للزوجات فقط .. نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية



محمد فُتوح
2021 / 9 / 27

للزوجات فقط ...
نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية
--------------------------------------
لا يُقاس التقدم الحضارى ، بتحقيق الإنسان للمنجزات العلمية على اختلافها وحسب ، بل يقاس بمعايير أخرى ، من أهمها نظرة المجتمع للمرأة ومكانتها.
ونحن فى المجتمعات العربية ، حيث الكثرة المسلمة ، مازلنا ننظر إلى المرأة نظرة متدنية ، فهى مخلوق من الدرجة الثانية ، وتفتقد إلى العقل وتميل فى أحكامها إلى العاطفة ، رغم ادعاءات البعض أنها مساوية للرجل.
هذه النظرة إلى المرأة ، هى السائدة والرائجة بين الرجال والنساء على حد سواء . والسبب يرجع فى رأيى ، إلى أسباب تاريخية واجتماعية مستمدة من العادات والتقاليد ، بالإضافة إلى ظرف نعيشه الآن ن ولا يجب إغفاله ، وهو انتشار الأفكار المستمدة من التيارات الأصولية الإسلامية ، التى ترسم صورة مريضة للمرأة .
إن النظرة للمرأة على أنها أدنى من الرجل ، لهى من المسلمات التى ظلت جاسمة على العقل العربى منذ قرون.
إن خطورة مثل هذه المسلمات ، تكمن فى أنها تمثل قيداً للفكر ، فتعوق انطلاقه وتحبسه وتسجنه فى أفكار انتهت صلاحيته ، ولا يسطيع الفكاك منها ، حيث أنه يعتقد اعتقاداً راسخاً فى صحتها وصوابها.
إن خير مثال لما سبق ، هو ما قرأته حديثاً فى إحدى الصحف اليومية ، ففى داخل أحد مكاتب التسوية بمحكمة الأسرة ، بمقر محكمة شمال الجيزة ، علقت لافتة كبيرة كتبها أعضاء المكتب بعنوان " نصائح لكل زوجة لتحقيق السعادة الزوجية فى بيتها" . والشىء اللافت للنظر فى هذه النصائح ، أنها موجهة للمرأة دون الرجل.
إن منْ وضع هذه النصائح يرى ويفترض ، أن الزوجة هى السبب الرئيسى فى إثارة المشكلات الزوجية ، فهى كائن مشاكس وعنيد . أما الزوج فهو كالحمل المسالم الوديع . لذا تعاملت معه هذه النصائح ، وكأنه طفل مدلل يجب على الزوجة تلبية كل احتياجاته متى أراد ذلك.
إن هذه النصائح الموجهة للزوجة تضع الرجل فى مكانة عليا ، فهو نائب الإله على الأرض ، فطاعته واجبة ، ورغباته أوامر لا يمكن مناقشتها ، بل واجب الزوجة تنفيذ هذه الأوامر فى الحال ، بما فى ذلك رغباته وشهواته الجنسية . فالزوجة ما عليها إلا الطاعة، لكى تفوز بالجنة التى وعدت بها عند طاعتها لزوجها ، وحتى لا تصبح " ناشز " ، وملعونة حتى من الملائكة.
إننا لو حاولنا تأمل مفهوم الطاعة ، نجد أنه من نتائج النظام الطبقى الأبوى الذكورى ، الذى يكرس لعلاقة السيطرة والتملك ، ففى الاقتصاد يحاول صاحب العمل السيطرة على كل منْ يعمل لديه ، وفى السياسة يسيطر الحاكم الديكتاتور الفرد على مقدرات الناس ، ويعتبرهم عبيداً يجب عليهم طاعة أوامره . أما فى العلاقات الزوجية فمفهوم الطاعة يعبر عن علاقة مريضة ، بين أعلى ، وهو الزوج ، وأدنى وهى الزوجة ، حيث يتسيد طرف على طرف أخر لمجرد أنه ينفق ، وهذا من شأنه أن يؤثر تأثيراً سلبياً على العلاقة بكاملها. ففى هذه العلاقة يفترض أن تشيع روح السكينة والرحمة ، أما فى ظل هذا المفهوم المختل ، فتتبخر هذه السكينة وتتلاشى تلك الرحمة.
إن العلاقة السوية فى الحياة الزوجية ، يجب أن ينتفى فيها مفهوم الطاعة ، حتى يصبح الزوج وزوجته أنداداً . كل منهما له رأيه واستقلاليته وحريته التى تطلق العنان لذاته المتفردة.
سوف أشير هنا إلى أهم النصائح التى تضمنتها اللائحة وهى : " أن تتقى الزوجة الله فى زوجها ، أى أن تؤدى واجبها بدون تقصير ، وبنفس راضية ، وألا تخرج من البيت إلا بإذنه ، ومهمتها الأساسية الاهتمام بشئون البيت والعناية به نظيفاً منظماً ، واستشعار المسئولية فى حسن تربية الأبناء ، والاستجابة للزوج إذا دعاها للفراش ".
لقد اختزلت هذه النصائح الزوجة ، فى وظيفة التنظيف وولادة الأطفال وتربيتهم ، وإشباع وإطفاء رغبات الزوج وشهواته الجنسية ، وعاملت هذه النصائح الزوجة على أنها خادمة ومربية أطفال ، وموضوعً جنسي يطفىء رغبات الزوج ويشبع غرائزه .
لقد كرست هذه النصائح للنظرة التقليدية ، التى سيطرت على عقولنا فى الماضى ، وأغفلت الدور الجديد للمرأة الذى كان ثمرة كفاحها ونضالها ، عبر السنين ضد الموروثات البالية.
لقد أغلفت هذه اللجنة المتغيرات الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية ، التى حدثت فى عالم دائم التغيير يطبع ملامحه على الإنسان ، رجلا كان أو امرأة. لقد تجاهلت هذه النصائح الحالة النفسية للمرأة ، فهى مغلوبة على أمرها مسلوبة الإرادة . ، حتى فى أكثر العلاقات حميمية ، فليس من حقها الاعتراض ، فهى جسد أو قطعة من اللحم ، تتلقى أوامر ورغبات الزوج ، وهى صاغرة وخاضعة . فالرغبة هى للزوج ، الذى يحدد الوقت الذى يراه ، وما عليها إلا تسليمه جسدها ، وإلا اعتبرت زوجة غير صالحة . فيكون مصيرها غصباً من الزوج ، وعقاباً من الله.
لقد أثبتت الأبحاث العلمية والنفسية والاجتماعية ، أن سلوكيات كل من المرأة والرجل هى نتاج لأساليب التربية والبيئة ، أى أنها مكتسبة وليست غريزية فطرية يولد بها الإنسان. إذن لا شىء هناك بالطبيعة ، وعبارة سيمون دى بوفوار : " المرأة لا تولد أمرأة ، ولكنها تصبح أمرأة " ، تشير إلى هذا المعنى.
إلست مندهشاً من وضع عضوات مكتب التسوية ، فى محكمة الأسرة ، لأسمائهن فى نهاية اللافتة التى تحتوى على هذه النصائح ، كدلالة على
الفخر . فالكثير من النساء بكل أسف ، فى أحيان كثيرة ، يروجن لهذه الأفكار الذكورية البالية أكثر من الرجال أنفسهم ، فهن أكثر تعصباً للمفاهيم الذكورية من الرجال. فالمرأة هنا تقف فى صف منْ يقهرها ، إنها مخدرة بسبب الوصاية الدينية ، والمسلمات الغير انسانية . وأيضا بسبب الخوف على مصيرها .
فى علم النفس ، تسمى هذه الحالة " استدماج القهر " ، حيث الانسان المقهور ، يتبنى أفكار " السيد " القاهر ، ويدافع عنها ، بحيث لا يحتاج
السيد الى بذل مجهود فى الابقاء على عبوديته ، وقهره . وهذا هو الخطر الأكبر ، فى جميع قضايا التحرير ، تحرير البشر ، وتحرير الشعوب . فالعائق
فى كثير من الأحيان ، أن " المسجون " ، يخاف أن يترك سجنه ، بل ويحارب
منْ يحاول ايقاظ وعيه المغيب ، وكشف المؤامرة التى تٌحاك ضده . ولهذا تتعطل مسيرة الحرية .
ألم يحن الوقت للتخلص من هذه الأفكار والمسلمات ، التى تفرق بين الرجال والنساء ؟؟. ألم يحن الوقت لنفيق من تلك الإغماءة الطويلة ، التى تعوق حركتنا ، وتمنعنا من اللحاق بالأفكار الجديدة فى عالم يلهث نحو التقدم بخطى سريعة ، لن ترحم منْ يتخلف عنها ؟؟؟. و إلا سيكون مصيرنا ليس أحسن حالاً من الكائنات المنقرضة. واذا افترضنا أننا سننقرض ، ما الذى ستخسره البشرية ؟؟؟.
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟ " 2007
--------------------------------------------------------