آلهة الرّحمة



نادية خلوف
2021 / 8 / 28

يقال أنّ الجنس عبادة ، لم لا ، و التاريخ يسجل تلك العبادة مرّة في الذكورة ، و أخرى في الأنوثة . إذا كان الجنس عبادة فهل الحبّ مثله ؟
لا نتحدّث عن نوع واحد من الحبّ ، بل عن كلّ أنواع الحبّ، وكيف تتحوّل إلى عبادة.
تقول أمل في مذكراتها: " لا أستطيع العيش دون غذاء روحي ، عليّ أن أؤمن بشيء ما حتى أستطيع الاستمرار في الحياة . هناك شيء ما عليّ أن أحاوره ، فأنا وحيدة في عشّ الزوجية الذي اخترت البقاء فيه، و اختار زوجي أن يذيقني كلّ أنواع الذّل لأنّه أصبح يعرف جيداً أنني باقية هنا.
كنت أعتني بشجرة زيتون زرعتها صغيرة ، سمعت صوتاً يأتي منها يقول: بإمكانك أن تلجأي إليّ عند الضائقة . قلت : من أنت؟ قالت : أنا شجرة زيتون تعيش في داخلي إلهة الرحمة . تعلّق قلبي بالشجرة ، أصبحت أمارس طقوس العبادة أمامها ، و أكتب بعود صغير كتاباً مقدساً على دائرتها الطينية ، حيث ملّستها جيداً ، رأيتني أكتب بحروف قديمة جداً ، بحروف مرسومة رسماً ، كأنني أعيش في كهف، بل إنني أعيش فعلاً في كهف، لكنّني لم أتجرّأ على اإجهار بإيماني . ألا يكفي أنني وحيدة حتى ينبذني المجتمع أكثر؟ يبدو أنني من عصر آخر!
في تلك المغارة المظلمة التي تسمى عش الزوجية لم يكن ليخفى على زوجي أمر ، فهو يراقب أدّق تصرّفاتي ، دون أن أدري ، وهو في العادة لا يستيقظ إلى ما بعد الظهر، ولا يمارس العبادة، بل يمارس الزنا ، وشرب الخمر .
بعد أن تطهّرت من أدران ليلة تم اغتصابي بها. توجهت إلى شجرة الزيتون، كانت قد كبرت في تلك الليلة قلت: يا آلهة الرّحمة دلّيني على الطّريق . أشعر بالضّيق ، يحاربني العالم لأنّ زوجي حقير ، بينما يحتفلون معه، قولي لي: هل أترك المكان، و أترك أولادي لمصيرهم؟
رأيت بعض نقاط الزيت تأتي على وجهي بينما أرفع يدّي بالدّعاء ، مسحت وجهي بالزيت بدا لي أبيضاً، أردت أن أذهب إلى المرآة لأعرف سرّ آلهة الرحمة، ولماذا منحتني الزيت ، رأيت يداً تمسك بشعري ، وتجرّني . لم أصدّق . ياللهول! هل الشّرّ أقوى من الرحمة . صحوت فجأة من الصدمة ، رأيت زوجي يهدّدني بأنه سوف يأمر بقتلي لآنني مرتدة عن الإسلام. سألته منذ متى كنت مسلماً ؟ أجاب: أيتها الفاجرة تعبدين شجرة وتشكي لها بأنني حقير؟
لم أتجرّأ بعدها على البوح بإيماني ، كنت أقوم بإيماءات للشجرة من بعيد فتبتسم الآلهة لي . لماذا تمنعون الإنسان من ممارسة إيمانه؟
زوجي اليوم أمير ، يدير منظومة قطع الأيدي ، و الجلد ، و الرّجم ، لازال يمارس الزنى وشرب الخمر ، لكنّه في النهاية أمير يدفعون له كي يخفف العقوبة، ولا يعرف أين ينفق المال ، لكنّني لا زلت أحصل على طعامي من القمامة ."
انتهت مذكرات أمل ، ولا نعرف إن كانت على صواب في عبادتها . . .