-خطبة لاذعة ضد رجل جالس-



نساء الانتفاضة
2021 / 11 / 23

(هل تريد ان تعرف الحقيقة؟ انها أسوأ ما حدثوك به، بل ما زالت أسوأ من خيالاتك المريضة) غابريل غارسيا ماركيز.

هو عنوان لمسرحية غابريل غارثيا ماركيز، هي خطاب امرأة منكسرة، مهشمة، ضد زوجها الجالس على كرسيه، والذي يقرأ جريدته، غير عابئ بما تقوله؛ انها حكايتها هي، مرارة حياتها، سنوات عمرها الذي ضاع هباء، عبوديتها، قهرها، غربتها واستلابها وضياعها؛ هي فقط من يتحدث، اما البقية من الممثلين وحتى الجمهور فقد جعلهم ماركيز خيالات، أوهام.

في برنامج "جعفر توك"، والذي خصص حلقته عن واقع المرأة في العراق، وقد اقام حلقته عبر ندوة حوارية في متنزه الزوراء، حضرها لفيف من النسوة –المعنفات والمستلبات الحقوق وبعض الناشطات- بمقابل رجل دين -ممثلا للسلطة-؛ كان الحوار جدا ساخن، فلم يجد "الشيخ" ملاذا يحتمي به من الهجوم النسوي؛ واجه حقائق الواقع المرير الذي تعيشه المرأة، خصوصا في ظل سيطرة قوى الإسلام السياسي.

تكلمت النساء بصوت عال جدا، تكلمن بمرارة عن حياتهن، عن القوانين المجحفة والقبيحة، عن حق الرجل بضرب المرأة، عن حقه بقتلها، عن حقه بأخذ اطفالها، وحقه باغتصابها وبيعها في سوق النخاسة –أيام داعش-؛ لقد كانت هي المتكلمة فقط، ليس ضد رجل دين ما، بل ضد مؤسسة دينية ذكورية حاكمة؛ خطابها هي وحدها، فهي المونولوج المؤلم الذي لا ينتهي.

بعد استلام قوى الإسلام السياسي للحكم في العراق 2003، شنت هذه القوى هجمة شرسة وعنيفة ضد المرأة، وضد كل مكتسباتها التاريخية، جاعلة منها أداة للمتعة والانجاب من جهة، ومتاجرة بها في أسواق الاستغلال الجنسي من جهة أخرى؛ فتحولت حياة المرأة في عهد هذه القوى الى كابوس مرعب، فكانت الضحية الأكثر ايلاما؛ ففي هذه الفترة تراجعت حقوق المرأة الى الحد الأدنى، لقد أصبح خروجها من البيت بحد ذاته معضلة كبيرة.

ان "غراسييلا لا فيرا" بطلة مسرحية ماركيز تتكلم بألم كبير، انها تصرخ بوجه زوجها "الرجل-الدمية" "إذا كان الزواج لا يستطيع ان يعطيني أكثر من الشرف والأمان فليذهب الى الجحيم، هناك اشكال أخرى"، وتمضي في صراخها الموجع بكلمة "لا احتمل"، (لا احتمل أكثر، تذمرك، لأنك لا تجد العدسات اللاصقة، لأنك تحملها في عيونك، ولا نفاذ ورق التواليت المعطر برائحة الزهور، ولا سلسلة الملابس في البيت كله: الربطة في السلة، السترة في الصالة، القميص فوق المائدة، الأحذية في المطبخ، الجوارب عند اية جهة.......).

لكنها –غراسييلا- لا تنهي خطبتها الا بحرق جريدة زوجها وهي تهم بالمغادرة، وتشاهده وهو يحترق ويصبح رمادا؛ وهو ما فعلته النساء في حلقة "جعفر توك"، اللواتي أحرقن الشيخ وكل تعاليمه وافكاره المريضة، والذي يوم ما حتما سيسدلن الستار عن اسوا حقبة مررن بها في تاريخهن.
طارق_فتحي