رأي المجتمع بالنساء



نادية خلوف
2021 / 8 / 17

امرأة قوية، امرأة غير منضبطة، امرأة منفلتة تعابير اجتماعية تستهدف النساء اللواتي يقفن دون سند من رجل يتقاسمن معه الرّغيف.
مذكرات أمل لا تنتهي
تقول:" وصفوني بالمرأة القوية أتدرون لماذا؟
الأمر ببساطة لأنني لم أشرح لهم سرّ استمرار زواجي برجل يصفونه هم " بالعرصة" و أصفه أنا بالمجنون . نعم . تزوجت مجنون وكان علي أن اداري نفسي من صراخه ، حاولت أن أفهمه بطريقة ما أن عليه أن يلتزم بالانفاق على أولاده ، فضرخ، أن يلتزم بعدم الصراخ فصرخ، لم يعد بيدي حيلة ، سجلت القضية ضد مجنون، وبدأت رحلة كفاحي ، و المجتمع بأكمله ينظر إليّ كا امرأة لا مبالية ، امرأة قوية، لا تهتم بزوجها . كنت أسمع مايقولون، فهم وقحون في مواجهتهم ، لكنني عملت بصمت .
قبل أن أكمل قصتي سوف أتحدّث لكم عن امرأة أخرى أعرفها ، كانت تزورني أحياناً ، حاربها المجتمع ، وعائلة زوجها ،فقط لأنها كانت ترغب أن تأكل وتطعم أطفالها، وصفوها بالفلتانة .
أنا وتلك المرأة كنا ضحايا عدم وجود رجل حقيقي في حياتنا ، وقد غضّ المجتمع نظره عن سلوك الأزواج . كيف يمكن لا مرأة الاستمرار في بيت اسمه " بيت الزوجية" دون وجود زوج ؟
في مرّة أتت صديقتي إلى بيتي ، وكانت قد أمسكت بزوجها مع امرأة أخرى ، قالت: سوف أتركه.ما رأيك ؟ قلت لها: هل لديك رصيد بنكي . قالت :لا. هل سوف تستطيعين إعالة أولادك؟ قالت: لا. قلت لها: تصرفي كأنك لم تعرفي أنه خائن. أنت امرأة لا تملكين شيئاً . قالت: هل أسكت عن الخيانة؟ قلت: نعم . في الوقت الحالي على الأقل . أنت تعيشين في سورية، و القانون شرعي ، وربما القانون أرحم من المجتمع. أنت لست في باريس حتى تتصرفي ، ولا تملكي من أسباب القوة شيئاً، و التحدّي هنا هو القدرة على الاستمرار .
المجتمع لديه حاسة شمّ قوية ، فإن عرف بضعفك تنمّر عليك. عالجي مشاكلك وفق الظروف، ولا تكوني ضحية . كانت حياتي هراء، لكنني لم أقبل أن أكون ضحية ، كلفني الأمر شبابي وطاقتي، لست نادمة، لكنني مصابة بألف داء منهم داء: عدم الإحساس بطعم الحياة. "
انتهى قسم من مذكرات أمل، لا أعرف مدى دقتها ، لكنّني ، وبمناسبة استعادة طالبان لسلطتها ، و هو يشبه أية سلطة فيها حكم إسلامي ، أو دكتاتوري ، وهنا سوف أولرد مثالاً عن عائلة أفغانية التقيت معهم في كامب اللجوء . كانت المرأة جميلة ، تضع غطاء رأس خفيف، و الرجل عصري ، لديهن فتاة بعمر أربع سنوات، كانت غرفتها مقابل غرفتي، أصبحنا صديقتان، وكنت أعلمها دروساً في اللغة العربية . كانت تبقى طوال اليوم مع ابنتها ، وزوجها إما في صيد السمك، أو يلعب كرة الطّاولة ، أو يجلس مع بعض الشباب السوريين يقطعون الوقت .
في مرة شكت لي أنه ألزمها بلبس غطاء الرأس ، و أنها عاشت مع عائلته الذين ظلموها ، و أنّها تخشى على ابنتها لو طلبت الطلاق ، وهي لا زالت لم تأخذ الإقامة . قالت لي أيضاً : أنه غير موجود ، تتمنى أحياناً أن يتحدث معها لأنها ملت الصمت.
في ذلك الشّرق المرأة غير موجودة سواء كان الحكم إسلامياً، أو دكتاتورياً ، وحتى عندما ترتقي إلى مستوى " الفن" ، وفي مرّة شاهدت على التلفاز مطربة كنت أحبّ أغانيها، لم أكن أسمع الأغنية بل كنت أفكّر أنها لم تصل دون أن تقدم جسدها، افترضتها تعيسة من الداخل ، بينما تبدو متألقة، بكيت عليها لأنها لو لو تدفع ثمناً لما وصلت إلى الشهرة، وربما الثمن يوميّ . بكيت عليها بينما كانت تضحك، و الجمهور يصفق لها وقوفاً .