رئيسة الحكومة من «صمت القصور» إلى «كسر حاجز الصمت»



امال قرامي
2021 / 11 / 27

بم نفسّر عزوف رئيسة الحكومة عن التواصل مع التونسيين/ات مباشرة أو من خلال حوار صحفيّ مرئي؟ وإلى متى سيستمر صمت أوّل رئيسة حكومة في العالم العربي في سياق عيل فيه صبر التونسيين؟
وكيف نقرأ صمت عدد من الوزيرات وأوّلهن وزيرة البيئة التي آثرت تفويض من تنوبها لتردّ على أسئلة المواطنين الغاضبين؟
تجد هذه الأسئلة ما يبررها في ظلّ تصوّر جديد للتدبير السياسي قوامه عقد اجتماعي يتأسس على علاقة تبادلية بين من يكون في منصب القيادة والمواطنين/ات، وهي علاقة تستوجب التفاعل المستمر: شرحا للسياسات والتصوّرات وتبريرا للقرارات واعتذارا عن الأخطاء متى حدثت المساءلة وقبولا بالتنحي عن الحكم متى تجاوز السياسي/ة سلطة القانون.وانطلاقا من طريقة تنظيم العلاقات تكون مطالبة رئيسة الحكومة بالتواصل مع التونسيين/ات مندرجة ضمن الحقوق التي كفلها الدستور للمواطن/ة.
لهذه الأسئلة أهميتها أيضا في نظر المتابعات للحركة النسوية التونسية إذ استطاعت فئات من التونسيات انتزاع الاعتراف بقدرتهن على مواجهة سياسات التصميت ومصادرة حرية التعبير وحرية التفكير .... ونجحن في فرض وجودهن والدفاع عن أشكال حضورهن في الفضاء العام والتعبير عن ذواتهنّ. وليس النضال النسوي من أجل تمكين النساء من مواطن صنع القرار وإدارة الشأن السياسي إلاّ شكلا من أشكال إخراج كفاءة النساء على القيادة من حيّز التعتيم والتغييب واللااعتراف إلى المرئية والاعتراف.
غير أنّ المتابع لأشكال حضور رئيسة الحكومة يلحظ هيمنة الصورة على الخطاب المتلفظ به مع أنّ من شروط تمكنّ السياسي/ة من الهيمنة على الجماهير: «الفصاحة» والمهارة التواصلية والقدرة على التحكّم في حركات الجسد أو حسن توظيفها لخدمة الأهداف المرجوة. وبناء على «اختيار» هذه الطريقة في عرض الذات كان تركيز وسائل الإعلام والمحللين وسائر التونسيين على صورة رئيسة الحكومة في «حلّها وترحالها» داخليا: بين القصرين، وخارجيا في المؤترات واللقاءات الخاصة وغيرها. ولئن أبدت هذه الصورة حركة رئيسة الحكومة الحثيثة، أي فاعليتها فإنّ تغييب فحوى الحوارات والخطاب المسموع حوّل الأنظار إلى جسد الرئيسة فكان الاهتمام بالنظارات والحقيبة والحذاء والأناقة والبسمة و... وهو اهتمام أفضى إلى تحديد الطبقة التي تنتمي إليها السيّدة بودن. فكان أن هلّلت أغلبهنّ «بالفيانة والذخامة» class و... بينما ازداد حنق البعض على «علامات البذخ» في سياق تجاوزنا فيه «أبهة الملك» ليغدو الصراع الطبقي سمة بارزة في بنية العلاقات.
تتعدّد إمكانات تأويل الصمت فقد يعبّر الصمت عن تجاهل واستعلاء وترتيب للأولويات إذ أن المطلوب هو العمل لا الاهتمام بالظهور الإعلامي والهيئة والثرثرة، خاصة إذا كانت مع إعلاميين يبحثون عن «البوز» ويتطاولون على مقامات الناس ولا يتقنون المحاورة. وهنا يكون عزوف السيدة بودن تعففا وشكلا من أشكال تحصين الذات.
وقد يكون الصمت «تصميتا» من قبل السياسي «الأب المحافظ» الذي خبر «تلاعب الإعلام» ونوايا «إعلام العار» والخصوم الأعداء فأراد حماية صاحبة التجربة الفتية من التشويه والتحقير و... سيما وأنّ علاقة عدد من الإعلاميين برجال السياسية والأعمال لا مرية فيها.وانطلاقا من هذه الرؤية البطريكية يكون التصميت تكتيكا يحمي فيه القويّ الضعيف، وصاحب الخبرة، الفتيّ الوافد على السياسية من جهة، ويكون الصمت عن الكلام عقابا للإعلاميين ، من جهة أخرى.
ولئن عنّ لبعضهم التندر بـ«الجنس الناعم والصامت» فإنّ أداء الوزيرات على مستوى التواصل متفاوت فمنهنّ من تحرص على مدّ المواطنين بالمعلومة وتتولّى يوميا شرح القرارات وتتحاور مع مختلف وسائل الإعلام (كوزيرة المرأة)، ومنهن من تتوارى عن الأنظار (كوزيرة البيئة...) وكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الوزراء.
والظاهر أنّ توجّها عاما لدى حكومة السيّدة بودن هو كثرة العمل وقلّة الحديث ولكن أنّى للتونسيين أن يتكيّفوا مع هذا الوضع وهم الذين عاشوا طيلة سنوات على الضجيج والثرثرة والعراك والشتم والكذب والمراوغة...؟
وكيف لمن آمن بثقافة المواطنة والحقوق والحريات أن يتأقلم مع الصمت الممنهج وفرض علاقات القوّة على مستوى الإخبار؟
وأنّى للنسويات المدافعات عن أهليّة المرأة لرئاسة الحكومة والجمهورية والمراقبات لأداء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء منقوش أن يرضين بأداء امرأة تجرّنا إلى الحكم عليها من خلال الظاهر؟
وبما أنّنا في سياق حملات مناهضة العنف ضد النساء فإننا نودّ من رئيسة الحكومة أن «تكسر حاجز الصمت فتنطق ولو لمرّة واحدة.