إلى متى يحارب الخطاب النسوي العقلاني في الثقافة العربية؟



حميد زناز
2021 / 9 / 24

"تاريخ النساء الذي لم يُكتب بعد : دراسة حول الكتابة والجندر في الثقافة العربية" كتاب جديد للباحثة والروائية الجزائرية فيروز رشام صدر أخيرا عن دار فضاءات الأردنية ، أقل ما يقال عنه أنه مثير ومهم للغاية. يندرج الكتاب ضمن دراسات المرأة والجندر أو كما تسمى أيضا الدراسات النسوية والتي تعتبر من أهم الفروع في الدراسات الثقافية عامة، ويطرح إشكالية تاريخية معقدة لم تحض بالاهتمام العلمي الكافي والمطلوب وهي مسألة تأخر النساء في مجال الكتابة والفكر وكيفية تواطؤ ثقافة المجتمع بطابعها الذكوري للترويج بأن المرأة لا تحتاج للكتابة بل وليست مؤهلة لها أصلا لأن ذكاءها وعقلها ناقص، ما حال دون تقدم النساء منذ قرون حيث ترسخت فكرة عدم صلاحية الكتابة للنساء وعدم قدرتهن على إنتاج المعرفة واختصار دورهن في إنجاب الأطفال وتربيتهم وخدمة الأزواج.

الكتاب مركز ومكثف في حدود المائتي صفحة، ويحتوي على أربعة فصول منسقة. في الفصل الأول توقفت الكاتبة عند أسباب عدم كتابة تاريخ النساء لحد الآن وخلفيات تأخر النساء في الكتابة، مع عرض صورة المرأة التي قدمها الرجال في كتاباتهم منذ بدء التدوين من خلال كتب الأدب والمعاجم القديمة. وتناول الفصل الثاني أسباب تفضيل النساء للكتابة في الأدب وذلك انطلاقًا من نصوص البدايات التي ظهرت مع الصحافة في أواخر القرن التاسع عشر إلى إصدار الكتب الشعرية والسردية. وباعتبار كتابات الرجال قد ركزت على الجانب الجسدي للمرأة فهذا الفصل يقدم صورة جسد المرأة في كتب التراث العربي القديم من جهة، وفي كتابات النساء التي جاءت ردًّا واعتراضا على صورتهن السلبية والمشوهة التي تم تداولها من جهة أخرى.

في حين تناول الفصل الثالث فقه النساء كما كتبه الرجال وفيه حاولت الباحثة فهم الدوافع والخلفيات التي جعلت بعض الفقهاء يُظهرون نوعا من العداء والقسوة على المرأة ومحاولتهم منعها من المشاركة في الحياة العامة بتأييد من ثقافة الذكورة الشائعة في المجتمع. وفي الفصل الرابع والأخير تم عرض فقه النساء لكن هذه المرة كما كتبته النساء، وفيه بحث حول أسباب قلة الكتابات النسائية في الفقه، مع العودة إلى اجتهاداتهن الفقهية التي ظهرت في القرون الأولى والتي تم تجاهلها وصولاً إلى مساهماتهن الحديثة، مع التعريف ببعض الكاتبات في الفقه وتقديم قراءة في نصوصهن للنظر في قضاياهن ومنهجهن في الطرح.

وبذلك تكون الكاتبة قد قدمت مقاربة ثقافية وجندرية بين نصوص الجنسين في موضوع المرأة ورصدت الاختلافات بينهما بمنتهى الهدوء والموضوعية بعيدا عن أي صخب مستثمرة قدرتها على تحليل الأنساق الثقافية الخفية والربط بينها ما يحقق عدة أهداف للقارئ المتخصص وحتى للقارئ العادي حيث يبين الكتاب ما حدث تاريخيا حتى أصبحت النساء في هامش الحضارة وكيف تم تجاهل قدراتهن الفكرية والعقلية لقرون طويلة، وهو عمل مؤثث بشكل ثري بالمراجع المهمة التي لها صلة بالموضوع، كما أنه بحث مرتب ودقيق منهجيا ومكتوب بلغة سلسة وممتعة قلما نصادفها في الدراسات الأكاديمية، وهو ما يجعله إضافة علمية مميزة تستحق القراءة والتقدير.

عن الكاتبة: تشغل الكاتبة منصب أستاذة التعليم العالي بكلية الآداب واللغات بجامعة البويرة بالجزائر، وهي متخصصة في قضايا الأدب والدراسات النقدية. صدر لها أيضا كتاب نقدي بعنوان "شعرية الأجناس الأدبية في الأدب العربي: دراسة أجناسية لأدب نزار قباني" (دار فضاءات، الأردن، 2016)، ورواية بعنوان "تشرفتُ برحيلك" (دار فضاءات، الأردن، 2017).