حوار الزوجين بين المنطق وللامنطق



جهان محمد سعيد الخياط
2021 / 8 / 19

في احدى الأمسيات الشتائية الباردة كان الزوجان جالسين امام مائدة الطعام العامرة بأشهى الأصناف في غرفتهما الدافئة.
بعد فترة وجيزة من زواجهما، وعلامات الاستياء بادية على وجه الزوجة، بعد عن سمع الزوج استياء زوجته المتكرر شاكية ما تعانيه وما هي عليه من حال، فأستطرد الزوج قائلاً.. يا زوجتي الغالية الحبيبة انت احب الناس الى قلبي مالي اراك منشغلة البال؟ هل بدر مني تصرف غريب او كلام آذاك فأزعجك وعكر صفو ذهنك؟ ان زواجنا لم يكن بإكراه. ألم نكن متحابين؟ ألم يكن حبنا جارفاً؟ فتجاوزنا بكل جرأة وتحدي وإرادة محاولات بعض الاقارب لعرقلة زواجنا وكانت ارادتك حينها اقوى من ارادتي، ألم اخبرك بأنني بعدما تخرجت من الكلية وعينت في احدى الوظائف الحكومية ووفرت المال الازم وشيدت داراً متواضعاً وابتعت سيارة بمورد راتبي الوظيفي.
قالت الزوجه.. نعم كل ذلك صحيح لقد كان حبنا حقاً غلاباً على فكري وقلبي فلم افكر في المستقبل حينها. وكما قال وليم شكسبير "الحب أعمى".
فقال الزوج.. في اعتقادي ان الحب ليس بأعمى، بل للحب عين بصيرة حادة وبعيدة النظر وعين قصيرة النظر. فالعين البصيرة هي عين التميز تحدق وتحدد المحاسن والمساوئ والعين القصيرة النظر هي عين الرضا وعين الرضا كما قال الامام الشافعي رحمه الله "عن كل عيب كليلة" فالحب يجمع الزوجين في السراء والضراء.
واسترسل الزوج قائلاً: ليس كل الناس اثرياء يا حبيبتي لا تنظري الى الأثرياء فحسب بل انظري لصديقاتك اللواتي بمستواى حياتنا.
فالمال لايجلب السعادة، ولاتغرنك المظاهرالخارجية فإنها لاتدل على الجوهر فليس كل لامع ذهب، وليس بوسع الماء العكروالوحل ازالة لمعان الذهب فهنالك اثرياء ورثوا ثروات طائلة عن ابائهم وأجدادهم ليس بعرق جبينهم بل يقضون جل لياليهم الحمراء في الاندية والحانات وفي ارقى الفنادق والمواخير يحتسون اجود المشروبات وأغلاه ثمناً مع بنات الهوى وبائعات الجسد ويقامرون حتى انبلاج الفجرويقضون نهارهم فوق أسرة النوم يتزوجون بالجملة ويطلقون بالجملة وترين زوجاتهم تعيسات لا يشعرن بأي سعادة وراحة بال. وإن كان بوسعك ان تسأليهن، هل المال يجلب السعادة الحقيقية؟
ستسمعين منهن الإجابة التي ربما سترضيك وترضيني.
وفي كل مناسباتهم وجلساتهم يتباهون بثرواتهم وقصورهم الشاهقة وعرباتهم الفارهة الفخمة دون ان يتطرقوا للمواضيع العلمية والادبية والاجتماعية والتربوية والسياسية لجهلهم بها ويعتبرهم الناس اميون. وهم فعلاُ كذلك فهم لايقتربون من المكتبات ولا حتى من رف الكتب ولا من منتديات الثقافية. فهم بعكس الاثرياء الحقيقين من حملة الشهادات وذوي الخبرة بعملهم الدؤوب حيث كسبوا ثرواتهم بعرق جبينهم متزنون ويعرفون كيف يصرفون اموالهم في اوجه الخيروالمشاريع الخدمية وراحة عائلاتهم.
واسترسل الزوج في حديثه قائلاً ان اقوالي نابعة من المنطق يا زوجتي العزيزة، فردت عليه الزوجة اذاً فإن كل ما قلته أنا في نظرك هراء في هراء، وان منطقك وكلامك المعسول لا يغيران من واقعي فأحتفظ لنفسك بالمنطق عسى ان يدرعليك بالمال الوفير فالمنطق والزمن كفيلان بأضهار الحقائق بأكملها فحل الجفاء والجدال والخصام محل الحب والوئام، ولم تجد نصائح اصدقائهم الاوفياء لتراجع الزوجة فبقيت على عنادها فأقامت دعوة الطلاق وختم ذلك الحب الكبير بالطلاق.

ومرت الشهور والايام وشاء القدر ان يعجب رجل ثري بالزوجة المطلقة فتزوجها فهلهلت الزوجه فرحاً وأخبرت صديقاتها لقد تحققت امنياتي، قصر منيف وسيارة فخمة وحياة مرفهة وقضت الزوجة ليالي شهرعسلها الحمر الملاح في الاندية والمراقص والنزهات إلا ان الحال لم يدم كما هو طويلاً فلم يعد الزوج يهتم بزوجته فاحتدم واشتد الصراع والخصام بينهما الى ان قال الزوج لزوجته ذات مرة إسمعي سأقول لك بكل الصراحة، امامك خياران فقط اما البقاء في المنزل بين الخدم والحشم والاكلات الدسمة وإما الطلاق.
وعند اجتماع الزوجة بصديقاتها القدامى ..قالت لقد انتصر المنطق على اللامنطق.
‌هذا ما جنيته على نفسي وما جنى زوجي السابق على فواحسرتاه من يعيد لي الزمن الذي ذهب.
وختاماً اقول: ان الحب بعد الزواج اقوى من الحب قبل الزواج فيا قارئى الكريم انا لم اكن حكماً ولا خصماً في الحوار الدائر بين الزوجين كما لم اكن منحازاً الى أي جانب منهما، وان هذا الحدث الذي سردته إنما رواه لي احد معارفي ولم اغير من الحدث شيئاً سوى انني صغته بتعابيري و اسلوبي المتواضع كي لا يمل منه القارئ كما اتمنى ان يروق لكم ويقيناً أنني من مناصري حقوق المرأة بلا شك والتي يجب ان تصان كل الصون وللاسف أن افكارنا باتت معتقلة داخل زنزانات التقاليد والعادات البالية والعرقية والطائفية والقبلية، ان بعض حالات الطلاق لها مبرراتها غير إن كثرة الطلاق سببها الزواج غير المدروس بين المرأة والرجل وهي ظاهرة من ظواهر تخلف المجتمع.
مع كل المحبة والتقدير