في أشكال الردّ على العنف الممارس في الفضاء المدرسي



امال قرامي
2021 / 11 / 12


لاشكّ أنّ التعبير عن مشاعر التعاطف مشروع ويعتبر واجبا أخلاقيا وإنسانيا تجاه الضحايا، ولكن حين تكون ردود الفعل متباينة وموصولة إلى الانفعالات ومنحازة أو منساقة وراء خطاب العنف فإنّها تكون مدعاة للقلق والخوف. وبناء على ذلك يكون من المفيد التوقّف عند أشكال تفاعل التونسيين/ات مع الظواهر والأحداث والأخبار والتأمّل في ردود فعلهم والحجج المقدّمة للدفاع عن وجهة نظرهم فهي تعليقات وتصريحات تكشف عن الأزمة المجتمعية التي نمرّ بها. فالمندّد بالعنف هو ذاته الذي ينشر صورة المعنّف واسمه ولقبه في محاولة لفضحه والتشهير بعائلته متناسيا أنّ نشر صور غير الراشدين اعتداء صارخ على الآخر وإيذاء له ولأسرته. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى من يشتم هذه الشرذمة من التلاميذ الممارسين للتهديد والمتشفّين من الأستاذ/ الضحية فيطالب النيابة العمومية بالتحرك لإنزال أشدّ العقوبات عليهم ويدعو إلى إعدام المعتدي على أستاذه... هو ممارس لشكل آخر من العنف فحين يتهاون الأستاذ/ة في تقديم واجبه ويعنّف التلميذ الذي لا يحضر الدروس الخاصة يكون بذلك أوّل مسؤول. ولا تسأل عن الذي يدعّي العصمة والاستقامة ويتناسى كم من مرّة شتم تلميذا أو تنمّر أو صفع أو أهان أو تحرّش بتلميذة ...
وإذا كانت ردود عامّة التونسيين متّسمة بالانفعال ومخبرة عن وقوعهم تحت أسر الأهواء (الغضب، الرغبة في الثأر، ...) ومعلنة عن علل الشخصية التونسية فإنّ سلوك من يزعم أنّه قادر على تفسير سلوك هذا المعنّف بكلّ ثقة،مثير للعجب والحيرة لاسيما عندما يصدر عن مسؤول تربوي أو نقابي يعلن أنّ تصرفات التلميذ راجعة إلى إهمال الأسرة أو تعاطي المخدرات أو تهاوي البنية التحتية واختلال المنظومة التربوية...
وهكذا يسمح البعض لأنفسهم بأن يتّخذوا موقع «العليم» بما يجري في الصدور فيحلّلون ويصدرون الأحكام.. دون انتظار لما سيوفّره البحث والتحقيق من معطيات.أمّا المطالب بسنّ قانون يجرّم الاعتداءات من موقع من يملك سلطة الضغط فإنّه يتناسى رفضه لمنطق جعل القضاة يتحصّلون على امتيازات على حساب قطاعات أخرى، ورفضه لقوانين تجرّم الاعتداء على مختلف المنتمين إلى القطاعات الصحية والأمنية وغيرها.
هذه عينة من ردود الفعل المخبرة عن شيوع المواقف المتناقضة والنفاق الاجتماعي وغياب الانسجام الفكري والسلوكي. فمن السهل أن تجرفنا العواطف فننخرط في خطاب الكراهية والإدانة ونبحث عن كبش فداء نعلّق عليه جميع الأخطاء. في المقابل ننزّه أنفسنا عن ممارسة أشكال من العنف، وندعي الطهرانية والالتزام بالمبادئ والأخلاق والقيم ومن السهل أيضا أن نتموقع في مقابل الآخر /المجرم/المتوحش/الشيطان...
ولكن لابد لنا أن نقرّ اليوم بأنّه قد صار من العسير أن نتدبّر ظاهرة العنف بشكل عقلاني ومعمّق، وأن نسعى إلى فهمها في بعدها الشمولي والتقاطعي. فمن استهان باغتصاب الفتيات والكهلات والمسنّات والأطفال وأصحاب الهويات اللامعيارية ولم يحّرك ساكنا أمام حوادث قتل النساء واعتبر أن العنف الزوجي أمر خاصّ، واستمتع بتعنيف نائبة في البرلمان لا يجوز له اليوم أن ينتصب مدافعا عن حقّه في الحماية وسنّ تشريع «قطاعي» التوجه. إنّ الحق في الحماية لا يتجزأ وفق القطاعات، والقوانين لا يمكن أن تكون هي بدورها، مكرّسة للتمييز على أساس القطاع، والطبقة، والسنّ والدين والمذهب...
ومن أدمن على استهلاك مضامين(الراب، المسلسلات، الأغاني، الأفلام، النكت...) ترسّخ العنف اللفظي والمعنوي والمادي والرمزي واستمتع بما يقدّمه الإعلام من برامج تسلية لا يمكن له أن يثور اليوم ضدّ إنتاج الرداءة. فالمواطنة المسؤولة تقتضي ردّ الفعل الفوري لا المناسبتي، وهو ردّ من أدرك حقّه في التفاعل مع ما يقدّم له من موقع نقديّ.
ولأنّ بُنى العنف والهيمنة متشابكة يتداخل فيها السياسي مع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني فإنّها تنتعش في سياق الأزمات واستشراء ظاهرتي الفساد والإفلات من العقاب وغياب الإرادة السياسية والتمادي في تجاهل التحولات القيمية والسلوكية والاجتماعية.
ولذا فإنّه سرعان ما سينسى الناس حادثة الاعتداء على الأستاذ وعبارات المناصرة والدعم والتعاطف ليعودوا إلى سالف نشاطهم :لينتهكوا كرامة الآخر ويشتموا ويسخروا، ويتحرشوا،ويغضوا الطرف أمام القمع البوليسي...واهم من يغتر بصحوة الوعي.