المرأة ضحية الأديان أم فريسة فقه النصوص؟



مريم القمص
2021 / 10 / 6

فى عصور ماقبل الأديان وبالتزامن مع الديانات الوضعية فى مصر القديمة,. نجد فى آرث المؤرخ البارز والرحالة الإغريقي الأشهر هيروديت ما يشعل حماسة النساء حينما كتب بأنامله الذهبية متحدثاً عن المرأة المصرية في الحضارة المصرية القديمة  :( عجبا لهذه البلاد إن النساء فيها يذهبن للأسواق ويعملن في التجارة ويعقدن العقود» فكانت المرأة تعتلى أعلى المناصب وكانت تنفرد بالحكم وتقود جيوش وتُنصب كاهنة لأعظم المعبودات لديهم وكانت تتمتع بما لا تتمتع به امرأة من قبل أو من بعد على ما يبدو بنظرة واقعية تتشبث بالأمل.. و مرت القرون وأستقبل العالم شمس الأديان السماوية التى صدرت لنا كتبها السماوية بما فيها من مواثيق العهود وقواعد الإيمان العميقة التى يلهث إليها كل تابع لها يقتدى بنصوصها وآياتها بتسليم كامل فيما شرعه الخالق فيما يتراوح ما بين حكم المواريث والتعاملات حتى أحكام دخولنا المرحاض والمسموح من الطعام والشراب مروراً بالتشريعات الدينية والدنياوية فى التعاملات التى تخص المرأة.
وعند التوقف عند النصوص الدينية نجد أنها تتضمن الكثير مما يُعلى من شأن المرأة كما أن هناك الكثيرين النصوص التى لو أخذت من اول وهله دون تدقيق لكانت مصدر احتقار للمراةو  الذى يُوضع عليها مئات علامات الإستفهام نحو مقاصد تلك النصوص وآليات تنفيذها على أرض الواقع الذى لا يستوعب أبداً الخضوع التام من قبل المرأة للرجل دون ضوابط أو الحكم عليها بكونها ناقصة عقل ودين فى زمن تتصدر فيه المرأة جميع مشاهد الحياة مخترقة كافة مجالاته
فى الإسلام نجد فى الجدلية الكلاسيكية بين الفقهاء الأصوليين وبين تيار الدعاة الشباب حاضرة فى كل نص قرآنى يتناول المرأة، فعمل المرأة وتعليمها وتوليها المناصب تظل أفكار شائكة يرفضها جموع غفير من الفقهاء وأصحاب فكر السلف ،ولنا فى النموذج الأفغانى والسعودي خير مثال لما آلات إليه المرأة من إنحطاط بالغ مروراً بمصر وبعض دول الشمال الأفريقي العربي من شعارات مزيفة وإضطهاد ناعم  لكل ما به تاء تانيث ..
فما أكثر الفتاوى التى تخرج علينا من عصور ولت وإندثرت إلا فى عقول بعض الفقهاء متحجرى الفكر فاقدى البصيرة  ،والتى تدعوا لغرس مبداً واحداً وهو إن المرأة ليست أكثر من كونها تابع لايصلح إلا لتربية الأطفال ومراعاة حاجة أسرتها وزوجها فهى الناقصة للعقل وللدين ومصدر الفجور فماأكثر الشماعات الذكورية لتبرير فرض السيطرة على النسوة من خلال آيات عدة تُفسر تبعا لأهوائهم المريضة المفتقره للإنسانية واللطف والدقه والأمانه لتشريع النص

كما فى قوله-تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).[١٣][١٨]
ناهيك لشريعة زواج الأربعة التى يدعوا إليها الكثير من الرجال وبعض النساء المشوشين  الذى يفتقرون لمبدأ التوازن والمنطقية فى أمور الحياة وهى الثوابت التى يجب أن تتوفر لكى يجمع الرجل بأكثر من زوجه متغافلين الشروط التى وضعت لتطبيق تلك الآيات   
مرورا بشريعة الميراث وإدلاء المرأة بشهادتها بالمحكمة وفى القرآن يوجد العديد من الآيات التى تكون محط جدال بين المثقفين والعامة كله تبعا لتأويله ففى القرآن عده تدعو إلى إحترام والأعتناء بالمراة
فالله كرم المرأة فى الإسلام بمواضع عديده فى قوله تعالى  : «‬ولهن مثل الذي‮ ‬عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم‮ كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن الرسول قال في خطبته في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، حتى طاعة المرأة للرجل فالطاعة التي‮ ‬أمر الإسلام بها المرأة طاعة في‮ ‬غير معصية فلا طاعة لمخلوق في‮ ‬معصية الخالق فهلفى ضوء تلك الآيات يدعوا القرأن لتقليص دور المرأة على صعيد أخر ويرى بعض الفقهاء أن الأمر عارى من الصحه فلدور السيدة خديجة زوجة رسول الإسلام آثر كبير فى دعوته يتباهى بها الرجال قبل النساء ولكن ماذا عن الآيات التى تدعوا للجدل والمعروفة للكثيرين هناك مبدأ ينادي به أحد مدارس التفسير ينص على إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة عن النص لأن المصلحة متغيرة والنص ثابت.ولكن من الصعب بمكان أن يتغير اى نص دينى لأنه  امراً ضد العقيدة وضد المتدينين انفسهم
ولكن المطلوب هو تأويل النصوص بما يتناسب مع العصر والمنطق والعداله الحالية بما يرفع من شأن المرأة..
أما المسيحية فقد نادت بعلو شأن المرأة فى أمور عده  كشريعة الزوجة الواحدة ومعاملة يسوع المسيح للمرأة التى اتسمت بالرحمة.كما أن أناجيل العهد الجديد، ولا سيما لوقا، يذكر أن يسوع كان يتحدث مباشرة مع النساء و يقدم لهن المساعدة علناً. فأخت مرثا (مريم) تجلس عند قدمي يسوع بينما هو يقوم بتلقينها تعاليم الشريعة، وهذا كان امتياز يحظى به الرجال فقط في اليهودية. فجاء يسوع ليخرج عن المألوف، ويخصص لنفسه أتباع إناث حظين برعايتهكما فى  (لوقا 8: 1-3)فرفع المسيح من مكانة المرأة وكسر السائد حينما وقف أمام الفريسين والمتشددين ودافع عن أمرأة زانيه أمُسكت فى ذات الفعله ليطرح نصب أعينهم مفهوم جديد أن المرأة ليست هى الخطيئة بل هى إنسانة وقعت فى الخطأ جائعة عاطفياً  تحتاج إلى من يفهمها ويُفهمها الحب الحقيقى الذى لا يتعارض مع الكرامه وقد سمت المسيحية بالمرأة فجعلت منها معيناً نظيراً للرجل كما ذكر فى سفر التكوين"وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ»." (تك 2: 18).
اما عن مساواة  المرأة بالرجل فنجد فى ( غلاطية٢٨.٣ )قد  تجلى هذا المعنى فى النص قائلاً  الأنجيلي(لانه لا فرق بين رجل أو امرأة)حتى فى الآيات التى يشوبها بعض اللغط وتحتاج إلى التوضيح فى التفسير والتأويل  كما ورد فى رسالة بطرس ٣:٧(كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ) أتفق معظم الأباء المفسرين بأن الآيات لا تنقص من المرأة بل المقصود هنا بالإناء الأضعف  هو مراعاة الرجل للبنية الضعيفة للمرأة فلا يستهين بها رجلها فيضربها ويهينها لأنها الأضعف فى حالة إن كانت صاحبة الحجه أم لا وفى مسألة خضوع المرأة للرجل التى تأخذ فى المسيحية الشق الأكبر لتلك العلاقة الازلية كما ورد فى رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس
أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ،" (أف 5: 22).فعامة الخضوع مطلوب من المواطنين للحكومة من الاطفال لوالديهم والمرأة لرجلها وان كان لغياب حكمة الطرف الأول (القوى)يعطى كامل الحق لتمرد الطرف الثانى(الضغيف) فلا طاعة لحاكم أو والد أو زوج عاق وغير حكيم ولكن مايفصل الحق عن الباطل لتلك الأيه هو عبارة كما للرب ..
فكثيراً ما يتجادل الزوجان وتخضع الزوجة طواعية للرجل تحت ستار الآية السابق ذكرها حتى وإن كانت علاقتهم يشوبها الحوار والجدال الراقى البناء وإذا اشتد الجدال لأبد أن يسود حكم الرجل لأن ما  يُحكم به فى النهاية هى عبارة اخضعن ...ماذا لو كانت المرأة هى على حق؟؟ وكيف يكون طرف الجدال هو الناهى اى كيف يكون الشاكى او المشتكى هو القاضى العيب فالمعضله إذا ليست فى النص بل فى التاؤيل والتفسير دون الرجوع لمفسر يكون هو الفيصل الصادق والعادل ولكننا فى مجتمع ذكورى تتغلله تلك الفكره من جذورها حتى أصغر خلاياها فلكى يتحقق الخضوع ويكون الرجل رأساً للمرأة ينبغى له أن يصير كالمسيح للكنيسة باذلاً محباً فادياً حينها فقط سيكون خضوع المرأة  مبادرة يغلفها الرضا والحب من جهتها..
وفى اليهودية لا يختلف الأمر كثيراً فيكفى فقط أن تشاهد الدراما الألمانية (  unorthodox)  لتعرف معاناة المرأة لدى أكثر الطوائف اليهودية تشدداً (طائفة الحريديم) والتى تلخص نظرة الفقه اليهودي للتفاصيل المفصلة للمرأة بشكل يحط بها حتى لا يصل بها لمرتبة الحيوانات لكن هناك فجوة ليست بقليلة ما بين التواره من تعليمات سماوية والتلمود الذى ياخد طابعاً تشريعاً لا يمت بالحقوق الأنثوية والتطور  بصله  فطبقا للتاريخ اليهودي  المسترسل فى الناموس والتلمود  فنجد أن المرأة التى وضعت مولدها حديثا هى نجسه ولكن عندما نقترب من تحليل وتفسير الآيات الدالة نجد أن الدم المرتبط بالمرأة الأم يرمز للخطية وللنجاسة فهناك مدلولات وإسقاطات لا تمت للشريعة وإنما هو فكر مجتمعى ظلل على الدين بطبيعة الحال لأن الناموس اليهودي قدم لنا أمثلة لنسوة يهوديات يُضرب بهم المثل كدبورة النبية والقاضية تلك التى يخضع لها أعتى الرجال ويستعين بها أفضل حكماء عصرها وكذلك الملكة أستير التىى كتب على يدها الخلاص لشعب بنى أسرائيل من بطش هامان رجل الملك أحشاويروش تلك الملكة التى خلد ذكرها فى واحد من أعظم أسفار العهد القديم والذى كُتب بأسمها  ناهيك عن سارى زوجة أبينا إبراهيم والذى اوصى الله إبراهيم أن يستمع لحكمتها ولكننا نقف صادمين أمام التعاملات الواقعية للمرأة اليهودية والتى تتأرجح مابين احترامها ومساواتها للرجل وما بين الفكر المتشدد والذى يسعى لأخذ مكانه الأمر والنهى لضوابط المرأة  فى الكنيست الأسرائيلى..
   وفى النهاية هناك العديد من الوقفات التى تتعلق بمكان المرأة والتى تدعوا للتأمل فى الثلاثة آديان لا تكفى الكتب لمنافشتها نحن جموع المتدينين المنتمين للآديان السماوية  الواثقين تمام الثقة من كل  حرف  مقدس قد أنُزل ، لكننا نريد تشريعاً وتفسيراً يلائم ويصل إلى مستوى تلك الآيات بما يتوائم مع عصرنا الحالى  ومع حقوق المرأة حيث لم يعد لسياسة القطيع مكان بيننا..      
وأختم كلماتى بكلمات قصيدة فارس الشعر محمود درويش حينما قال فى قصيدتة الخالدة
لكن قيل ما سأقول.
يسبقني غد ماضٍ. أنا ملك الصدى.
لا عـرش لي إلا الهوامش. و الطريق
هو الطريقة. ربما نسي الأوائل وصف
شيء ما، أُحرك فيه ذاكرةً وحـسًّا
اى قد قلت ما قيل وأشرت لما تم الأشارة اليه من قبل لعل وعسى فقط ننتظر من الله وحده معونه حتى يهدى من يهتدي ليعرف الجميع حق المرأة الذى كفله الله فى جميع الأديان ووضعه بقوه.