رفقاً بالقوارير - خواطر على ضوء الحملة الاعلامية لمناهضة العنف العائلي



علاء مهدي
2021 / 10 / 10

 كنت أحس بأنني أتمتع بكل عوامل النجاح والتقدم العملي ، يوم تسلمت مهام وظيفتي الأولى التي عشقتها لدرجة لا تصدق ، فأحببتها حباً جماً وأخلصت فيها محققاً نجاحات متميزة ، أخذت تتلاحق خلال السنوات التسع اللاحقة، حتى شعرت بأنني تمكنت من مسابقة حتى قواعد قانون الخدمة المدنية ، إذ توالت قفزاتي فاتحة أمامي الطريق لاختصار مراحل الخدمة حتى وصلت إلى درجة مدير بعد خمس سنوات بدلاً من عشر.
 كان يوماً لن أنساه ما حييت، ذلك اليوم الذي قرر فيه مجلس إدارة الشركة منحي وبقرار أستثنائي درجة مدير حسابات لها، ولعل مما زاد من فرحي واعتزازي أن هذه الشركة كانت من أكبر الشركات التجارية في حينه. يومها كنت أفتخر بخبراتي المهنية وقوة إستيعابي للنظام المحاسبي لتلك الشركة العملاقة ، وكان ذلك كافياً بنظري لممارسة وظائف المنصب الجديد. ومرت الأيام وأنا مازلت فخوراً بإدارتي للقسم الذي كان يضم أكثر من مائة وخمسين موظفاً أغلبهم من النساء ، وذات يوم قررت أن أجتمع بموظفي قسم حسابي معين لمناقشة بعض الأمور المهنية والعامة، و جرت كالعادة مناقشات عديدة تداولناها بكل قناعة، و لكن يبدو أنني قد أجبت على مجموعة من الموظفات بشئ من الخشونة دون الخروج عن آداب الكلام ، ومع أن اللقاء قد أنتهى دون مشكلة (بالمعنى العراقي)، فإنني قد أستدعيت إلى مكتب مديري الذي مازلت أفتخر بأنه كان معلمي الأول. دخلت مكتبه فنظر إليَّ من خلال نظارتيه السميكتين (جعب بطل) وقال بعد أن أشعل سيكارة (روثمان): كيف كان الإجتماع؟ فوجئت بعلمه بموضوع الإجتماع وأخبرته بأنه كان جيداً. عقب ولازال شاخصاً بنظره فيَّ: رفقاً بالقوارير يا علاء! . . تركت مكتبه مرتبكاً قاصداً مكتبي وأنا أفكر في أول (هچة) وظيفية حصلت لي، أشعلت سيكارتي وطلبت فنجان قهوة وسرحت أفكر محللاً بصمت ما حدث ، فوجدت أنه كان محقاً ، فمرحى للقوارير . .
 كان تلميذا لعباس محمود العقاد ، غضب عليه عبد الناصر فنفاه للعراق ، وعلى الرغم من شهاداته العالية في العديد من الإختصاصات غير المتجانسة ، كالفقه والأدب والكيمياء، وعلى الرغم من أرتباط أسم محمد خليفة التونسي بالعديد من المؤلفات واعمال الترجمة والتي كان أشهرها (برتوكولات علماء صهيون) فقد كرمته الحكومة العراقية بتعيينه بوظيفة مدرس دين في إحدى الإعداديات في منطقة أشتهرت بعدائها للفكر اليساري. كان حافظاً للقرآن الكريم وتفسيراته ودارساً للفقه الإسلامي ، تعلم ذلك على أيدي (الملا) الذي لم يعلمنا في العراق سوى (الفلقة والزوبة). كنا خليطاً غريباً في ذلك الصف ، كان بيننا العديد من الزملاء اليمانيين والعدنيين والحضرموتيين والعمانيين والمصريين ، وكنا معشر العراقيين نمثل كل الشرائح القومية والدينية والسياسية العراقية ، وكنا جميعاً حريصين على حضور درس التونسي والتمتع بإسلوبه التفسيري ومناقشاته وآرائه الصريحة وتحليلاته لمواد الدرس. كان يركز في تحليلاته على المرأة بصورة يشعرنا فيها بأنه من ألد أعدائها. وكان بهذا الإسلوب يجرنا إلى المناقشة بإسلوب شيق وممتع. فنبدأ هجومنا على المرأة ويساندنا الرأي. . ونتمادى فيه ويتمادى معنا . . ثم يبدأ بسرد أمثلته ويفسرها لصالح المرأة ( المرأة التي هي . . . أم الدنيا) حتى الدرجة التي نؤمن فيها بانه أكثر نصرة للمرأة من قاسم أمين ، نصير المرأة. كان يقصد بإسلوبه هذا أن يفهمنا قابلية المرأة وذكاءها ودهاءها وقدراتها وفق المادة التي ندرسها ثم يعرج على مزج هذه المفاهيم بواقع وطبيعة الدور الذي تلعبه في الحياة وأهمية هذا الدور بأعتبارها الشريك الذي لابد من مشاركته الطبيعية في الحياة وبعكسه فلا قيمة . . . للحياة.