبد الله البهنساوى ، بصدد الموضوع الذى طرحته د. منى حلمى ، المتعلق بالانتساب إلى الأب والأم معاً ، ليس نقدا من قريب أو من بعيد. بل هو مجموعة من الشتائم المسفة ، وكم من المغالطات التى يغلفها سوء الفهم ، والانفعال الممتزج بالعصبية ، التى قد تصل إلى الهستيريا المرضية، وعدد من الأكاذيب الفجة ، التى تحط من قدر كاتبها أكثر مما تدعو إلى احترامه.
نَصب كاتب المقال من نفسه ، محللا نفسياً ، يُقيم ، ويصدر الأحكام ويصف معارضيه بالمرض النفسى ، وعقدة النقص ، دون أن يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة الدقيقة .
وأنا أسأله هل قرأت كل مؤلفات د. منى حلمى ؟ . أو بعضا منها ؟؟. أشك فى أنك قد قرأت لها مقالاً واحداً . وإن كنت قد قرأته ، فلا شك عندى ، أنك بهذه العقلية أحادية الفهم ، قد استعصى عليك فهم ما تعنيه أو تقصده . ومثال على ذلك الفهم المشوش ، لاحدى العبارات التى كتبتها د . منى حلمى :
" كانت أحلامى صعبة ، غريبة ، بل مستحيلة " . إن هذه العبارة بداية القضية ، التى أثارتها د. منى ، فى ثوب أدبى رفيع . إن جماليات الأدب تحتاج إلى متذوق مرهف الحس ، رفيع المستوى ، وهذا ما أعتقد أن البهنساوى يفتقده.
لقد وردت هذه العبارة ، فى سياق يربطها بما بعدها ، فتعمد الكاتب ألا يذكر هذا الارتباط ويتجاهله ، مثل " لا تقربوا الصلاة " ، لكى يمارس نوعا من تشويه الناس ، ويحمل هذه العبارة ما لا تحتمله. لقد تجرأ وفعل ثلاثة أخطاء دفعة واحدة . الأول ، أنه أعطى لنفسه الحق ، فى أن يفسر أحلام الكاتبة بالتطلعات . والثانى ، أنه أصدر حكماً بأن هذه التطلعات للكاتبة ، أكبر من إمكانياتها . والثالث ، أن منْ تكون تطلعاته أكبر من إمكانياته ، يتصف بعدم السواء النفسى .
ما هذا العقل المشوه المرتبك غير المنظم ؟؟. ما هذا القفز من مقدمات هى من صنع خيال الكاتب المريض ، إلى نتائج تعد حججاً ، على القصور الفكرى والعقلى لهذا الكاتب ؟. إن الأحلام ليست هى الأحلام ، بالشكل الحرفى الذى فهمه . ومع ومع ذلك فإن أحلام اليقظة ، كميكانيزم دفاع ، ليست كلها سلبية على إطلاقها . بل قد تكون فى حالات معينة ، دافعة إلى التفوق والتميز.
إن كاتب المقال لم يستفد من دراسته للفلسفة ، بل أساء إليها . فأحكامه تفتقد إلى العقل والأدلة المنطقية ، التى تتسم بها الفلسفة ، وقفز من مقدمات خاطئة إلى نتائج أكثر خطأ . لم يتحر الدقة ، وانفعاله الشديد ، جرفه إلى التسرع ، وهى الأوليات التى يحذر الفكر الفلسفى من الوقوع فيها .
لقد اندهشت من وصف نفسه ، بالأكاديمى الدارس للفلسفة والأديان . فلم أعثر على فكر رجل كان من المفترض أن يفكر ، ويتعامل مع القضايا المطروحة بعقلية فلسفية عميقة . قد يكون حاملاً لشهادة الفلسفة ، ولكنه أبداً لم يتمثلها ويعيها ويفهمها.
يقول البهنساوى فى مقاله ، أن السيد/ حلمى ، كان قاسياً على نوال
السعداوى الأم ، ومنى حلمى الابنة . وأتساءل ، أنت لا تعرفهما شخصيا ، فمن أين جئت بهذه المعلومة ؟ . هل قالت د. نوال ذلك ؟ . هل قالت د. منى ذلك ؟ . لقد قرأت كل مؤلفاتهما ، ولم أقرأ مثل هذا الكلام ، وأتحداك أن تجد فيما كتبتهما ، هذا المعنى . لماذا تتقول على الناس بما لم يقرلوه ؟ . لماذا التشويه بافتراءات عارية من الصحة ؟ . إن الأمر لم يعد تهجماً ، بل تجاوز ذلك إلى الكذب ، وتزييف الحقائق ، والتحريض العلنى .
لماذا تكذب يا د. بهنساوى ؟ . أمن أجل قضية ، تختلف فيها مع الأخرين تشوه وتزيف الحقيقة ؟ . هل هذه هى الأخلاق ، التى يجب أن يتحلى بها أكاديمى مثلك !!؟؟.
إن كاتب المقال يخشى على المبادىء الأخلاقية ، من أن تحطمها فكرة كالتى طرحتها د. منى حلمى ، وهى الانتساب الى الأب والأم معا . وأنا أتساءل هل هذه المبادىء هى من الهشاشة ، إلى درجة أن الأخلاق البشرية ستقع وتتحطم من مجرد طرح فكرة كهذه ؟؟. وأيه مبادىء تلك التى تخاف على تحطيمها ؟. هل هى المبادىء السائدة فى عالمنا الآن ، التى تكرس للازدواجية الأخلاقية ، وتكيل بمكيالين بين الدول والبشر ؟ ، حيث هناك أخلاق للرجال و أخرى للنساء ، أخلاق للأغنياء وأخرى للفقراء ، هل هذه هى الأخلاق البشرية السوية ؟ . هل تشعر أنك ترفل فى ظل المبادىء الأخلاقية السوية ؟ ، هل تغار حقاً على قيم كالحق والخير والجمال ، والعدل والمساواة بين البشر وبين الرجل والمرأة ؟ . هل تمارس هذه القيم الأخلاقية مع نفسك فى عملك ، وفى علاقتك مع أسرتك فى بيتك ؟ . أتمنى ألا تكون أسيراً للازدواجية الأخلاقية ، و ألا تزايد علينا بأسم الأخلاق والدين والفضيلة.
يقول البهنساوى ، ردا على فكرة د . منى حلمى ، إننا لم نسمع عن رجل أو امرأة ، تنتسب لأمها . أولا ، هنا يتضح الافتراء ، حيث أن د . منى قالت بانتساب الانسان الى الأب والأم معا ، وليس للأم فقط . ثانيا ، إن كنت لم تسمع عن النسب للأم ، فهذه مشكلتك أنت . إن كثيرا من بلدان أمريكا الجنوبية وافريقيا وبعض دول أوروبا ، يدعون بأسماء أمهاتهم ، وواحد مثل خوسيه لويس رودريجيز ثباتيرو، رئيس وزراء أسبانيا ، دائم الفخر والاعتزاز ، فى كل المناسبات ، أنه يأخذ نسبه من جدته لأمه .
وفى التراث العربى الأسلامى الذى تنتمى اليه ، نجد أسماء لأكثر من خمسة عشر من الرجال ، الذين كان لهم مكانتهم فى هذا المجتمع ، ينتسبون إلى أمهاتهم ، أعتقد أنك قد سمعت عن ابن تيمية ، الذى ينتسب الى امرأة ، هى جدته ، التى قيل أنها كانت واعظة معروفة ، فنُسب اليها .
ان مقولة " الإنسان عدو لما يجهله" ، تنطبق على د. البهنساوى ، فهو يزعم أن الانتساب إلى الأب ، هو من الثوابت الدينية الاسلامية . لكنه ليس الا عادة من قبيل العادات والتقاليد الموروثة ، كما أكد عدد من المتحدثين من خلفية اسلامية ، مثل جمال البنا ، حينما سألوه عن القضية . ألا يعرف أن العادات والتقاليد تتغير وتتبدل مع الزمن ، فلماذا هذا التعصب ، والجمود العقلى ، وسوء النية ، والتمسح بالثوابت ؟.
إن البهنساوى ليست لديه أى فكرة عن قضية المرأة ، ومع ذلك فهو يدلى بدلوه فيما يجهله ولا يعرفه. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإن لديه مفاهيم مشوشة عن الذكورة والأنوثة . هو يعتقد اعتقادا جازما ، أن الذكورة تعنى الخشونة ، والأنوثة تعنى النعومة ، وأن الذكورة هى غلبة الهرمونات الذكورية فى تكوين الرجل ، وأن الأنوثة هى زيادة هرمونات الأنثوية .
إن الذكورة التى تعنيها د. منى حلمى ، فى مقالها عن الانتساب الى الأب
والأم معا ، لا ترتبط بنوع ، وعدد الهرمونات ، كما يقول البهنساوى . لكنها سيطرة الأفكار ، والآراء المتخلفة ، التى تعشش فى عقل الرجل ، وتفرق بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات ، وتفرض الوصاية على المرأة بحجة حمايتها لأنها أنثى ناعمة ضعيفة ، بينما الهدف هو امتلاكها . هناك رجال بلا ذكورة ، وهناك نساء بذكورة . القضية ثقافية دينية اجتماعية ، وسياسية ، وليست " هرمونية " ، يا د . بهنساوى .
إن سوء الفهم المتعمد ، التى يمارسها البهنساوى ، جعلته أيضا ، يكذب ، زاعما ، أن هذه فكرة للإبقاء على اسم الأم ، والتخلص من اسم الأب ، فيقول ساخرا : " أسف على ذكر لقبك بحلمى ، ومن الآن وصاعدا ، سأدعوكِ بمنى نوال " .
كما تمادى بالتريقة على رجلين أيدا هذه الدعوة ، وظهرا فى برنامج فضائى اسمه العاشرة مساء ، مع صاحبة الفكرة ، د . منى . الأول هو الطبيب د . أحمد عبد الجليل ( تخصص عيون ) والذى قال : " أمى اسمها حكمت ، وأعتز أن يكون اسمى أحمد حكمت عبد الجليل ". والثانى ، هو كاتب هذه السطور ، وقلت : " أمى اسمها عزيزة ، ويشرفنى أن يكون اسمى محمد عزيزة فتوح ".
وأقول للبهنساوى ، اذا كنت تعتبر أن اقتران اسمك باسم أمك ، الى جانب اسم أبيك ، عارا ، تتجنبه ، وتقذفه بالشتائم ، فهو بالنسبة الينا ، ولكثير من البشر ، رجالا ، ونساء ، شرف ، وهنيئا لك أنت بالنسب الأبوى الواحدى .
هذه الفكرة نشرتها د . منى ، بتاريخ 18 مارس 2006 ، فى مقالها الأسبوعى ، بمجلة روزاليوسف ، وأوضحت أن الهدية المختلفة ، التى تقدمها لأمها ، فى عيد الأم ، هى أن تحمل اسمها ، وكان اسم المقال " من اليوم سأحمل اسم أمى " ، الامضاء " منى نوال حلمى ".
بسبب هذا المقال ، رُفعت قضية " انكار المعلوم من الدين بالضرورة " ، ضد د . منى حلمى ، من أحد المحامين والذى كان متخصصا فى قضايا البغاء ، ومتربصا بأى فكرة تنويرية ، يسانده اعلام ذكورى متأسلم ، نساء ، ورجالا .
فى يناير 2007 ، استمعت النيابة الى أقوال د . منى حلمى ، وقد تطوع للدفاع عنها المحامى حمدى الأسيوطى .
فى أكتوبر من العام نفسه ، 2007 ، كسبت د . منى القضية ، وتم حفظ التحقيق .

من كتاب أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ 2007