الدور الذى يمكن أن تلعبه نشر ثقافة الحقوق المدنية فى مكافحة العنف والتمييز ضد المرأة



كريم عامر
2006 / 8 / 19

عندما نتحدث عن الحقوق المدنية والأساليب التى يمكننا عن طريقها تفعيل هذه الحقوق فى مجتمعاتنا ، يجب أن نأخذ بعين الإعتبار قضية هامة جدا أعتقد أنها تعد حجر الأساس فى بناء مجتمعات يتمتع أفرادها بكافة الحقوق والمزايا التى يفترض أن يتمتع بها أبناء أى مجتمع حر ، وأعنى تحديدا قضية المرأة التى لا تزال تعانى من مشكلات عديدة يمكننا إختصارها فى كلمة واحدة هى " اللامساواة" .

فالمشكلة الرئيسية للمجتمعات الشرق أوسطية هى مشكلة ثقافية ، حيث أن الثقافة السائدة فى المجتمع تلعب الدور الأكبر فى توجيه سلوكيات أفراده وتشكيل أنماط حياتهم وتنظيم علاقاتهم بعضهم ببعض داخل المجتمع .

فعلى سبيل المثال ، عندما تكون المرأة فى ثقافة مجتمع ما أقل قدرا وأهمية من الرجل ، فسنجد بالضرورة أن وضعها فيه سىء للغاية ، وفى المقابل إذا كانت الثقافة السائدة تتعامل مع المرأة كإنسان كامل ومساو تماما للرجل فى كل شىء ، فسنجد أن الواقع يؤكد ذالك .

وعلى الرغم من الأهمية القصوى للقوانين المحلية والإتفاقيات والمعاهدات الدولية المصدق عليها فيما يتعلق بقضية المرأة وحقوقها بشكل عام ، إلا أن المجتمعات الشرق أوسطية لا يمكن أن تتغير نظرتها للمرأة وتعاملها معها إلا عن طريق تغيير ثقافتها بطرح البديل وإستبدال الموارد الثقافية التى أدت الى تهميش المرأة فى المجتمع بأخرى تتعامل معها كإنسان كامل من جميع النواحى المادية والعقلية والروحية .

ففى العقد الأخير من القرن الماضى ، سن فى مصر قانون يجرم ختان الإناث ، وهى عادة منتشرة على نطاق واسع فى العديد من بلدان قارة إفريقيا وعلى رأسها مصر التى تجرى فيها عمليات ختان لأكثر من 90 % من فتياتها ، وتتم عن طريق بتر جزء كبير من الأعضاء الجنسية للفتيات صغار السن ، ولكن هذا القانون لم يؤثر كثيرا على حجم ممارسة هذه العادة الضارة ، وفى بعض الأحيان كان هناك تحد صارخ من بعض فئات الشعب والمؤسسات الدينية بحجج تصب فى النهاية إلى أن ثقافة المجتمع والمعتقدات الدينية تشجع إجراء هذه العادة ، وحتى الآن لا تزال هذه العادة السيئة منتشرة فى مصر وتمارس سرا فى المنازل والعيادات الطبية الخاصة وأحيانا فى المستشفيات الحكومية .

فلا يمكن لعصا السلطة أن تغير من السلوك العام المنبثق عن الثقافة السائدة ، دون أن تكون هناك توعية شاملة تستهدف تغيير المصادر الثقافية التى تؤدى بالناس إلى إنتهاج مثل هذا السلوك .

وعندما نتحدث عن الطريقة المثلى لمكافحة العنف والتمييز ضد المرأة يجب أن نأخذ ما ذكرته بعين الإعتبار ، فالقوانين المدنية ماهى سوى إجراءات إستثنائية لضمان حقوق بعض الأفراد الذين تمكنهم ظروفهم من الإحتكام إليها وأخذ حقوقهم من خلالها ، بينما يظل السواد الأعظم من أفراد المجتمع خاضعين لثقافته التى قد تسلبهم حقوقا منحها لهم القانون .

وفى الواقع ، لا يمكننا أن ننكر أن وضع المرأة فى مصر أفضل بكثير مما كان عليه قبل قرن من الآن ، ولكن فى ذات الإطار فإن الثقافة التى كانت سائدة فى المجتمع المصرى مطلع القرن العشرين لم تتغير كثرا عما كانت عليه فى تعاملها مع المرأة ، فالمرأة بالفعل تحصل كثيرا على حقها فى التعليم والعمل والمشاركة السياسية ، ولكن لا تزال النظرة الدونية إليها سائدة ، ولا يزال تعليم المرأة وعملها شبه مستهجن لدى قطاعات عريضة من المجتمع المصرى - على وجه الخصوص - إستنادا إلى عقائد دينية وموروثات ثقافية وقواعد عرفية ، وفى هذا ما فيه من تمييز بحق المرأة ينبغى أن يواجه بعقلانية عن طريق طرح ثقافة الحقوق المدنية كبديل مناسب حيث أنها تتعامل مع الجميع بصورة متساوية ددون أدنى تمييز .ونلاحظ أن ثقافة المجتمع التى لم تتغير كثيرا خلال القرن الماضى لا تزال تتعامل مع أدوار نمطية للجنسين ، فلا يزال الكثيرون يعتقدون فى قرارة أنفسهم أن وظائف المرأة الطبيعية هى الحمل والولادة ورعاية الأطفال وتربيتهم والقيام بواجبات المنزل ، وهو أمر يرسخ من دونية المرأة وفوقية الرجل على أسس لا منطقية نابعة من الثقافة الشعبية إضافة إلى المعتقدات الدينية السائدة .كما نلاحظ أيضا أن الممارسات العنيفة تجاه المرأة التى كانت سائدة خلال القرن الماضى فى المناطق الريفية وأجزاء من المناطق الحضرية لا تزال موجودة حتى يومنا هذا ، وأعنى تحديدا جرائم قتل النساء تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والتى يتجلى من خلالها بوضوح التمييز الصارخ بحق المرأة ، فهى التى تقتل إن مارست الجنس خارج إطار المشروعية الإجتماعية بينما يظل شريكها فى العلاقة الجنسية بعيدا كل البعد عن هذه المتاعب التى تلاحقها لأن ثقافة المجتمع تتعامل معهما بمعايير مزدوجة .

لقد ساهم الموروث الثقافى الدينى والعرفى فى إستمرار معاناة المرأة فى المجتمع والتمييز ضدها ، لا لشىء إلا لأنها ولدت أنثى ، لذا ، فلا أرى بديلا لتجاوز هذه الأزمة فى الوقت الحالى سوى نشر ثقافة الحقوق المدنية وتوعية الناس من خلالها لإقناعهم بضرورة المساواة التامة بين الرجل والمرأة فى كل شىء .

وفى ذات الإطار ، يجب على الحكومات أن تنأى بنفسها عن الخوض فى قضايا الإصلاح الإجتماعى لأنها أثبتت فشلها الذريع فى معالجتها ، وعليها أن تفسح المجال لمنظمات المجتمع المدنى والمفكرين وأصحاب الأفكار والرؤى الإصلاحية للدخول إلى هذا المجال بوجهات نظرهم البديلة التى يمكن أن تساهم فى إنجاز ما فشل القانون فى إنجازه .ختاما ، أشدد وبقوة على ضرورة طرح قضية حقوق المرأة على مائدة الحوار بين فئات المجتمع المختلفة لكى تتحول من قضية شائكة وحساسة يصعب التطرق اليها إلى قضية مطروحة للنقاش الحر كى نتمكن من بلوغ غايتنا المتمثلة فى تحرير المرأة من كل القيود الإجتماعية التى تعوق مشاركتها الفعالة فى المجتمع كخطوة على الطريق نحو إزالة كل مظاهر العنف والتمييز ضدها .