نساء أفغانستان بين الاحتلال وطالبان



سيد صديق
2021 / 8 / 31


منذ سقوط العاصمة كابول في يد حركة طالبان، مع انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها، أُثيرَت الكثير من النقاشات حول أفغانستان، وبالأخص حول المستقبل الذي ينتظر النساء الأفغانيات في ظلِّ حكم طالبان. ومن المُتوقَّع أن تستأنف سلطة طالبان أشكال الاضطهاد والقمع الذي كانت تمارسه على النساء أثناء فترة حكمها من 1996 إلى 2001.

إحدى المشكلات الرئيسية في الكثير من النقاشات الجارية هي أنها تدور حول ما فعلته القوات الأمريكية خلال عقدين بخصوص النساء، وما ستفعله طالبان في المستقبل إزاءهن، لكن مع اعتبار النساء أنفسهن مفعول به في كلتا الحالتين. مشكلةٌ أخرى في هذه النقاشات أيضًا هي تصوير القوات الأمريكية، والحكومات الأشبه بالدمى التي نصَّبَتها، وكأنها كانت بمثابة الدرع الذي حمى حقوق النساء الأفغانيات. يقول أنصار هذه الفكرة إن حياة النساء في أفغانستان شهدت تحسنًا خلال عشرين عامًا من الحكومات التي فرضها الغزو الأمريكي. لكن هذا ليس إلا خرافة.

يبني الكثير من المُعلِّقين الليبراليين حول العالم ادِّعاءهم على أدلةٍ ضئيلة للغاية ومحصورة في مناطق محدودة من كابول ولأعدادٍ لا تكاد تُذكَر من النساء. والحقيقة أن ما يشيرون إليه من مكتسبات مُنِحَت للنساء، هي إما زائفة تمامًا وإما غارقة في الفساد والكذب.

الصواريخ الأمريكية لا تجلب التحرر
الدلائل على الفساد لا حصر لها. على سبيل المثال، أحد البرامج التي دشَّنتها الولايات المتحدة كان برنامج Promote، بقيمة زهاء 420 مليون دولار، وكان من المفترض أن تستفيد منه 75 ألف امرأة أفغانية في فرص التدريب والعمل. لكن عندما خضع البرنامج للمراجعة والتدقيق في عام 2016، كان من المستحيل تحديد أين أُنفِقَت هذه الأموال وإلى أين ذهبت. هذه الأموال وغيرها كانت تذهب مباشرةً إلى أرصدة رجال حامد كرزاي ومن بعده أشرف غني. كانت مثل هذه البرامج، بل والتعديلات التشريعية وغيرها، إجراءاتٍ تجميلية من أجل أن تكسب الحكومة الأفغانية الفاسدة والموالية للاحتلال ثقة الأطراف الدولية والجهات المانحة، لا ثقة النساء الأفغانيات.

منذ البداية، في العام 2002، وقَّع كرزاي، الرئيس آنذاك، “إعلان الحقوق الأساسية للنساء الأفغانيات”، واعدًا إياهن بالحقوق المدنية، وفرص التعليم والعمل، وتحديد ملبسهن كيفما يشأن. لكن واقع عشرين عامًا من الغزو والحرب الأمريكية يرسم صورةً مُلطَّخة بالاضطهاد والعنف والحرمان لهؤلاء النساء.

في العام 2009، بعد ثمان سنوات من الغزو الأمريكي، أفادت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، في تقريرٍ لها، بأن “الواقع الحالي لحياة النساء الأفغانيات مُحاصرٌ بالعنف، وتُحرَم النساء من أغلب حقوقهن الإنسانية الأساسية”. وفي العام نفسه، مرَّرَت الحكومة الأفغانية قانونًا يفرض على الزوجة طاعة زوجها في العلاقة الجنسية وإلا تخضع لمعاقبة القانون، ما يتناقض مع الدستور الذي وضعته هذه الحكومة من الأصل.

وعلى صعيد التعليم، مثلًا، فإن نسبة الأمية بين النساء في أفغانستان هي الأسوأ في العالم أجمع، إذ تبلغ 82% بين النساء من 15 إلى 24 عامًا، مقابل 50% لدى الرجل في العمر نفسه. أما عن الصحة، يفيد تقريرٌ آخر لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان بأن الزواج المبكر والحمل المتكرِّر لدى النساء الأفغانيات، خلال العقدين الأخيرين، أدَّى إلى معدَّل وفيات وصل إلى 1900 من كلِّ 100 ألف امرأة، وهو المعدَّل الأعلى عالميًا. وخلال العقدين أيضًا، لم يتجاوز الإنفاق على الصحة 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي (في مصر 1.6%، والمتوسط في الدول المحيطة بأفغانستان في جنوب آسيا 5%)، وكان ذلك من أسباب أن متوسِّط عمر المرأة الأفغانية 44 عامًا فقط!

الاغتصاب والتحرش الجنسي أيضًا أمورٌ شائعة في أفغانستان، ولا يوجد قانونٌ يحمي الناجيات من الاغتصاب بشكلٍ مباشر، ولا يُبلَغ عن أغلب الحالات. وفي ديسمبر 2018، حدَّدَت مجلة تايم الأمريكية أفغانستان باعتبارها البلد الأسوأ في العالم بالنسبة للنساء.

ليس كلُّ ذلك إلا لمحة بسيطة عن “التحرُّر” الذي جلبته الطائرات والصواريخ الأمريكية!

تحرر النساء بيد النساء
لم تُطرَح حقوق النساء في أفغانستان على الأجندة الأمريكية إلا عندما استُخدِمَت كذريعةٍ إضافية للغزو والحرب، لتنال الإمبريالية الأمريكية موطئ قدمٍ في وسط آسيا. وحينها، أخذت وسائل الإعلام الغربية تروِّج لذلك بحماسةٍ شديدة. على سبيل المثال، قالت السيدة الأولى للولايات المتحدة آنذاك، لورا بوش، إن الحرب تهدف إلى “تحرير النساء الأفغانيات”، والعبارة نفسها كرَّرَتها شيري بلير، زوجة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا وقتذاك وحليف بوش في الغزو.

أغلب الظن أنهم كانوا يقصدون تحرير النساء الأفغانيات من خلال قتلهن. 70% من ضحايا الغارات الجوية كانوا من النساء والأطفال، وأبرز هذه الغارات كانت تلك الغارة الكارثية التي ضربت حفل زفافٍ وراح ضحيتها 37 من نساء وأطفال ولاية نانجارهار الأفغانية، في 3 نوفمبر 2008.

إن الفكرة القائلة بأن تحرُّر النساء قد يأتي على يد المستعمر، وليس بيد النساء أنفسهن، هي في الواقع تحقيرٌ من النساء وكأنهن غير قادرات على التحدي والكفاح من أجل التحرر، وبالتالي لابد من فرض هذا التحرر من أعلى، لا انتزاعه من أسفل. والنسوية التي تدافع عن الاستعمار كوسيلةٍ للتحرر إنما هي نسوية إمبريالية معادية للنساء أنفسهن.

هذه الفكرة ليست جديدة، بل هي تكرارٌ ممل لذريعةٍ كاذبة يبرِّر بها المستعمرون ومؤيِّدوهم أطماعهم. المثال هذه المرة من مصر. عندما غزت بريطانيا العظمى مصر في العام 1882 للسيطرة على قناة السويس وعلى القُطر بأكمله، ادَّعى اللورد كرومر، المندوب السامي في مصر آنذاك، أن الاحتلال كان بغرض “تحرير النساء”، وأصرَّ على أن المصريين “لابد أن يقتنعوا أو يُجبَروا على تشرُّب الروح الحقيقية للحضارة الغربية”. الأدهى أن اللورد كرومر نفسه كان عضوًا مؤسِّسًا، ورئيسًا، لـ”الرابطة الوطنية لمناهضة تصويت النساء” في الانتخابات في بريطانيا!

خلال العقود التالية، كافحت نساءٌ مصريات من أجل تحرُّرهن، وانتزعت على مرِّ السنين والعقود بعض المكتسبات، لكن ذلك كان من خلال حركتهن الجماعية من أسفل، وليس على يد مستعمرٍ ينهبهم ويستعبدهم، بل ضده.

إن التحرر الحقيقي للنساء لن يتحقَّق إلا بيد النساء أنفسهن. والطريق الوحيد لهذا التحرر لن تشقه إلا النساء أنفسهن ضد الرجعية والاضطهاد.