من وأدهن الى قتل احلامهن ( زواج القاصرات)



بهاء عبد الكريم طاهر
2021 / 8 / 29

عند استحضار الذاكرة التاريخية الى عرب الجاهلية نجد أن جاهليتهم لا تختلف عن جاهلية اليوم، بل أن جاهلية القرن الواحد العشرين أقسى وأشرس من جاهلية العرب الأولى كونها متعددة الأسباب ومبينة على أسس اجتماعية وعرف مجتمعي ومن ثم مغلفة بغلاف ديني.
فمن عادات العرب قبل الإسلام (الجاهلية) هي وأد البنات أي قتلهن وهن صغر رضع وقد يبلغ عمر الواحدة منهن بعض ساعات أو يوم وكان السبب وراء ذلك وحسب ما نقلت كتب التاريخ عنهم أن السبب وراء ذلك هو خشيتهم من العار الذي يلحق بهم نتيجة غزوات القبائل وبالتالي اخذ البنات أسرى لدى القبائل الغازية، وهذا مبرر عرب الجاهلية في وأد البنات.
اما في السنوات الأخير وخاصة بعد التغيير في شكل نظام الحكم والذي اثاره لم تكن سياسية فقط، بل اجتماعية واقتصادية لتصيب بنية المجتمع العراقي بكله، وهذا التغيير له انعكاسات سلبية وإيجابية ومن بين هذه الانعكاسات هي التغيير في طبية الثقافة المجتمعية للفرد العراقي. واحدة من التغييرات هي الاقبال المفرط والغير منتظم نحو الزواج. وأي زواج هو زواج القاصرات والاحداث وبنسب مرتفعة جداً ويكون ذلك خارج الأطر القانونية (خارج المحكمة والاكتفاء بقد رجل الدين) كون أن المحاكم المدنية تفرض أن يكون المتزوجين بالغين سن الرشد حسب القانون المدني العراقي حتى بتنا نرى اطفالاَ تحمل أطفال. وفي ظل التردي الاقتصادي وتراجع القيم المجتمعية يصبح القاصر المتزوج (الولد والفتات) ضحية وكل المقاييس. كون المتحكم به وبشكل مباشر هم افراد الاسرة الأكبر سناً سواء الأب او الأم وهذا ما يفقده شخصيته وبالتالي تكون حياته الزوجية رهن تصرفات المتحكم بها (الأب و الأم). وعندما نبحث في مشكلة زواج القاصرات لابد من التطرق الى أسباب الزواج. ومن بين الأسباب كما ذكرنا سابقاً هو تغيير نمط الثقافة المجتمعية وخاصة في المناطق الشعبية والاحياء الفقيرة وهذا من يدفع الاهل الى زواج أولادهم وهم في سن مبكر متغافلين عن أن هذا الزواج سوف يقتل روح الطفولة لدى ابناهم هذا من جانب، والاستخدام الغير صحيح لوسائل التواصل الاجتماعي لدى والأطفال وغياب الرقابة الاسرية ولد نمط جديد من المشاكل وجعل الفرد يتواصل مع كافة أبناء المجتمع من الحاجة الى الخروج من المنزل. واظهرت لنا نوع جديد من الجرائم الالكترونية والضاحية هم من القاصرين. وهذا شجع الكثير من الأهالي وخاصة في الاسر والعوائل محدودة الثقافة الى تزويج ابناهم وبناتهم بدواعي الحفاظ عليهم وحمايتهم من العلاقات الغير شرعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والخوف من الفضيحة والعار الذي يلاحقهم وال...أخ وهذا من جانب أخر. أضافة الى غياب تطبيق التشريعات القانونية التي تحد من هذا الزواج وتحاسب ولي المسؤول عن هذا الزواج وخاصة الذي يجري خارج المحاكم المختصة.
وبالتالي نرى أن الأطفال أصبحوا ضحايا هذا الزواج، كون أن أي خلاف بين العائلتين (عائلة الولد وعائلة الفتاة) يكون مصيرها الطلاق. اطافة الى أن أنهم في مقتبل العمر وبالتالي غير قادرين على تحمل كافة مسؤوليات الزواج وبناء أسرة مستقرة قائمة على أسس صحيحة. وهذه وغيرها من الأسباب التي جعلت نسب الطلاق ترتفع وبنسب كبيرة حيث بلغت في شهر تشرين الثاني من العام ٢٠٢٠ (٨٢٤٥) حالة طلاق في خمسة عشر محافظة عدى محافظات الإقليم كانت اعلاها في بغداد وادناها في ميسان حيث كانت (١٠٠) حالة طلاق وهذه النسبة تشمل فقط الحالات التي تم تسجيلها في المحاكم المختصة. اما الحلات التي تجري خارج المحكمة على يد رجال الدين فأنها تفوق هذا الأرقام.
ومن هنا نرى أن الزواج القاصرات هو قتل لأحلام الطفولة فكم من فتات نامت وهي تلحم بما تشتريه من لعبة لتستيقظ وهي في حفل زفافها كم ومن كان يحلم في أن يرى زملائه في المدرسة ليجهض حلمة بعد أن أصبح رب لعائلة ومسؤوليات تفوق عمره. وتقتل الاحلام ونرى إطفالً بلا روح فقط أجساد سرقتها عادات وتقاليد مجتمعية رثة لا يوجد لها أي مبررات أخلاقية او دينية فلم تختلف جاهلية اليوم عن جاهلية العرب الأولى الى بشيء بسيط هو أن ضحايا تلك الجاهلية يقتلون وهم أطفال أما ضحايا جاهلية اليوم فتقتل ارواحهم ليبقوا أجساد بلا أرواح.