القضايا النسوية والعقول الطالبانية! (2) الاعلان السياسي ووحدة قوى الحرية والتغيير



بثينة تروس
2021 / 9 / 12

حين خرجن النساء في ثورة ديسمبر وكانت ثورة الكنداكات، لم يكن ذلك الحراك حراكاً عاطفياً ناتج حماسة الثورة، وانما كان ثورة ضد مظالم واستضعاف سياسات حكومة الإخوان المسلمين التي استهدفت المرأة، بتطبيقها بما سمي بالقوانين الإسلامية، وكعادة الجماعات المهووسة والسلفية جل تطبيقها للشريعة الإسلامية مادته النساء، فكانت القوانين المقيدة للحريات والملاحقة بتهم الزي الفاضح وقوانين الآداب العامة! التي نتج عنها الجلد والتشهير والاهانة والذل للنساء، بإضافة سوء التمكين الإسلاموي الذي فاضل بينهن وبين (اخوات نسيبة)! لذلك شاركن في ثورة ديسمبر لينلن استحقاقاتهن في الدولة المدنية - دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات - والتي يحرسها الدستور! وبالفعل كفلت لهن الوثيقة الدستورية ما يمكن من انجاز تلك المطالب، ولكن للأسف بعد عامين كان نصيبهن عطية مزين! وفشلت الإرادة السياسية في ان تقف مع تلك الحقوق بقوة ووضوح، وقد شهدنا عدم الالتزام بحصة المرأة 40% في هياكل السلطة، وكيف ان المحاصصات الحزبية اجحفت في حقهن في الشراكة السياسية.
ولم تصب تلك التعيينات في خانة الدفع بقضايا النساء والاستفادة من مناخ الحريات بعد الثورة، بل خضعت للترشيحات والتعينات التي اعتمدت العلاقات الخاصة، وارتكزت على الأجندة الحزبية، التي شهدت طوال تاريخها استخدام النساء كواجهات سياسية حداثوية المظهر لا تؤمن في أيدولوجياتها بقضايا النوع والجندر والمساواة التامة، وذلك لمركزية الفهم المستمد من قوانين الأحوال الشخصية المتخلفة عن واقع المرأة والمجافية للاستنارة، بل حتى لسماحة وعدل الدين نفسه. ومن أنصع النماذج لتلك المفارقات في الفترة الانتقالية عدم رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بالرغم من جهود وزير العدل نصرالدين عبدالباري، فلقد شهدنا السيد وزير المالية رئيس (حركة العدل والمساواة) دكتور جبريل إبراهيم، يتجه بالقضية الي الجوامع ورجال الدين والفقهاء لتحويلها لقضية رأي ديني لمساندة زعماء السلطة بعيدا عن العدل ودستورية القضية، وبالفعل شهدنا تأثير تلك الحملة الإرهابية التي وجدت طريقها للإعلام.
وللأسف خضعت لها بعض الأصوات النسوية التي جلست على كراسي الوزارات، بفعل ثورة الكنداكات واشواق الشباب للمدنية الممهورة بدمائهم الطاهرة، فهزمن قضية حقوق المرأة برفضهن لرفع التحفظ عن بعض المواد التي تم تشويهها واخراجها من مضامينها الحقيقية.. فبدلاً من الوقوف بصلابة وجسارة تشابه الثورة والانحياز لقضايا النساء، بإرجاع القصور لقوانين الأحوال الشخصية، والفهم الديني الذي لا يدعم المساواة التامة بين الرجال والنساء، فضلت هذه الأصوات الانحياز للعقل الذكوري الطالباني، مصطفات مع صعيد قهر النساء، بالتساوي مع السلفيات اللاتي لا يؤمنن بحقوق المرأة، لانتمائهن لأيدولوجيات النظام الإسلاموي البائد، ولتنظيم الخلافة الإسلامية حزب التحرير (ولاية السودان)! (لذلك متى ما أطلقت كلمة حقوق المرأة وتحريرها، فهي آلة فساد وإفساد تنطلق في بلاد المسلمين، ليستكمل من خلالها تغريبُ المرأة المسلمة، ولن يوقف هذه المخططات إلا دولة الخلافة الراشدة التي ستخلص المسلمات من مفهوم حقوق المرأة الغربي الفاسد) انتهي.. غادة عبد الجبار (ام أواب) 8 يوليو 2020 (حقوق المرأة في الوثيقة الدستورية بين الإسلام والتغريب) جريدة الراية.
وبالمقابل نجد توجس وخشية بعض المستنيرات من تهم الخروج عن الدين والتكفير، كلما تصدين لانتزاع المزيد من حقوقهن، وهي نفس الأدوات السابقة التي قهر بها الاخوان المسلمون النساء المعارضات من السياسيات والمدنيات المطالبات بالتغيير، رفضاً لاستضعاف النساء.. ولذلك طفق هؤلاء المستنيرات في طرق أبواب (الحناسة) والرجاء ولكنها لم تجد حتى الان فتيلا، لأنها ببساطة اصطدمت بعارضة الهوس الديني.. وبما ان الحقوق تنتزع ولا تؤخذ، فإنه يحمد لوزيرة الخارجيَّةِ، مريم المهدي، ووزيرةَ العمل تيسير النوراني، الارتفاع الي سقف المطالب النسوية بالتوافق على كافة بنود ومواد الاتفاقيَّة والتصويت على رفع التحفظ.
وهنا يجدر القول انه مرحب بالمضي قدما بتجديد الالتزام بتنفيذ أولويات الفترة الانتقالية، وتأكيد التحول المدني الديموقراطي، ومساعي اعلان وحدة قوي الحرية والتغيير، ان كانت فعلا صادقة وجادة في احداث التغيير الفعلي على ارض الواقع، خارج قاعات الاحتفالات الهتافية، لتراعي تطلعات الجيل النسوي الجديد، الذي تخلق في ارحام العسف الإسلاموي، واورثنا أوضاع نسوية في غاية التعقيد، تتراوح ما بين أهمية فاعلية المرأة في عملية التحول الديموقراطي والتنمية في البلاد، وبين القرارات الفوقية للساسة، التي تنكسر عند عتبة الفهم الديني المعوق لذلك.
وبما ان هذا الجيل الثوري يتطلع للدولة المدنية، فإنه لا بد له ان يشهد تغيير قوانين الأحوال الشخصية، وتغيير قضاتها الشرعيين، ورجال الدين من خريجي المعاهد الدينية الذين عطلوا الجوانب السمحة في الشريعة الإسلامية، باتباعهم الآراء الفقهية الذكورية المتخلفة، ببداهة فهم ان هؤلاء الفقهاء هم أبناء مجتمعاتهم، ولا قداسة لهم او لآرائهم، فهم خاطبوا تلك المجتمعات بحكم وقتها، وتشريعاتها التي تلائم مشاكل انسانها في تلك الحقب.. والحل يكمن في تطويرها باستبدالها بالنصوص الاصلية التي تدعم احترام حق الانسان من رجل وامرأة، وتقر اعرافنا المستندة علي سماحة التصوف، بعيدا عن الوصاية والتحجر الفقهي.
وأيسر السبل الي ذلك خلق مناخ توعوي حر، يتولى فيه جيل الثورة قيادة المنابر الحرة في الجامعات والميادين والأسواق، بضرورة الالتفاف حول قيام المجلس التشريعي، وحول اهمية قيام المؤتمر الدستوري الذي يرجي منه المساهمة في تحقيق الديموقراطية، كما انه يحفظ للأحزاب هيكليتها، وفرصة إعادة بنائها، لتكون صمام امان لحراسة الديموقراطية!!