اقتصاديات الجنس



ربيع نعيم مهدي
2021 / 9 / 6

هذا المقال ليس سوى سؤال بسيط، فبغض النظر عن المنظومة الدينية والاخلاقية والقانونية، ماذا لو نظرنا الى مسألة الجنس من زاوية الارقام؟.. كيف ستكون قراءاتنا أو موقفنا تجاه تجارة الجنس في المجتمع البشري؟..
قبل فترة من الزمن، شاهدت مقطعاً قصيراً لأحد صنّاع المحتوى (أحمد سعيد)، والذي كان محور حلقته عن القوة الشرائية للمثليين، والتي بلغت ما يقارب (3,7 ترليون دولار) في عام 2015، وهذه النقطة اثارت فضولي حول القيمة السوقية لتجارة الجنس – وتفرعاتها - حول العالم بشكل عام.

"1"
حاولت الحصول على احصائيات دقيقة، لكن ما يؤسف له ان اغلب نتائج البحث المتوفرة على الشبكة الدولية للمعلومات تفتقر الى ما يعزز مصداقيتها ولا تخرج عن دائرة التخمين والتقدير في أغلب الاحيان، وبالرغم مما تقدم، فان عملية البحث أرشدتني الى مصطلح (رأس المال الجنسي) وهو: (القيمة المجتمعية التي يكسبها الفرد او الجماعة نتيجة لجاذبيتهم الجنسية، والتي تقبل المقايضة للحصول على أشكال أخرى من رأس المال، كرأس المال الاجتماعي والاقتصادي). وبحسب ما يُنسب الى العالِم الاقتصادي (غاري بيكر)، فإن بعض الأشخاص يميلون الى استثمار قدرتهم على جذب الآخرين جنسياً عندما يوجد مقابل، وبالتالي كلما ارتفع رصيد الفرد من (رأس المال الجنسي) ارتفعت بالمقابل الفوائد الاقتصادية وامكانية توفير دخل أكبر. كما ان الفوائد والمنافع الاقتصادية التي أشار لها (غاري بيكر) تتخذ مساحة اوسع على أرض الواقع، إذ يرى البعض انها تشكل جزءاً من محركات عجلة الاقتصاد في الدولة، ومع الانفتاح التجاري والتطور التقني واتساع دائرة الحريات العامة تحولت تجارة الجنس الى مفردة من مفردات الاقتصاد العالمي، والذي يحدد رؤيته للجنس في إطار المنفعة والربح واعتبار الجسد مصدرا للثروة.

"2"
ان ما يُشاع عن احتلال تجارة الجنس للمرتبة الثالثة عالمياً في ما يٌسمى بالاقتصاد السفلي قد يبدو صحيحاً، خصوصاً إذا سلمنا بالتقديرات التي تُشير الى ان عدد العاملات في نطاق الدعارة وحده يبلغ 50 مليون امرأة، وإذا أضفنا الى ما تقدم أعداد السماسرة (وسطاء الدعارة) والعاملين في نطاق البغاء من الذكور والمثليين و(الأطفال) والعاملين في صناعة الأجهزة والألعاب الجنسية - بما فيها الألعاب الإلكترونية الجنسية - وصناعة الأدوية والمنشطات الجنسية، سنكون أمام قوة عاملة كبيرة جداً من الصعب الاستهانة بها.
وهذا ما دفع بعض الدول الى ايجاد تشريعات قانونية تنظم أنشطة البغاء، كما في بلجيكا والمانيا التي يتجاوز فيها عدد العاملات في البغاء الـ 400 ألف، وتركيا التي يُقدر فيها عدد العاملين في تجارة الجنس بما يقارب الـ 300 ألف شخص، وهذه التقديرات تعد ضئيلة عند مقارنتها بأخرى، كما في تايلاند التي تشير التقديرات إلى وجود 800 ألف عاملة بالجنس، وهذا الرقم يقارب مجموع النساء اللاتي يمارسن الدعارة في كل من الفيليبين وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام وباقي دول جنوب آسيا، باستثناء الهند التي يقدر فيها عدد العاملات في مجال البغاء بمليون امرأة، أما الولايات المتحدة فهي تحتضن ايضاً ما يزيد على المليون، وهكذا باقي دول المعمورة، والتي لا يتسع المقال الى ذكر جميع الاحصائيات والتقديرات المتعلقة بها، لكن التقديرات التي ذُكرت سابقاً قد ترسم صورة واضحة عن حجم (الايدي العاملة) في هذا المجال.

"3"
وعند النظر في واقع اليد العاملة في قطاع البغاء نجد مسألة مهمة إلا وهي المصادر البشرية لهذه التجارة، فعلى سبيل المثال يتم تهريب الفتيات إلى اليابان من تايلاند لسد الحاجة، فيما تلجأ الأخيرة الى عمليات تهريب مماثلة من الدول المجاورة لتعويض العمالة المهربة، ويبدو من واقع الحال ان عمليات التهريب تخضع لقواعد العرض والطلب وقيمة الأجر المدفوع، حيث تشكل اليابان ودول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية الوجهة المفضلة لهذه العمليات، وهذا ما تشير اليه الاحصائيات صراحة، ففي هولندا والمانيا والنمسا وبلجيكا تشكل نسبة المومسات الأجنبيات قرابة الـ 80%، كذلك الحال في اليابان التي تعمل على أراضيها 150 الف مومس تم تهريبهن من تايلاند والفيليبين.
ويبد وان عامل الاجور وتسعيرة الخدمات الجنسية من العوامل المؤثرة في حركة الايدي العاملة وانتقالها من بلد الى آخر، فبحسب موقع (wikisexguide) تبدأ اسعار الخدمات الجنسية من 1--$-- فقط لتصل الى 500--$--، حيث تعتمد محددات السعر على طبيعة الخدمات المقدمة وأنواع بائعات الهوى، اذ تُعد بائعات الهوى في الشوارع هن الأقل أجراً، بعكس المرافقات ممن يتصِفّنَ بالاحترافية والسمعة الجيدة!!.
وفي المقابل يمكننا القول ان هناك دول منتجة ومصدرة للأيدي العاملة، فبحسب التقديرات يدخل سنوياً الى سوق الجنس 40 ألف شخص من دول جنوب وجنوب شرق آسيا، وتنتج إفريقيا سنوياً قرابة الـ 50 ألف شخص، فيما تجهز أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي حوالي 100 ألف شخص، وتنتج مجموعة الدول المستقلة التي كانت تنتمي للاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية والوسطى ما يقارب 175 ألف شخص، وتقدر المنظمة العالمية للهجرة أن قرابة الـ 120 ألف من الاعداد المذكورة سابقاً تهرب باتجاه الاتحاد الأوربي.

"4"
وقد يلاحظ القارئ ان احصائيات التهريب استخدمت مفردة (شخص) لوصف العمالة المهربة، وذلك لوجود فئة بشرية يتم استغلالها في الدعارة وهم الأطفال، إذ تشير التقديرات الى وجود 400 ألف طفل في الهند، وحوالي 100 ألف طفل في الفيليبين، وقرابة 300 ألف طفل في تايلاند، وحوالي 100 الف في تايوان، ناهياك عن ما يقرب 100 ألف طفل يتم استغلالهم في دول أوربا الغربية، أما في الولايات المتحدة فيقدر عدد الاطفال الذين يمارسون الدعارة بـ 325 ألف طفل، والتي تأتي بعد الصين التي يُستغل فيها ما يقارب الـ 500 ألف طفل جنسياً، فيما تشير بعض الدراسات الى ان الطفل المُستَغَل يقدم الخدمات الجنسية لـ 2000 مستهلك سنوياً. وإن كانت التقديرات صحيحة فنحن أمام حالة، أقل ما يُمكن وصفها بأنها أدى درجات الانحطاط البشري.
أما العاملين في البغاء من الذكور والمثليين فلم استطع الحصول على احصائيات أو تقديرات لأعداد اليد العاملة في هذا القطاع على مستوى العالم.

"5"
ان هذه الاعداد من العاملين في تجارة الجنس تدفعنا الى النظر في المهن المرتبطة بها، فبحسب إحصائيات الأمم المتحدة يخضع 95% في المئة من المومسات في العالم لنظام الوساطة (السمسرة)، والملفت للنظر في هذا النظام انه يعتمد على شبكات لتقسيم وتنسيق العمليات التي تشمل الاستقطاب والنقل والتسويق والحماية، وبالتالي سيفرض واقع العمل وجود دوائر من العلاقات والتعاملات مع قطاعات أخرى للاستفادة منها، كالفنادق وخطوط الطيران والنوادي الليلة وسائقي مركبات الأجرة وغيرها من قاعات العمل، والتي في مجملها تصب في حركة اقتصاد الدولة، فعلى سبيل المثال تحقق تركيا من تجارة الجنس مدخولات تقارب الـ 4 مليار دولار سنوياً، وتشكل تجارة الجنس في تايلاند وإندونيسيا وماليزيا والفيليبين ما نسبته 14% من الدخل القومي، وفي اليابان تقدر عائدات البغاء بـ 24 مليار دولار سنوياً، وهذه التقديرات مقاربة لما تحققه تجارة الجنس في بريطانيا.

"6"
ان التقديرات المذكورة قد تستطيع رسم صورة واضحة عن حجم الواردات التي تحققها تجارة الجنس حول العالم، والتي لا تشمل واردات البغاء الرقمي التي قُدِرت بـ 70 مليار دولار أمريكي في عام 2006، وهنا أود الاشارة الى قطاع يشهد نوعاً من النمو والانتشار لكن المعلومات عن وارداته غير متوفرة، وهو صناعة التطبيقات والالعاب الجنسية الرقمية.
وعند الحديث عن الصناعة الملحقة بتجارة الجنس نجد انفسنا مجبرين على النظر الى مكننة المتعة، كصناعة الدمى والالعاب الجنسية، والتي تشير الدراسات الاقتصادية إلى أنها تصل الى 25 مليار دولار سنوياً، أما صناعة الأدوية والواقيات والمنشطات الجنسية وغيرها فهي لا تقل حجماً عن باقي الصناعات، لكن الاحصائيات عن هذا القطاع غير متوفرة.

"7"
وفي المحصلة نجد ان مفردة الجنس بلغة الأرقام تتخذ معاني أخرى تتجاوز حدود المنظومة الدينية والاخلاقية والقانونية، وتجعل منه جزءاً فاعلاً في الحركة الاقتصادية على مستوى العالم بأجمعه، وهي مسألة بحاجة الى نظر.

ملاحظة: اكرر التأكيد على ان جميع الارقام والتقديرات المذكورة مأخوذة عن مصادر غير موثقة ومتناثرة على الشبكة الدولية للمعلومات.