الهروب من القبيلة



محمد قاسم علي
2021 / 11 / 28

"أنا أبوك، إحترم!
ما السبب الذي يجعلني أن أحترمك، قدم لي سبباً واضحاً و أنا سأتنازل عن كٌل ما قلته لك. أعطني سبب واحد.
لا يوجد سبب، هكذا كان رده. أنظر، أن تقول لا يوجد سبب. أنا قلت له.
12 دقيقة مرت حتى أنهى المكالمة، لعدم قدرته على تحمل كيل الإهانات الثقيلة التي وجهتها له. كلامه حفز الدم على الغليان في العروق.
فكرت جدياً، في حال وفاته، سأقول، اليوم مات وغد من الاوغاد. لم تمضي إلا بضع دقائق حتى و أرسل رسالة عبر الهاتف المحمول، أجبته بحدية قاطعة، إضطرته الى الضغط الى خيار الحظر."
بعد هذه المكالمة و الرسائل التي تلتها أنا إنسان آخر. لقد مررت بتجربة كبيرة و عميقة غير مسبوقة بالنسبة لي، لم يكن بوسعي تحمل الفعل الشنيع الذي إقترفه، بهذا الفعل القبيح الذي فعله، إبتعد فلسفياً عني، فالمسافة إزدادت في الإتساع، لا أذكر يوماً بأننا كنا نقترب فلسفياً أو بأن أفكارنا كانت تتقارب ، ربما كانت تتقارب لكن ما تلبث لوهلة إلا و تباعدت و إتسعت المسافة. عبارات أمي كانت تتردد على مسامعي، حينما علِمت بزواجه الثاني و الذي جرى خِلستاً. قالت له "أنت سَقَطت مجتمعياً" ليته أدرك معنى هذا الكلام. لا بد لفعلته الشنيعة تلك من جذور متأصلة تتصل ب أخلاق القبيلة التي إنبثقت من بين كثبان الرمال الصحراوية. بعد المكالمة التي إستمرت 12 دقيقة، إعتبرت نفسي الهارب الناجي من أخلاق القبيلة، ليس هذا وحسب بل وضعت على عاتقي واجب إدانة مثل هكذا فعل جبان منحط. تكمن هذه الفضاعة و الصفاقة في الموقف من قبله بالتعاليم الدينية المتوارثة التي وصلت عبر الدين الإسلامي و تم شرعنتها في داخل المجتمع بطريقة يصعب السيطرة عليها، كيف يٌمكن للدولة أن تستند الى مثل هذه الشريعة المنحطة؟
دعني أسلط الضوء على بعض ما دار في المكالمة، قلت له "كيف لك ان تفعل ذلك رغم أنك تٌدرك توجهاتنا و افكارنا." بالنسبة له من المؤكد أنه تخلى عن أي إلتزام أخلاقي. لكنه أختلس خلستاً و سعى بهذا الإنحطات مستغلاً ثغرات قانونية تستند الى الشريعة الإسلامية التي من المفترض أن تٌعتبر ضمن الشرائع التي عفى عليها الزمن و أصبحت من الماضي بين طيات الكٌتب.
الإدانة و الشجب لا ينفعان دون إتخاذ خطوات عملية و حازمة تٌوقف هذه الأعمال الجبانة. في مكالمة هاتفية بيني و بين شخص مرموق كان مديراً لإحدى البلديات في شمال السويد و هو عضو في حزب اليسار السويدي، أسردت له ما جرى، لأنه يعرف والدي شخصياً. إندهش مما سمعه، أضفت له بالقول لو كان قد فعلها في السويد، ل زٌج في السجن. أجابني "قطعاً، بلا أدنى شك". أنا على معرفة جيدة بهذا الشخص المرموق، قلت له و أنا أتحدث عن والدي، كان لابد له من أخذ بعض المحاظرات عن ماركس، أجاب، كان علينا فعل ذلك.
و أنا أستمر في الحديث معه قلت له، لن اسامحه مطلقاً على فعلته، أجابني ، لا تفعل إن لم يتوسل لك بالعفو و المغفرة.
شكرته على إتصاله بي و قلت له ، كانت هذا المكالمة الهاتفية مهمة جداً بالنسبة لي ، كنت أشعر بالضغط النفسي ، بمجرد الإفصاح لك جعلتني أشعر بالراحة، تلاطفنا الحديث ، أضاف بالقول، ليست مشغولاً يوم السبت سأمر عليك لكن قبل ذلك سأعطيك إشارة. أجبت ، أهلاً بك ، أنا أنتظر. قال: سأتناول الكعك مع القليل من القهوى ، لا تٌكلف نفسك في فعل شئ. أجبته ، لا أستطيع أن أعدك. ضحك و ضحكت معه.
كيف لي تحت أي ظرف من الظروف أن أغض الطرف عما إقترفه والدي بحق نفسه و عائلته. لابد لهذه الأعمال الجبانة من نهاية، إن لم يكن أنا هو الشخص المعني بتعرية هكذا جرائم فمن سيكون ذلك الذي سيأخذ على عاتقه مواجهة هذه الشنائع و القبائح؟ لا بد لي كشخص مثقف، عاقل ، واعي، أن أعري تلكم الأفعال، الأ تستحوا أيها الأوغاد؟ متى ستتعلموا، حان الوقت لكي تٌدفن تحت التراب تلكم هي أفعالكم النكراء التي توارثتموها من عصور الإضمحلال و التقهقر الفكري و الإنساني. إن أصر على ما هو عليه، فأنا لست نادماً ، سأقولها حقاً عند وفاته "اليوم مات وغد من الاوغاد".