المرأة الأمازيغية بالريف بين السلطة الأبيسية والرغبة…قراءة في نصوص شعرية أمازيغية



سعيد بلغربي
2006 / 8 / 24

يذكر التاريخ أن إيمازيغن كانوا مجتمعا أميسيا يمنح المرأة مكانة عالية بلغت درجة التقديس والطاعة (المرأة الإله نموذج تانيت والمرأة الملكة نموذجي ديهيا وبويا). ومع توافد الثقافات المتنوعة على أرض تيموزغا (شمال إفريقيا) تأثر الأمازيغ ببعضها لما تحمله من إديولوجيات تسعى إلى فرض هيمنتها على الثقافة الأمازيغية. وهذا ما أفقد المرأة شيئا من مكانتها.
ويبدو أن الأمازيغ الذين كانو مجتمعا أموميا Matriarchale في القديم يقدرون المرأة (…) قد أحسوا بالقصور والإنجراح في رجولتهم (تيروكزا،Virilite) أمام ثقافات بطريكية ذكورية وافدة كالثقافة العربية الإسلامية، التي لاتبوئ المرأة نفس المكانة المتميزة حيث مارست عنفها الرمزي على لاوعيه الأمازيغي بقوة وجعلته ينتقم لفحولته المنجرحة ويخفق من الآمه بتبخيس المرأة والالقاء باللائمة عليها فيما حصل له من إندحار حضاري (1).
من خلال هذا إستنتجت المرأة الأمازيغية بأنها هي المستهدفة من وراء هيمنة سلطة أبيسية ورقابة يمارس طقوسها الذكر داخل النطاق الثقافي والديني والعشائري، ولقد كان الشعر الأمازيغي حاضرا ووفيا في نقل هذا الشعور الغائر في اللوعي لدى الأنثى الأمازيغية نحو الذكر، بإعتباره المالك المطلق الذي فرض نفسه وصيا لسلطات تخول له التحكم في كل التحركات والسلوكات التي تقوم بها المرأة الأمازيغية.
وتكتسي هذه القصيدة الناذرة التي سوف نحاول الغوص في أغوارها دلالات رمزية تجعل من المرأة/الجسد موضوعا للرغبة والوصال يصعب الوصول إليها في حدود وجود رقابة رادعة يبسط فيها المجتمع الذكوري الأب/الأخ… القوانين التي لاترحم أي سلوك شاذ خارج عن المنظومة الدينية والأخلاقية.
فنسمع إلى الشاعر الأمازيغي المجهول يقول في مقطع من هذه القصيدة المطولة:

كيغ إيخف إينو أم ؤنسيس
إيسنوقوبن ربني
إيسنوقب غار واسقيف
يوفا حد وار يدجي
إيسنوقب غار وخام
يوفا ذين “مولاتي”
ثحارذ سنفقث
تعاواذ سرحني
كيغاس فوس خوزدجيف
ثنايي أهدا أمني
كيغاس فوس خوعديس
ثنايي ريد أمني
أقا غاري بابا
ما يوما تيماسي
أشيواث سرقضع
أذاش ياندار إيري
أشيافسار ذرقديذ
خ إيسغوان ن واري
رباز أذيحوط
ثاسيوانت أتيسي

تتناول القصيدة حكاية أحدهم حاول التسلل خفية وفي حذر شديد إلى مكان تواجد حبيبته، واصفا ذلك في تعبير مجازي دقيق بتشبيه عملية تسلله بماء المطر المتسرب من شروخ سقف المنزل، فبعد جهد متعب وجد محبوبته تمشط شعرها بأنواع مختلفة من وسائل الزينة (النفقث والحناء) فإلتمس منها الوصال بعد أن حاول إيثارتها بلمسها من مناطق حساسة من جسدها، إلاّ أنها أبت الرضوخ لطلبه، فسيطرت على الفتاة هواجس وقيود جعلتها تطلب منه الكف عن مغازلته لها مهددة إياه بالعواقب الوخيمة، وذلك بإخبار والدها وأخاها اللذان سوف لا يتوانان ـ في حالة ضبطهما معا ـ في قتله والتمثيل بجثته التي سيصبح لحمها من نصيب الطيور الكاسرة كما جاء في القصيدة.
إن صرامة التقاليد البدوية وحدة الرقابة المفرطة على المرأة يقومان بشكل او بآخر ـ في محاصرة أو مصادرة ـ إستمرار العلاقة في ظروف آمنة، فالمرأة في ظل هذه القيود ملزمة بالحذر في ربط العلاقة مع الرجل، إنها سجينة الأسرة والتقاليد المحافظة والضغط الأبسي.(2)
نلاحظ أن المرأة موضوع القصيدة أشير إليها ب: مولاتي Mulati وهي كلمة عربية تعني مولاتي، وهذا يدل على أنها تنتمي إلى أسرة ذات مكانة قبلية أو أنها ميسورة الحال وتقضي مجمل وقتها في الإعتناء بجمالها كي تظهر بالمنظر اللائق أمام عشيقها، لأن عملية التسلل هاته ليست بريئة وتبدو أنها لم تكن من باب الصدفة والمغامرة وإنما ناتجة عن إتفاق سابق بين الطرفين. وقد ينتج ذلك عن ميل عاطفي للذكر إلى الأنثى أو العكس وهذا له أساس عضوي لايمكن إنكاره هو الدافع الجنسي مهما كانت تلك العواطف “سامية وصافية”(3).
لكن “السلطة الأبيسية” الراكدة في محور “الآنا الآخر” لدى الفتاة الأمازيغية كانت أقوى من الرغبة كنداء غرائزي لدى الإنسان، فإستحضار العقاب في حضرة الحبيب هو تذكير للطرف الآخر بالعواقب الوخيمة التي ستنتج عن لقائهما اللاشرعي هذا، عقاب بشع أقصى ما يصل إليه الغضب الإنساني وهو القتل والتمثيل بالجثة وجعلها “قديدا” تقتات منه حرارة الشمس قبل أن يقدم طعاما للطيور اللاحمة /الباز والحدأة.
والرغبة، هنا، ذات بعد إستثنائي باعتبارها مرتبطة بضمير محكوم عليه ـ عادة ـ في إطار الأعراف، والتعاقدات الإجتماعية بعدم التصريح بالرغبة، خاصة حين تكون مرتبطة بموضوع شبه مسكوت عنه ألا وهو موضوع الجنس.(4)
ويظل الشعر الأمازيغي دائما غنيا وحاضرا بأبيات شعرية تحمل بين طياتها تعبيرات ثرية من حيث دلالاتها الرمزية، وفي نفس الصدد نسمع إلى الشاعر الأمازيغي يقول في هذا الإيزري:

أعليك وايكويذن / فيغار أذايي إيقس
أديسيغ مامينو/ زك أخام ماني تطاس(5)

إن الشاعر هنا لم يستطع قمع المكبوت بداخله معبرا في أسف عن عدم تمكنه من الوصال بحبيبته، وذلك بوجود “ثعبان” داخل حجرة نومها، وليس هذا الأخير إلا صورة مجازية للرقابة الذكورية/الأبيسية وهي بمثابة الثعبان الذي لايتوانى في لدغ كل من حاول التقرب من حجره، وهي صورة لذلك الوصي الأب/الأخ… الذي يحمي “شرف” الأنثى (الزوجة، الإبنة، الأم، الأخت …) داخل الحجرة/الفضاء المحروس والمحرم، من تلاعبات الغرباء، وهذا مايقودنا إلى إعتبار المرأة في نظر هذا الحارس/الذكر كائن قاصر لايمكن أن يؤدي وظيفة الحماية الذاتية لجسد تمتلكه هي لكنه جسد يتحكم فيه الآخر/الذكر.
في هذه الحالة نجد أن الظروف الاجتماعية تنشط ـ بقوة ـ لتقف حاجزا أمام تحقيق المرأة لرغبتها في الحب. وهذا ما جعل المرأة ومعها الرجل (المحبوب)، تعيش الحب في شرط غير ملائم، شرط يولد الرقابة أكثر مما يفتح ذراعيه لانتعاش هذا الإحساس الإنساني، إذ يعيق الشرط الإجتماعي إمكانية الاستمتاع بالحب. (6)
وتظل ممارسة “الإرتباط العاطفي” خارج مؤسسة الزواج في المجتمع الأمازيغي بالريف من الأمور المحظورة والمحاطة برقابة صارمة. على العكس تماما لدى المجتمع الأمازيغي بالطوارق “إيموهاغ” حيث تشير بعض الدراسات الأنتربولوجية إلى تسامح هذا المجتمع مع المرأة الأمازيغية في ممارسة الحب العلني، وليست هناك أية قيود دينية أوقبائلية… تمنع العلاقات الغرامية الجريئة بين الفتى والفتاة الطوارقية، ويمكن أن يمارس ذلك خارج أو داخل “إطار الزواج” وبشكل طبيعي وعادي لايبذل فيه الطرفين أية محاولة لإخفائه.
________________

هوامش:
1) محمد أوسوس، الوعي بالذات الأمازيغية من الميثي إلى العقلاني، تاسافوت Tasafut العدد18 / مارس 1997 ص 6.
2) محمد .ن /المرأة والحس المأساوي في الأغنية الأمازيغية، الإتحاد الإشتراكي عدد3121 الأحد 23 فبراير 1992.
3).الفكر الإسلامي والفلسفة طبعة 1983 ص 468، كتاب مقرر لمستوى البكالوريا، منشورات مكتبة المعارف الرباط.
4) زهور كرم، في ضيافة الرقابة، منشورات الزمن، مارس 2001 ص58 .
5) ترجمة البيت الشعري:
لو لم أفزع من لدغات الثعبان
لأختطفت حبيبتي من سرير نومها.
6) زهور كرم، في ضيافة الرقابة، منشورات الزمن، مارس 2001 ص
78