المرأة الغائب الحاضر / شرنقة الماضي



ياسمين جواد الطريحي
2021 / 12 / 1

لماذا لا نكتب ؟ هذا السؤال يحتاج الى اجابة تقنع القارئ بان قراءاته قد تغذي عقله وتشبع غريزته المعرفية وتعينه في مسار حياته . لكن ، أين تكمن المشكلة ؟ أهي في الكاتب ذاته الذي يريد أن يكتب من أجل الكتابة والنشر أو الناشر الذي يريد أن ينشر ويربح ؟ أم في القارئ الذي يريد أن يقرأ ويفهم ويتعلم ؟ ومن يقرأ هذه الكتابات ؟

لدينا مراكز نشر متعددة في كل انحاء الوطن العربي ، وهناك كتبً ومنشورات من كُتاب و كَاتبات محلين او دوليين وفي كافة المواضيع ، ومنها المترجم لمشاهير الكتاب والمحلي . ولكن من هم قراء هذه المنشورات ؟ أهم من العامة وهم الاغلبية أم فئة محددة ؟ وهل تصل رسالة الكاتب أو الكاتبة كما يتمنى أو تتمنى ام تفسر حسب وعي ذلك القارئ ؟ وهل يمكن ان نفصل بين القارئ الامي والقارئ الواعي ؟ وكيف ندرك الفرق مابينهما ؟

ايهما اهم في ثقافة الأنسان ؟ القراءة أم الوعي أم الاثنين معا ؟ وأين تكمن العلة ؟ هل هي في عقل الإنسان أم في النظام العام ككل ؟

هناك من الكتاب من يكتب لذاته وإنجازاته وامتيازاته الشخصية والعملية ومن أجل النشر فقط ، ولايهم من سيقرأ أو كيف ستفسر تلك النصوص ، المهم ان يكتب وينشر وتضع في منهاج سيرته الذاتية ليصبح شخصا متميزا في اطار معين نسميه شرنقة الذات أو الآنا ، وهم الاغلبية في هذا الزمان . فالكتابة الكمية ( لا النوعية ) وقراءة اي نوع لاتعني أن هناك تطورا عقليا او ثقافيا ووعي كامل ، الا اذا تزامنت القراءة مع الوعي ، حينها نعرف اننا شعب متعلم ومثقف ومتطور. فأن وجدنا مجتمعا يقرأ وليس فيه وعيا يصبح قطيعا لا يأخذ ولا يعطي بل مجتمعا مستهلكا مستغلا يضر اجيالا ولا يطور عقلا. وهذا إهدار للطاقة وضياع الاجيال القادمة . مثال على ذلك خواء التعليم العربي بجميع اشكاله الخاص والحكومي وبعده عن الواقع .التعليم الذي يعتمد على الحفظ لا التفسير والتحليل او تحمل المسؤولية .

وهناك من يكتب لايصال رسالة معينة للقارئ … وهنا تكمن الصعوبة . الكتابة ليست سهلة ولكنها ليست عسيرة ، خاصة إذا كان لدى الكاتب أو الكاتبة فكرة معينة تمس ذلك المجتمع ، من أجل خلق وعي متميز لدى غالبية المجتمع أو الفئة التى يراد لها أن تنهض وتتطور وخلق جيلا يحب القراءة والتعلم والتطور وناشرا للمعرفه وهذا هو المقياس الذي تقاس به درجة التطور المعرفي والثقافي للشعوب بشكل عام.

هناك من يقول هناك الكثير من المواضيع للكتابة عنها والتحديات الاجتماعية التى تواجهها مجتمعاتنا وبالاخص المجتمع العراقي بما فيه من المتناقضات التى لايمكن الوصول الى جذرها واصلاحها الا بالدراسة المكثفة والبحث الجدي الموضوعي والعلمي الرصين ، وإيجاد مساحة من الحرية الفكرية المسؤولة والحريصة على حرية الحركة والتنقل والتعرف على الثقافات الاخرى .

لكن ماذا نكتب اذا كانت الاسس لحرية الفكر والكتابة والتعبير غائبة وفاقدة لاهميتها واهمها حرية الفكر وحرية التعبير وبالاخص القضايا التى تمس أهم جزء في مجتمعاتنا وهي المرأة الحاضرة الغائبة وإذا وجدنا من يبحث ويكتب في هذه القضايا المجتمعية المصيرية ، غالبا ماتكون سطحية وغير علمية وموضوعية وهدفها الربح ، بل هي من اجل النشر والانتشار والتميز الذاتي .

إذا كتبنا عن حقوق و حرية المرأة أو عن المساواة في المواطنة وعن الظواهر الشاذة التى تنخر في عقول شبابنا وشاباتنا ، تخرج وفرة من الاصوات والكتابات الى تقول ” ماذا تريدون ” فسادا وانحلال“ ” وكيف تتساوى المرأة مع الرجل ؟ ” ماذا تريدون ان تصبح المرأة كالرجل ، وهذا مستحيل“ فالمرأة خلقت للبيت وزيادة النسل ” , وينال الكاتب او الكاتبة نهرا من الشتائم والاهانات لتلك الشخصية ذكرا أم انثى أو التعرض للتهديد وفي اشد الحالات الى القتل . واذا كتبنا عن المرأة ككائن انساني مستقل , قالوا ”ماذا تريدون أن تصبح المرأة كالمرأة الغربية التى اصبحت كالرجل ”, واذا طالبنا بتعديل القوانين التى تضع المرأة في الصف الثاني من المواطنة وخاصة في الوطن العربي وتعديل قوانين الشريعة ” قالوا أتريدون مجتمعا كافرا ملحدا“ وهكذا . كما قالوا وكتبوا ونشروا عن الدكتورة والكاتبة والناشطة رحمها الله السيدة نوال السعداوي خلال حياتها ونشاطاتها واثناء مماتها . أين إنسانية العقل العربي ؟ وأين خوفهم من الله الذي يسجدون له ليلا ونهارا ؟

العقلية التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية عن بقية شعوب ومجتمعات العالم ان دلت فهي تدل على أن الناس لا تقرأ وان قرأت فهي لاتفهم ولا تعي ماتقرا أو ان تفسر حسب المزاج والأهواء والعواطف ومن دون الرجوع الى البحث العلمي والموضوعي .

أن غياب الاسس الإنسانية للتكوين العقلي ، كالحريات العامة وحرية الفكر والتنوع في الافكار واختلافها و حرية التعبير والاختيار والحركة ، وهي من أهم المقومات التى تنشأ عليها الثقافة الإنسانية بغض النظر عن اي شئ وهي مقومات المجتمع الديمقراطي الإنساني الفعلي الذي يصبو الى التطور والتقدم الثقافي والعلمي والوطني والانتاجي .

أن علة المجتمعات العربية وبالأخص المجتمع العراقي هي مشتركة بين الفرد والنظام العام الذي تتحكم فيه أنظمة عفى عليها الزمن واغلبها انظمة تبعية عرفية تقليدية واعتباطية وشخصية وليس لها علاقة بالمصلحة الوطنية ولا يحاول الانفكاك عنها لئلا يفقد السيطرة الذكورية التى تتحكم في المجتمعات العربية بشكل عميق وسلبي وليس لمصلحة المواطن ولا الوطن .

لايمكن على الإطلاق أن يتطور العقل الإنساني اذا كان لايستطيع معرفة اسباب وجوده و لايملك حرية ذاته وافكاره واسلوب حياته واستقلال خياراته … سيبقى يدور في فلك الماضي البعيد ايا كان ذلك الماضي من قيود وتعاليم تعود لقرون ماضية لاتمت الى عصرنا الحديث الا وهي شرنقة الماضي أو مستنقع الماضي .

لازلنا نحن نساء الوطن العربي مع اختلاف مجتمعاته ندور في حلقة مفرغة . ان كثرة المنظمات النسائية للمرأة في داخل الوطن العربي أو خارجه سواء على ارض الواقع او على صفحات التواصل الاجتماعي لازالت تحبوا لكنها لاتنمو بشكل تصاعدي فكري وعقلي جاهدة في البحث عن الحقيقة ، فهي لازالت تعتمد على المنشورات التى تأتي من مصادر لاتعني بالتوعية والافكار التنويرية ، بل تحمل في طياتها رسائل سطحية تستخف بالعقل الإنساني ، لتصبح مملة ومكررة وضياع للوقت والطاقة وتدور في شرنقة الماضي . علما ان ذلك الماضي لانعرفه جيدا.

حديثا ضهرت بعض من البوادر المبشرة اذا استطعنا القول وهو وصول شابات عراقيات مستقلات الى البرلمان العراقي في الانتخابات الا خيرة التى جرت في العراق في 10 تشرين الاول 2021 ، لعل وعسى ان اتخاذ المرأة القرار السياسي قد يبشر الاجيال القادمة بأن هناك بوادر للتغيير حتى وأن كانت ضئيلة .

لذلك ارى ان الكتابة القليلة وذات النوعية الهادفة وتحمل رسالة فكرية عقلانية وإنسانية للإنسان وللأجيال القادمة خاصة تجاه قضايا المرأة الحاضر الغائب ، مع حرية الفكر والتعبير افضل من الكتابة الوفيرة وللذات النرجسية والتى لاتحمل في طياتها سوى املاء الصفحات وافراغ العقل الإنساني من اسباب وجوده ورسالته في الحياة. علينا ان نبدا كيف نفكر ولماذا نكتب من اجل الاجيال القادمة والا نبقى نلف وندور في شرنقة الماضي .

ياسمين جواد
لاهاي في 17/10/2021