غداً يصادف اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة



فلورنس غزلان
2021 / 11 / 24

يهرع الكون برمته وبكل الوسائل المتاحة للقضاء على " وباء كوفيد 19" ، لكن قواهم الاقتصادية والمجتمعية والقانونية لاتبذل نفس الجهود أو مايوازيها للقضاء على وباء منتشر ومتأصل ينخر في المجتمعات غربية كانت أم شرقية، ألا وهو " وباء العنف ضد المرأة" العنف بكل أشكاله الجسدية والنفسية والجنسية ومايتبعها من أشكال تمييزية تُمارس عليها وعلى حياتها، تحط من كرامتها وكيانها الإنساني وتُقصيها عن إثبات دورها الفاعل لتشكيل مجتمعات متوازنة منتجة ، يتساوى فيها البشر دون النظر لنوعهم ، ولو ألقينا نظرة على ضحايا هذا العنف لوقعنا على أرقام خيالية وطرق بشعة تحط من إنسانيتها ومن كونها تشكل نصف هذا الكون الأعرج دون دورها، بل وتحرمها من الحياة ، حين تُقتل في الغالب على يد " الشريك" أو على يد أحد أفراد أسرتها كما يحدث في حوض البحر المتوسط أو في دول جنوب شرق آسيا .
بالطبع العنف لايطال المجتمعات في الدول النامية العربية والإسلامية فقط، بل يتعداه إلى الدول الأوربية والأمريكية ، فقد بلغ ــ على سبيل المثال ــ عدد النساء اللواتي قتلن على يد الشريك الحالي أو السابق في فرنسا العام الماضي ــ حسب تقرير المنظمة العالمية للصحة ، 102 امرأة لعام 2020 ، ونسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف في أوربا تبلغ 27.9 بالمية.وتبلغ نسبة من يفقدن حياتهن 38 بالمية .
المعضلة الكبرى تكمن في عدم قدرة معظم المُعَنفات من تقديم شكوى للشرطة! ، لأن الشرطة حتى الآن مازالت لاتتعامل بشكل جدي مع هذا الموضوع وتصنفه ضمن " الخلافات العائلية"! إلى أن استفحل الأمر وبدأت المنظمات الحقوقية " أمنيستي أنترناسيونال وهيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات النسوية بالتحرك والتظاهر والإدانة والمطالبة بالمحاسبة الشديدة للجناة.
لكن ماذا عما يسمى بجرائم الشرف في العالم العربي والإسلامي؟
كي لا أدخل في التفاصيل ، فقط أضعكم بصورة موثقة بأن معظم حالات القتل هذه تتم في " فلسطين وخاصة في قطاع غزة والأردن وسوريا والعراق وكل الدول العربية كما في باكستان وأفغانستان وغيرها، معظم الاحصائيات والأرقام المعلنة غير دقيقة، لأن السلطات القائمة والمجتمع المتخلف والعشائري يقوم بالتغطية والتعتيم على الجُناة وتسجل الجريمة كحالة انتحار.
70 بالمية من حالات العنف تقع على المرأة في المغرب العربي ومصر، 66 بالمية في الجزائر ومثلها في السودان والعراق ، ناهيك عن ضحايا الاتجار بالبشر حيث يقع معظمها على عاتق النساء وخاصة القاصرات ضحايا الحروب كحال اللاجئة السورية وماتعرضت له في دول اللجوء " الأردن ولبنان " خاصة.
عدد المعنفات في فلسطين العام الماضي بلغ 652 امرأة منهن 378 في قطاع غزة ، و 112 فتاة فقدن حياتهن تحت مسمى " جرائم الشرف" ناهيك عن حالات الاغتصاب وسفاح القربى، جميعها يتم التعتيم عليها والتغطية أو التورية لإعفاء الجاني من العقوبة، غالبا العقوبات مخففة سببها " قوانين الأحوال الشخصية المتخلفة والمستمدة من الشريعة الإسلامية.
أشدها قسوة تلك التي تعفو المُغتَصِب من جريمته فيما لو تزوج من المُغتَصَبة ! في بعض البلدان العربية استطاع النضال النسوي إلغاء المواد المتعلقة بهذا الموضوع ، حيث ألغيت المادة 227 في تونس بالكامل، وصوت مجلس النواب الأردني على إلغاء المادة 308، وفي لبنان ألغيت المادة 522 ، وأخيرا المغرب عام 2018 اعتبرت قانون العنف ضد النساء شكل من أشكال التمييز بناء على النوع الاجتماعي " الجندر"، إنما بقيت كلاً من " الجزائر، البحرين، الكويت، العراق، سوريا، وليبيا" تحافظ على هذا النمط من القوانين الجائرة وتسمح بزواج المغتصب من المغتصبة!؟
بالإضافة لكون 49 دولة في العالم جُلَّها من الدول المسلمة والعربية ، لاتعتبر " اغتصاب الزوج لزوجته جريمة، بل واجب شرعي اعتماداً منها في قوانينها المستمدة من الشريعة الإسلامية ويكفينا أن نقرأ الآية الكريمة 223 من سورة البقرة" نساؤكم حَرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" ،وانطلاقاً من هذا الموقف المجحف وماشابهه لجأت تركيا إلى سحب موافقتها على " اتفاقية الجندر" العالمية، التي وافقت عليها 45 دولة من بينها كافة دول الاتحاد الأوربي ،وذلك في مايوعام 2011 وكانت تركيا قد وقعت عليها عام 2014 ، وقد انسحبت منها هذا العام ،معتبرة أن هذا القانون يسيء للأسرة وأن حل المعضلات الأسرية يتم من خلال المودة والرحمة "، وأنه يلغي دور الفطرة النسوية!، إذ تَنَكر" مجلس علماء المسلمين"، الذي اجتمع في استانبول لرفض هذه الاتفاقية ورفض مقولة :" أن الانسان يتطور ويتغير تبعاً لمسيرة الكون وتطوره !، كما ترفض المساواة بين الرجل والمرأة ولا تعتبر العنف القائم على المرأة سببه النوع!، وأن الاتفاقية تلغي دور "القَوامة " للرجل أباً كان أم زوجاً!، وتمنع الإجراءات" التأديبية " التي يقوم بها أولياء الأمور لتقويم المرأة! ناهيك عن الموقف من المثلية وهو موقف استنكاري يُجَّرم المثليين.
نسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف في تركيا تصل في المناطق الكردية خاصة إلى 60 بالمية ، ترفض معظمهن اللجوء للمحاكم والطلاق !.
لن نغفل أن " بولندا حذت حذو تركيا بالانسحاب من الاتفاقية، وأن الاتحاد الأوربي اليوم يطالبها بتعديل قوانينها المتعلقة بالمرأة والمشكلة لازالت قائمة وقد هددها الاتحاد الأوربي بوقف كل المساعدات التي تتلقاها إن لم تلتزم كغيرها من دول الاتحاد بقوانين عادلة لاتجرم المرأة ولا تضعها في مستوى أدنى من الرجل.
في الوقت نفسه تطلعنا تقارير منظمة " الإسكوا" ــ لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ، على أن 37 بالمية من النساء العربيات يتعرضن للعنف وأن 35.4 منهن من المتزوجات، بينما يتم تزويج القاصرات دون سن ال18، ونسبتهن تعادل 14 بالمية .
هذا العنف قطرة ماء في بحر القهر والظلم الذي تعرضت وتتعرض له نساء سوريا والعراق بسبب الحرب الطاحنة خاصة بعد اندلاع الثورة في سوريا، أبرزها وأكثرها إجحافاً وظلماً هو السجن والتعذيب والاغتصاب داخل المعتقلات، ناهيك عن حالات القتل والتصفية والتغييب ، وعدم معرفة مصير المعتقلات أو زيارتهن من الأهل أو محاكمتهن أمام محاكم عادلة.
في العراق ضحايا داعش كانت أشهرها وأبشعها النساء " ألأيزيديات"، وماتعرضن له من سبي واغتصاب وتعذيب واستعباد، مازال معظم مرتكبو الجرائم دون عقاب ومحاسبة، لكن جرائم الأسد فاقت مافعلته داعش في مدن الشمال الشرقي من سوريا، إذ لازالت سجون الأسد تكتظ بالمعتقلات من النساء، إذ يفوق عددهن ال7000 امرأة حتى اليوم بينهن 417 فتاة تحت السن القانونية وهناك نساء اعتقلن مع أطفالهن كرهائن ، ناهيك عن المغتصبات اللواتي أنجبن أطفالا داخل المعتقلات الأسدية ـ حسب ــ " حركة الضمير العالمية والشبكة الأوربية المتوسطية " ــ إذ لاتوجد أرقام وإحصائيات دقيقة ــ ناهيك عن الاغتصاب والقتل الذي تم على أيدي رجال الأسد والميليشيات القادمة من إيران وأفغانستان والعراق ولبنان " حزب الله "أثناء اقتحام المدن السورية في القلمون والغوطة ودرعا وحلب وغيرها، دون أن ننسى أعمال جبهة النصرة وجيش الإسلام وما شابههم ممن عمل تحت اسم جيوش" معارضة للنظام " !
يكفيكم أن تلقوا نظرة على الفيلم الوثائقي " الصرخة المكتومة "الذي أعدته وأخرجته " مانون وازو" وغيره من الوثائق والفيديوهات للنساء الناجيات واللواتي أدلين بشهاداتهن بعد أن خرجن من السجن وأصبحن خارج الحدود السورية شهادات لم يعرف حجم إجرامها وقهرها العالم برمته في كل حروبه الطاحنة عبر التاريخ ، ولكم أن تعودوا كذلك لشهادة المرحوم المعارض " ميشيل كيلو " وحكاية الطفل والعصفور التي رواها بعد خروجه من السجن ــ ، اللهم إلا في المذابح المرتكبة أثناء الحروب في رواندا، الكونغو ، ودارفور... من إفريقيا.
ولا نستطيع أن نمر على قضايا العنف، دون أن ننظر بعين الألم لما حل بالمرأة السورية والعراقية، نتيجة الحروب، فقد تحولت لمعيلة لأسرتها بعد أن فقدت الأسرة معيلها، أو هُجِّرت ووجدت نفسها ضحية اللجوء في المخيمات مع عدد من الأطفال تقع عليها مسؤولية تنشئتهم ورعايتهم، إذ تتعرض للاضطهاد والتنمر والتحرش والمساومة، يكفيكم أن تزوروا شوارع العاصمة دمشق أو أيٍ من المدن الكبرى ــ حيث اللجوء الداخلي ــ صباحا ومساء وتشاهدوا عمل النساء والأطفال بأم أعينكم ، أو تزوروا المخيمات في بلدان اللجوء الحدودية، تركيا، الأردن ، لبنان، وشمال سوريا كذلك..
يكفي أن الأمين العام للأمم المتحدة وصف حال المرأة السورية بالقول أنها : " أكثر النساء قهراُ على وجه الأرض".
اليوم على كل امرأة أن تقوم بدورها لوقف هذا الوباء ، من خلال إنشاء مراكز رعاية للنساء المُعنفات، وضحايا الاعتقال في السجون حيث يعانين الأمرين من نظرة المجتمع والأسرة كذلك ، إذ يتعبروهن مصدر " عار" !، وأن نؤسس لجمعيات مجتمع مدني ، تعمل على توعية المرأة الضحية، وتساهم في المطالبة بإلغاء كل قوانين الأحوال الشخصية المجحفة بحق المرأة والعمل على وضع قوانين أكثر حضارة تتناسب والعصر والتحول التاريخي، وبالتعاون مع المثقفين ، لوضع دستور يفصل بين الدين والدولة... تتساوى أمامه جميع مكونات المجمتع السوري بغض النظر عن النوع وعن الدين.
فلورنس غزلان ــ باريس 24/11/2021