الدّعارة ...ظاهرة عشوائية مستفحلة لا قانون ينظمها



حسن سمر
2021 / 8 / 11

تعد الدعارة من المواضيع التي تدخل ضمن المحظور في مجتمعنا. ويصعب الحديث عنها علنا أمام الملأ، وذلك راجع أولا إلى نوع من النفاق الاجتماعي الذي نعاني منه، وهو بالأساس نتيجة طبيعة التربية التي نتلقاها منذ الطفولة وعجز المنظومة التعليمية على كسر حاجز ذلك المحظور. وسنحاول في هذا المقال الحديث عن الموضوع بكل جرأة وموضوعية دون أن نخشى لومة لائم. شئنا أم أبينا تعد الدعارة ظاهرة مستفحلة منتشرة في المجتمع، والواقع شاهد على ذلك، بالإضافة إلى بعض التقارير حول هذه المعضلة، وهي كذلك لأنها غير مقننة وتشهد نوع من الفوضى والعشوائية. فهي ظاهرة يبخسها المجتمع ويدعي نبذها لكن في الأصل هذا المجتمع نفسه هو من يرغب فيها ويحضنها. السؤال المطروح إذن ما العمل؟ هل سيبقى هذا المجال الذي له من زبناءه الكثير الكثير، ومن أهله ومحترفيه ما لا يعد ولا يحصى؟ . فأنت تتجول في الشوارع تظهر لك بعض مظاهر هذه الحرفة وكذا في الاعلانات ومواقع التواصل الإجتماعي...
وسعينا هنا هو أن نعيد التفكير في أسباب هذه الظواهر وطبيعتها إيجابياتها وسلبياتها، لكي نبحث لها عن حل يرضي الجميع وتكون فيه المصلحة العامة هي النقطة الجوهرية التي يجب حفظها.
ما الدعارة إذن: يطلق هذا اللفظ على ممارسة الجنس أو بالأحرى تقديم خدمة جنسية مقابل أجر مادي. بمعنى هناك طرفين اثنين، الأول يقدم النقد والثاني يقدم الجسد. وهنا تكمن خطورتها فهي نوع من الاتجار بالبشر حيث انك تدفع مقابل مادي قصد إشباع رغبة جنسية، وطيلة تلك الفترة المتفق عليها سابقا يصبح ذلك الجسد ملك لصاحب المال وكلما دفعت أكثر تقوم باستغلال الآخر الجسدي أكبر مدة وتتصرف معه فقط كبضاعة لا كإنسان ويكون هدف الزبون هو المصلحة، وهنا تشييء للانسان بحيث يتحول الجسد إلى بضاعة تقوم بسعر وخاضعة لمنطق السوق وشروط العرض والطلب .والدعارة ظاهرة موجودة في معظم دول العالم أن لم نقل جميعها. فقط هناك في بعض الأحيان يتم التصريح بها من طرف جهاز الدولة بحيث تعمل على تقنينها وتصبح تمارس بقانون، وهذا حال الكثير من الدول الغربية. وتتعدد أسباب هذه الظاهرة وغالبا ما تتلخص في الفقر الذي قد يجبر إنسانا على بيع جسده لكي يستطيع تأمين أساسيات الحياة. وقد يكون بالإجبار كإكراه الأطفال على ممارسة الجنس والاتجار بالبشر الذي قد ينتهي إلى نوع من الاستعباد الجنسي وهناك من هو بالطبيعة ميال إلى العهر.
ومن أبرز الدول التي ينتشر فيها الجنس الرخيص أو السياحة الجنسية نجد ماليزيا حسب ما ذكرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية رغم أنها ممنوعة قانونيا في هذا البلد.كما تحضر الدعارة في الدول العربية بشكل كبير لكن حضورها هنا يكون بحيل أي تمارس في الخفاء وبواسطة حيلة ما. لأن غالبا الأحكام والقوانين وهي غالبا عقابية ولا تناقش التقنين أو الإعتراف حتي بوجودها، حيث أنها تستند إلى النص الديني الذي لا يترك مجالا للتقنين أو الاعتراف بها كظاهرة يعج بها الواقع،ولذلك يصعب الحديث عن أي تقنين للدعارة هنا لأنها مرتبطة بنص مقدس وحكم قطعي. لكن هذا على مستوى النظري أما الواقع فهو نقيض ذلك تماما حيث أن الدعارة بكل أنواعها حاضرة في مجتمعنا. بل أصبحت من الأمور التي تبدو طبيعية ولا يمكنك الحديث عنها نظرا لما قلنا سلفا من النفاق الاجتماعي، فتجد أكثر من يحث على نبذها وتركها ويعمل على الدوام على بخسها هم أكثر من يمارسها.
وتتنوع أشكال الاشتغال في هذه الحرفة بين الاستقلال الفردي أي الاشتغال فرديا دون وسائط ويتم استدراج الزبناء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيره من وسائل الاتصال أو بطرق أخرى وهي كثيرة. بينما هناك من يشتغل تحت وطأة القوادين الذين يجلبون الزبناء والزبائن وبذلك يقدمون خدمة لكلا الطرفين وذلك بمقابل مادي.
ونجد من الأفضل أن يتم تقنين هذا المجال بحيث يخضع لمساطر قانونية تخدم الأطراف كافة. وهذا هو أقرب الحلول من الفوضى والعشوائية التي يعيشها هذا المجال الذي يعرف رواجا متواصل ومستمر. ومادام هو كذلك فعدم تقنينه إذا ما سلمنا بصعوبة محاربته مستحيلة هو أساسا انتشار للأمراض وأبناء بدون نسب وتزايد الإجهاض السري بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تعيشها هذه الفئة.
سنتفق أنها زنى وحرام من زاوية دينية، لكن المحروم والمحظور دائما ما يكون هو المرغوب. فالواقع يشهد أمور أخرى تختلف تماما مع تصوراتنا. والمشكل أن هذا المجال عندما ارتبط بالتقنية أصبح لا يستثني أحد سواء كان قاصرا متزوج أم غير ذلك. لقد أصبح تجارة رابحة للبعض. وأصبح للآخرين نقمة وسبب في إفساد المجتمع وتشتيت الأسر. فما العمل إذن؟ هل نستطيع توفير حل لهذه المعضلة؟.
من زاوية أخلاقية، الدعارة عهر وفعل مذموم وعمل بخس. هذا متفق عليه لا يختلف فيه اثنين وربما حتى من أهلها ومن يمتهنها وهم أدرى بشعابها. لكن لماذا هذا البخس أصبح باهضا ولماذا المذموم المنبوذ مرغوبا.
هل هذا راجع إلى واقع المجتمع وأصبح موضة تعبر عن زمن أصحابها. أم الحاجة والرغبة في إشباع الغريزة الجنسية هي سبب استفحالها خصوصا أمام صعوبة إشباع هذه الرغبة بالطرق المشروعة المتمثلة في الزواج نظرا للتغيير الذي يعرفه نمط مجتمعاتنا. فلتكن هذه الأسباب ما كانت المهم. الدعارة كانت في الماضي وموجودة في الحاضر وستبقى في المستقبل، كل ما في الأمر هو العمل على تنقية هذا المجال ومحاولة تقنينه ومحاربة النمط العشوائي الخطير الذي يكتسيه. وذلك لتجنب مخاطر الطابع العشوائي ونتائجه الكارثية على الأفراد والمجتمع على حد سواء باعتباره يشكل لبنة مهمة من لبنات المجتمع إن لم نقول هو نفسه المجتمع.