هؤلاء شركاء في اضطهاد النساء



ماجي صباغ
2021 / 11 / 10

ماجي صباغ و مصطفى عبد الغني
مبروك والسيسي
“الرئيس الإنسان”.. “السيسي أب لكل المصريين”. إذا بحثت بعباراتٍ كهذه على يوتيوب، سوف تجد في الأغلب فيديو دعائي من إحدى القنوات الداعمة للنظام تصور السيسي على أنه أب لكل المصريين، وأنه يولي اهتمامًا خاصًا بالنساء. ولأن كل دعايته تسقط دائمًا عند أول موقف حقيقي، ظهر علينا في مكالمة مع الشيخ مبروك عطية ليكشف لنا الوجه الحقيقي للرئيس الأب “المنحاز للنساء”.

في إحدى حلقات برنامج “يحدث في مصر“، الذي يُعرض على قناة MBC مصر ويستضيف الشيخ مبروك، أحد أشهر الوجوه الإعلامية في مجال حل المشاكل الأسرية وتقديم النصائح المستندة إلى تعاليم الدين الإسلامي، استضاف البرنامج امرأةً تعرضت للعنف الجسدي على يد زوجها، الذي أصابها بأضرار بدنية ونفسية، فما كان من الشيخ إلا أن اختلق قاعدةً تقول: “مِن يوم ما ربنا خلق العالم إلى يوم القيامة، النساء مبالغات في الشكوى”!

وفي مداخلة تليفونية في الحلقة التالية من البرنامج نفسه، تحدث الرئيس للشيخ مبروك بإجلال، قائلًا: “أنا مش هقول ملحوظة ولا حاجة، العلماء الأجِلَّاء ماينفعش نقول عليهم ملحوظات”، بينما عاتبه على إرسائه تلك القاعدة دون مراعاة اختلاف وتنوع ثقافة المشاهدين، حتى لو الكلام الذي ذكره الشيخ “له أسانيده ووجاهته العلمية والفكرية” على حد قول السيسي.

فالمرأة من وجهة نظر الشيخ ورئيسه، “بطبيعتها”، كثيرة الشكوى والثرثرة، وتميل في وجهة نظرهم إلى تضخيم حجم معاناتها، وبالتالي فإن القاعدة هي التشكيك في شهادات النساء اللائي يتعرضن للعنف، بل وتبرير قبول التعنيف الجسدي للنساء.

أرسى الشيخ مبروك هذه القاعدة، التي لا تمت للعلم بصلة، إنما تنم عن جهل بالعلوم الطبيعية والإنسانية، وهي في الواقع تضليلٌ متعمد واستغلال لنفوذه وتأثيره كأحد رجال الدين لفرض سيطرة الأفكار التي تمجد الذكر في المجتمع فيما تقلل من شأن النساء وتلصق بهن صفات الضعف والغباء والثرثرة.

أما السيسي، فقد تقمَّص في تلك المداخلة الدور المفضَّل له، وهو دور الأب الواعظ، ليتماهى هو الآخر مع العنف الأسري ويؤيد كلام الشيخ مبروك، مضيفًا أن هذا الرأي له “أسانيده العلمية والفكرية”، فيما لم يذكر الرئيس ولا الشيخ مبروك سندًا علميًا واحدًا من تلك الأسانيد، حتى أن هذا الجهل لم يستفز المذيع ليستوضح من الشيخ أسانيده العلمية التي تخفى علينا جميعًا!

يتمحور خطاب النظام بوجهٍ عام إزاء المرأة حول رؤية رجعية، فقط باعتبار المرأة أم وأخت وزوجة، أي فقط باعتبار الصلة التي تجعلها تابعة للرجل بهذا الشكل أو ذاك، وليس بصفتها طالبة وعاملة ومنتِجة.. بل ومناضلة أيضًا. لكن خطاب السيسي لا يقتصر تجاه النساء بشكلٍ عام على ترسيخ مثل هذه الأفكار الرجعية، بل أيضًا يتقاطع تاريخه القمعي، ضد الفئات السياسية المعارضة وحتى الفئات الاجتماعية المهمشة وخاصة النساء، مع ما تواجهه النساء من المجتمع الأبوي في مصر.

السيسي، المسئول عن كشوف العذرية في مارس 2011، هو نفسه السيسي الذي حبس نظامه فتيات التيك توك وأغلق قضية الفيرمونت وقضية فتاة ميت غمر. يتعامل السيسي مع المشكلات الاجتماعية بعقلية الأب الذي يسمع الجميع كلامه لأن المسدس في يده الأخرى. نسخة أكثر عنفًا ودموية من الأب المعنِّف ولكنها تسير على نفس مبادئه. إذا كان المجتمع يضطهد المرأة، فإن النظام يعيد تدوير وتكريس هذا الاضطهاد قولًا وفعلًا.

لا مجال للشك أن مثل هذا التعقيب الذي أدلى به السيسي لا يجب أن يلقى من المنظمات النسوية والحقوقية أي استحسان أو ثناء، فهو بعيد كل البعد عن التقدمية والمساواة التي تنادي بها تلك المنظمات. وأي نضال من أجل حقوق المرأة، ضد العنف والإخضاع والاضطهاد، يجدر به أن يستنكر مثل هذا التعقيب.

ما تحتاجه القضايا النسوية في مصر هو جموع النساء، وكل من يدعم قضايا المرأة، من أجل حشد الضغط لتحدي الخطاب المحافظ، بل والرجعي، الذي يعيد النظام تدويره وتكريسه بالقول والفعل. أما الرضا بمداخلة هاتفية للسيسي، وفي الوقت نفسه تجاهل تأييده الضمني لقهر المرأة بادعاء “أسانيد علمية”، فهو يعبر عن رؤية ستحطِّم أي أمل في إحداث أي تغيير جذري في المجتمع ضد قهر النساء والسلطة الأبوية.