الأوضاع العامة للمرأة العراقية ومراحل تطورها1918-1924



سعد سوسه
2021 / 11 / 23

تعرضت المرأة العراقية وعلى مدى حقب تاريخيه طويلة إلى التهميش والإهمال على الصُعُد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة , إذ تحملت دفع ضريبة مجتمعها الذي يؤمن بسلطة الرجل, ويعود ذلك لأسباب عديدة منها الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة التي تجعل من الرجال قوامين على النساء, أما السبب الآخر فهو المرأة نفسها, ذلك لاستسلامها التام لتلك الأعراف والتقاليد والتعاليم, مما زاد من أوضاعها سوءاً وبؤساً لاسيما أن المرأة العراقية تتحمل جانباً كبيراً من جوانب الحياة المتمثلة بالأعمال المنزلية, في مجتمع المدينة, والحقلية في الأرياف والقرى.
ولتسليط الضوء على ما عانته المرأة العراقية ولمعرفة العوامل التي ساعدتها على النهوض بواقعها , كون شخصية بحثنا هذا شخصية نسويه كان لها أسهامٌ فاعلٌ في تغيير واقع المرأة العراقية, ارتأينا إعطاء لمحة تاريخية عن الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في العراق مطلع القرن العشرين, وأثرها على المرأة, لكي يتسنى لنا معرفة الدوافع التي حفزت شخصية البحث على التصدي لكل ما يعيق تقدم المجتمع العراقي, منها تحرير المرأة, كونها تعد الأساس المؤثر في عملية التطور والنهوض التي شهدتها بلدان العالم.
أدى خضوع العراق للسيطرة العثمانية عام 1534, وعلى مدى أربعة قرون إلى ترسيخ مفاهيم بعيدة عن الأفكار التنويرية التي سادت آنذاك, مما أدى إلى تردي أوضاع العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,لاسيما في أواخر العهد العثماني ( 1 ) وكان من الطبيعي أن أول شريحة في المجتمع ينالها هذا الإهمال هي النساء, ففي الوقت الذي بدأت فيه العديد من نساء العالم في الشروع نحو المطالبة بحقوقهنحصلت المرأة في بلدان كثيرة على بعض الحقوق في المجالات المختلفة كالتعليم والعمل وفي الحياة العائلية وكذلك حق التنظيم والنشر . ففي عام 1888تأسست جمعية نساء الولايات المتحدة الأمريكية , وفيما بعد تأسست جمعية نساء العالم بمبادرة من نساء أمريكا, وفي عام 1904 تأسس الاتحاد النسائي العالمي من أجل النضال في سبيل المساواة السياسية وكذلك تأسس الاتحاد النسائي البريطاني كانت المرأة العراقية تقبع في دارها لا تخرج منه إلا للزواج أو القبر, إذ إنها تعيش في وسط مجتمع يعدُ المرأة جزءاً من ملكية الرجل, وكمثال على ذلك كان مجرد صدور فرمان عثماني من الباب العالي في اسطنبول عام 1904لاجراء تعداد سكاني لنساء العراق من أجل منحهن الجنسية العثمانية سبباً في هياج كبير في شوارع بغداد , التي شهدت تظاهرات كان أغلب المشاركين فيها يحملون العصي والأسلحة الجارحة , مما حدى بالسلطات العثمانية إلى إلغاء الأمر (2 ) , وحصل الأمر نفسه عندما دعا الشاعر( الزهاوي جميل صدقي بن محمد فيضي بن احمد الزهاوي ولد في بغداد يوم 18حزيران 1863(كردي القومية) . تأثر الزهاوي بما أصاب المرأة العراقية وما جناه الرجال عليها من الذل والاحتقار وتكونت لديه فكرة تحرير المرأة العراقية بعد عودته من زيارة الأستانة (اسطنبول), إذ مر خلال رحلته تلك بمصر والتقى فيها بمعظم رجالها السياسيين والأدباء فاطلع على ما وصلت إليه مصر من المدنية الحديثة في الوقت الذي بقيت بلاده مهد الحضارات تحت وطأة الجهل والفقر والتخلف فظل يناضل ويكافح في سبيل نهضة العراق ونسائه حتى توفي في 23شباط عام 1936.) ( 3 ) , في مقالٍ نشرته صحيفة المؤيد المصرية بعد صدور الدستور العثماني في نيسان عام 1908, إلى ضرورة تحرير المرأة ومنحها حقوقها ومساواتها بالرجل مستشهداً بالآية القرآنية " ولهن مثل الذي عليهن " , عندها قامت الدنيا ولم تقعد حتى انه طرد من وظيفته وأهدر دمه من قبل المتشددين , على الرغم من نشرهِ المقال باسم ٍ مستعار ( 4 ).
شهدت حقبة الحكم العثماني للعراق واقعاً اجتماعياً متردياً, ففي تلك الحقبة لم تملك المرأة من وسائل التثقيف والتعليم شيئاً يذكر, كونها كانت تعيش في ظروف متخلفة فرضها عليها تخلف المجتمع نفسه. فمن الناحية التعليمية لم تشهد سوى القليل من المدارس والكتاتيب التي اقتصرت مهمتها على تعليم المرأة القراءة والكتابة, باستثناء عدد قليل من المدارس(وهي مدرسة الاتحاد والترقي للإناث عام 1913,وثلاث مدارس أخرى في محلتي باب الشيخ والبارودية ,واستمر التدريس في تلك المدارس حتى احتلال بغداد عام 1917 ) ( 5 ) , أولها كانت مدرسة (إناث رشدي مكتبي) (تأسست في بغداد عام 1899 في زمن الوالي العثماني نامق باشا, وكانت مديرتها السيدة أمينة شكور خانم وعينت فيها ثلاث معلمات أخريات وكان عدد طالباتها حوالي تسعين طالبة وتقع بنايتها في محلة الميدان الجديد . ) ( 6) ومن طرائف ما يروى عن أمر افتتاح تلك المدرسة إن والي بغداد نامق باشا قد ارتأى عرض الأمر قبل التنفيذ على مجلس معارف ولاية بغداد الذي كانت غالبيته من علماء الدين لمناقشته, فاشترطوا عليه عدم إشراف إحدى الدور المجاورة على بناية المدرسة وان لا تكون شبابيكها مطلة على الشارع وان لا تكون في الدور المجاورة للمدرسة أشجار عالية خشية رؤية الفتيات وهن يسرحن في ساحة المدرسة أثناء الاستراحة, كان من بين الحاضرين الشاعر جميل صدقي الزهاوي كونه احد أعضاء مجلس المعارف, فبادرهم القول : " بان شروطكم لا تنطبق سوى على بناية واحدة هي حوض منارة سوق الغزل" ( 7 ).
كانت معظم فئات المجتمع العراقي بما فيهم الفئة المثقفة ترفض الأفكار التنويرية التي سادت في ذلك العصر ومناداتها بضرورة تحرير المرأة والاهتمام بتعليمها وتمثلت تلك الأفكار بطروحات عدد من رواد حركة النهضة الفكرية العربية , إذ إن عامة الناس والمثقفين منهم عدوا هذه الأفكار بأنها دعوة للانحلال والتفسخ. إلا إن تحولا كبيرا قد طرأ على وضع المرأة العراقية بعد احتلال العراق من قبل بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى( 1914- 1918), وانتهاء السيطرة العثمانية وكان لذلك التحول أسباب متعددة .
المصادر
1 . علي الوردي , لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث , ج1, ط1, منشورات الشريف الرضي , قم, د. ت , ص1- 20.
2 . خيري أمين العمري , حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث , بغداد , د.ت , ص 93.
3 . خضر العباسي , تحرير المرأة بين الزهاوي والرصافي, تاريخ الحركة النسائية في العراق , منشورات دار المستنصرية , د . ت , ص24- 25.
4 . نمير طه ياسين , بدايات التحديث في العراق 1869- 1914 , رسالة ماجستير غير منشورة , المعهد العالي للدراسات القومية والاشتراكية , الجامعة المستنصرية , 1984, ص250.
5 . باسمة كيال ، تطور المرأة عبر التاريخ ، بيروت ، 1981 ، ص196-197.
6 . عبد الرزاق الهلالي , معجم العراق , ج1 , مطبعة النجاح , بغداد , 1953 , ص214.
7 . صبيحة الشيخ داوود , أول الطريق إلى النهضة النسوية , ط1 , مطبعة الرابطة , بغداد , 1958, ص 45-46.