هكذا تكلمت النساء !!



أمل زاهد
2006 / 8 / 27

هكذا تكلمت النساء...!!
حدثتني بصوت مرتعش ، يتقطع ما بين آونة وأخرى كي تلتقط أنفاسها وتستجمع شجاعتها وتنفض عنها كبريائها الجريح ، لتتدثر بدفء البوح وتلوذ بحميمة جدرانه . لم تكن حكايتها بالغريبة أو المتفردة ، بل هي حكاية تعيد ثقافتنا انتاجها كل يوم بصور مختلفة وأشكال متباينة ، وهو ما أطلق عليه : إعادة تكرير القمع الذكوري للمرأة في حقبة ما بعد التحديثات في المملكة .. تلك التحديثات التي كان أهمها بالنسبة للمرأة هو التعليم الرسمي الذي فرضه الملك فيصل رحمه الله رغم الممانعة الاجتماعية منذ نيف وأربعين سنة .
إنها حكاية المرأة التي حباها الله بقدر من الفطنة والذكاء والتميز ، ولم يستطع الذكر الذي يقوم عليها أن يبتلعه أو يتعايش معه ، في نفس الوقت الذي تمنعه فيه ظروفه الاقتصادية وشباك ضروريات الحياة وكمالياتها الملتفة حول عنقه من أن يطبق على أنفاس ذلك التميز ، فيقرر أن يمنحها بعض الأنفاس مع التحفظ الشديد على كل مايمكن أن يساهم في بروزها أو تفوقها ، لتبقى آلة تساعده على اعباء الحياة ، دون أن تملك حق اتخاذ أي قرار مصيري يتعلق بمستقبلها المهني دون استجداء وإذلال وإراقة لماء الوجه حتى تحصل على ما يفترض أنه حق مشروع لها !! هذا إذا لم يتم منذ البدء وأد طلبها في مهده وقتله قبل أن يتنفس !!
ولو قدرلكثير من النساء المقهورات في بلادنا أن يتكلمن عما يثقل كواهلهن لشاب من هول حكاويهن الولدان .. ولأننا لانستطيع أن نفصل الرجل والمرأة عن الثقافة السائدة في المجتمع فلا نستطيع أن نحمّل الرجل فقط وزر ذلك الظلم ، فالقضية قضية ثقافة توغل في تأطير نرجسية الرجل وابرازاها ونفخها في نفس الوقت الذي تغرق في إشعار المرأة بنقصها و دونيتها وعدم أهليتها ومن ثم تمرير ذلك الشعور لها وغرسه في عقلها اللاواعي !! ورغم ما جلبه تعليم المرأة في معيته من امتيازات للمرأة ومن متغيرات اجتماعية مكنت المرأة من امتلاك زمام الاستقلال الاقتصادي الذي يشكل دون شك احدى الوسائل الناجعة التي تحارب بها الظلم الذي يقع عليها ، فلا تزال مكانة المرأة الاجتماعية تراوح مكانها ، ولاتزال تلك النظرة الدونية البعيدة تماما عن روح الإسلام تلتف بها لتجعل أحيانا من مجرد معرفة اسم الأم أو الأخت احدى الأسلحة التي يشهرها الفتى في وجه زميل له أوقعه سوء حظه في ذلك المأزق !!
القدرة على الحكي والسرد كان احدى الحيل التي تخلص المرأة من الظلم والاضطهاد ، فشهرزاد ( المرأة الأشهر في المخيلة العربية ) تحايلت على حبل الموت الملتف حول عنقها عبر مهارتها في سرد الحكايا ، واستخدمت ذكاءها وفطنتها كي تطوع رجل هوى سفك الدماء وقتل الإناث اللواتي رأى فيهن رمزا للزوجة الخائنة . وتتساءل فاطمة المرنيسي في كتابها ( شهرزاد ليست مغربية ) ألم تكن ثقافة شهرزاد التي أتيحت لها عبر انتمائها الطبقي هي المنقذ الحقيقي لشهرزاد؟! ولذلك ترى المرنيسي أن قصة شهرزاد لا تزال معاصرة لأنها تطرح مسألة المعرفة كسلاح للإستمرار ومقاومة الظلم ، فقضية المرأة ترمز لقضية الإنسان المقهوروالمقموع الذي يقع عليه طغيان الجبابرة واستبداد العتاة ، وأهم ما تطرحه قصة شهرزاد هو الاستراتجيات التي يستخدمها الضعيف والمغلوب على أمره كي يتحدى الظلم . وأهم تلك الاستراتجيات هو التمكن من سلاح العلم والثقافة والوعي الذي يمكنه - حتى لو عبر التحايل- إلى التملص من شباك الظلم والقهر . والمرنيسي أيضا تطرح قضية أخرى وهي أن عصور الانحطاط والتخلف في تاريخنا العربي هي تلك التي يبحث فيها الرجل عن المرأة الجاهلة التي يخشى على تألقه من بروزها ، وأن الرجل العربي في العصور الذهبية لم يرى في نموذج المرأة المثقفة والعالمة تهديدا لمكانته أو انتقاصا من قدره ، فالمرأة تعكس المستوى الثقافي لشريكها واهتماماته وهي مرآة المجتمع التي تتمثل فيها أحواله ، وينعكس من خلال صورتها ومكانتها في المجتمع النسق الثقافي السائد والمسيطر في محيطها.
ولعل الإشكالية الأكثر تعقيدا في وقتنا الحالي والتي تجعل من الحديث عن قضية المرأة احدى القضايا الشائكة في مجتمعنا ، هي أن الموقف من هذه القضية يأخذ بعد رمزيا لعلاقة الحداثة بالتقليد وهي قضية لا تزال تتأجج في مجتمعاتنا ولم يتم حسمها لحد الآن ، فالحداثة غالبا ما تصور على أنها مناهضة للأصالة والهوية والخصوصية المجيدة وليست تأسيسا معرفيا لتحديثات شرع فيها مجتمعنا منذ زمن دون أن يكون هناك عمادا ترتكز عليه وتعتمد على قوته !! فتأخذ قضية المرأة هذا البعد الذي يجعل من مجرد الاقتراب منها معبرا لتمرير تهم التغريب والعلمنة وإفساد المجتمع والسعي إلى تفكك الأسرة ، وإطلاق الأحكام على عواهنها التي تتجاوز الظاهر زاعمة معرفة النوايا والبواطن !! مما يجعل أي متحدث أو متحدثة عن حقوق المرأة هدفا تصوب إليه الطلقات والهجمات ، حتى لو انطلق من منطلقات دينية مع الاغفال التام أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من ربقة العبودية بكافة أشكالها وأنه سعى إلى تحرير المرأة بصفتها شقيقة للرجل وشريكة له .
تعي المرأة الآن أن الحكي أو الكلام ليست فقط وسيلة للتنفيس ولكنه سلاحا ماضيا تستطيع المرأة أن تتمنطق به كي تغير أوضاعها السيئة ، وأن تسليط الضوء على الظلم الذي يمارس عليها وعرض مشكلاتها على رؤوس الأشهاد قادر على تحريك المياة الراكدة . ولذلك سردت رانيا الباز قصتها في كتاب (المشوهة ) الذي كُتب بالفرنسية وتمت ترجمته إلى العربية ، ووضعت فيه تفاصيل حياتها تحت مجهر العرض والفرجة بشجاعة وشفافية غير مبالية بما قد يجره عليها ذلك العرض من اتهامات وإدانات ، إيمانا منها أن التوجه إلى العالم سيساهم في تحجيم تلك الممارسات مع تأكيدها أن تلك الممارسات الظالمة لايقرها الإسلام ولا توافق عليها الشريعة .
رغم انفتاح اعلامنا في الوقت الحالي على عرض ما ظل مسكوتا عنه لمدة طويلة ، ورغم حكايا العنف الأسري والاضطهاد وإعضال المرأة عن الزواج بمن تريده .. ورغم إساءة استخدام حق القوامة الذي يتم بواسطته فتح قنوات متعددة يعبر من خلالها الظلم الاجتماعي مع التجاهل التام لكون القوامة تكليف أكثر منها تشريف !! إلا أننا نجد من يرفع أصابع الاتهام في وجوهنا . وسأختم بعبارة وجهها لي قاريء يعترض على طرحي في احدى المقالات قائلا : فلتغمدي يراعك وليطمئن قلبك وثقي في كلامي فجميع من يتغنى بظلم المرأه والحاجة لانتشالها من براثن الذكورية المقيتة ما هم الا من شر اثنين:
اما صرعى "الدون كيشوتيه" في اسوأ صورها أم أنهم أصحاب "أجندات خفاشيه" وغايات أخرى ولا تنسي أن الذئب لا يأكل من الغنم الا القاصية!!
أمل زاهد