«طالبان» ومصادرة منجزات المرأة الأفغانية



فهد المضحكي
2021 / 9 / 11

في ظل عودة حكم طالبان يتزايد القلق من عدم احترام طالبان لحقوق الإنسان وخاصة حقوق النساء والفتيات. تقول المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشيليت إن فريقها تلقى «تقارير موثوقة» عن حصول انتهاكات، تتضمن فرض قيود على حق النساء والفتيات في التنقل بحرية، والحق في التحاق بالمدارس. وأضافت: «هناك مخاوف كبيرة على أوضاع النساء والصحفيين وقادة المجتمع المدني، الذين برزوا في السنوات الماضية». كان شعار «حقوق المرأة الأفغانية في خطر» بمثابة التحذير الذي أطلقه الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، عندما أنشأ المجلس الأعلى للسلام الأفغاني المنحل في عام 2010 لبدء المفاوضات مع طالبان، ثم تحولت تلك الجملة الى مجرد شعار لا قيمة له مع استمرار المحادثات، وفقدت تأثيرها على الجماهير التي اعتادت سماع الأخبار السيئة القادمة من أفغانستان واستسلمت لحقيقة أن حقوق المرأة الأفغانية ستكون نوعًا من الخسائر الجانبية في السياق السياسي لإنهاء حرب أمريكا «الأبدية» وكفت تلك العبارة عن تكون تحذيرًا لأنها بكل بساطة باتت أمرًا واقعًا. على مدى السنوات العشرين الماضية، خطت المرأة الافغانية خطوات كبيرة، على الرغم من الفقر والنظام الأبوي في بلد محافظ وحسب إحصاءات البنك الدولي، ففي عام لم يتم تسجيل أي فتاة في المدارس الرسمية وكان هناك فقط مليون فتى مسجلين. بحلول عام 2020، تم تسجيل 3.5 مليون فتاة في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 38 مليون نسمة، مع ارتفاع معدل معرفة القراءة والكتابة الى 43 % وفقًا لمنظمة اليونسكو. على الرغم من الصراع والعنف، عملت النساء الافغانيات في وظائف المحاماة والطب والهندسة وشغلن العديد من الوظائف الحكومية والجيش، وانشان اعمالهن الخاصة. بحلول أوائل عام 2018، كانت قرابة 4,500 امرأة تخدم في قوات الدفاع والأمن الأفغانية، وكانت نسبة تمثيل النساء في البرلمان تبلغ 27,3 % أي أعلى من نسبتهن في الكونغرس الأمريكي (15,2 %) والبرلمان البريطاني (19,7 %). هذه بعض المكاسب التي ذكرتها محبوبة سراج، إحدى الناشطات الأفغانيات الرائدات في مجال حقوق المرأة لـ«France 24»٠

تشير دراسة لمركز الإنذار المبكر للدراسات الإستراتيجية الى أن كل هذه الإنجازات لم يكن من الممكن تصورها في ظل حكم طالبان، أي أن المكاسب التي تحققت في مجال حقوق المرأة تعتبر واحدة من أكبر الإنجازات خلال العشرين عامًا الماضية، حيث ناضلت النساء الافغانيات من أجل حقوقهن وحققن نجاحات مهمة، وتمتعن بقدر من الحرية، ولكن عودة طالبان مرة أخرى للسيطرة على مقاليد الحكم وإرساء قواعدهم، اجتاحت موجة من الهلع حول مصير تلك الإنجازات الخاصة بوضع المرأة. إن حركة طالبان تربط موقفها من المرأة بالعقيدة الإسلامية، حيث يزعم التنظيم المتطرف إنه يطبق الشريعة الاسلامية، وحقيقة الأمر إن الحركة تطبق (العقيدة الطالبانية) وليس الإسلامية ففي المدارس الدينية التي تديرها طالبان، يتعلم الطلاب الدرو الاسلامي المناسب للمرأة، وفقًا لتفسير طالبان والذي يقتصر بشكل كبير على أدائها للواجبات المنزلية، وعلى الرغم من أن طالبان تدّعي باستمرار إنها تعمل لصالح المرأة، إلا أن الحقيقة هي أن هذا النظام حرم النساء من حقوقهن التي أقرتها الشريعة الإسلام. وفي أثناء حكم طالبان من عام (1996 إلى عام 2001) امتلكت أفغانستان أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، حيث حرمت المواطنين من أبسط حقوقهم، وفرضت قواعد صارمة على النساء وحقوفهن كما واجهن عقوبات قاسية مثل السجن والتعذيب حتى الموت بدعوى انتهاك «قوانين الشريعة الاسلامية»، أي كانت النساء تجلد علنًا وتعدم إذا لم يتبعن القواعد التي تفرضها طالبان.

ووفقًا لهذه القواعد التي تعود إلى العصور الوسطى سجنت النساء في منازلهن ووضعوا قيد الإقامة الجبرية، حيث لم يسمح لهن بالعمل أو الحصول على تعليم كما حرموا من الرعاية الصحية الأساسية مما عرض صحتهن وأسرهن للخطر، ففي معظم المستشفيات على سبيل المثال لا يمكن للأطباء الذكور فحص المريضة إلا إذا كانت ترتدي ملابسها بالكامل مما يستبعد إمكانية التشخيص والعلاج المناسبين، وإلى جانب ذلك كان لابد من طلاء نوافذ المنازل في الطابق الأرضي والأول كما منعت النساء من الصعود إلى شرفاتهن حتى لا يمكن رؤيتهن من الشارع، وتم حظر تصوير الإناث أو عرض صورهن في الصحف او الكتب والمجلات. وتم منع النساء من الظهور في الإذاعة والتلفزيون والتجمعات العامة. ولم يسمح للنساء بركوب الدراجات، ولم يكن بإمكانهن ركوب سيارة أجرة بدون مرافق، وكانت خدمات سيارات الأجرة مخصصة للذكور او الإناث فقط ولو خالفت أي امرأة القواعد حتى لو لم يكن لها أقارب ذكور لتخرج معهم تعرض للجلد في الشارع أو في الملاعب كما عوقب الرجال على النساء اللاتي لا يلتزمن بالقواعد.

وتماشيًا مع ما سبق منذ عام 1998 تم منع الفتيات فوق سن الثمانية من الذهاب إلى المدرسة، وكان التعليم في المنزل ولكن رغم السماح بالتعليم المنزلي إلا أنه كان يتعرض أيضًا للمنع والقمع في حالات كثيرة، حيث كان يتم ترحيل العاملات لدى المنظمات الدولية من الأجانب المروجين للمدارس المنزلية للفتيات، كما منعت طالبان النساء من الدراسة في جامعة كابول. ومع سيطرة مقاتلي طالبان على المناطق المختلفة داخل أفغانستان تراجعت حقوق المرأة في هذه المناطق فما إن سيطرت على كابول حتى أزالت صور النساء من واجهات المحلات التجارية، وأمرت النساء بعدم مغادرة منازلهن إلا بمحرم، وأبلغوهن أنه لم يعد بإمكانهن العمل أو الالتحاق بالمؤسسات التعليمية او التسوق وارتداء الملابس التي تروق لهن. الخلاصة، من الممكن أن يكون حديث طالبان حول حقوق المرأة هو حديث مرحلي ينتهي بالحصول على الشرعية والاعتراف الدولي، لذا من المهم ضمان حقوق النساء داخل الدستور الذي سيلعب دورًا مهمًا في عمليات التغيير بحيث إن الاعتراف بحقوق المرأة ومصالحها على المستوى الدستوري له وزن كبير في منحها قدر من الحرية في مشاركتها وتمثيلها، كما يمكن للدعم الدولي التأثير على حركة طالبان من خلال ممارسة النفوذ لتحسين وضع المرأة عن طريق استخدام المساعدات التي تقدمها الى أفغانستان بالمنع اذا لم تتم حماية حقوق المرأة وتحسين وضعها.