حذاء المرأة



محمود الباتع
2006 / 8 / 28

خبرٌ صغير مفاده أن ممرضة سعودية عوقبت بخصم يوم من مرتبها، لأنها حضرت إلى دوامها في المستشفى الذي تعمل فيه مرتدية ... حذاءً رجالياً !
وكانت الممرضة قد لوحقت من قبل رجال أمن المستشفى الذين ظنوا (وكان ظنهم إثماً)، أن المرأة هي رجلٌ متخفٍ في عباءة نسائية، ليتضح لاحقاً أنها انتعلت الحذاء العائد لإبنها على عجل –في ما يبدو- بينما كانت تتهبأ للحاق بعملها .... انتهى الخبر!

هذه امرأة عاملة، ملتزمة بتفاليد المجتمع الصارمة، والتي تفرض عليها ارتداء العباءة، وبالتأكيد كانت تغطي وجهها، فاستحال تمييز ملامحها، ولم تجد غضاضة في انتعال حذاء إبنها والخروج به إلى العمل (وأغلب الظن أنه من نوع الأحذية الرياضية التي يلبسها الجنسان على السواء)، ومع ذلك لم تسلم من الملاحقة والعقاب، من رجال الأمن أولاً، ثم من الجهاز الإداري للمستشفى ...

ماذا يريد هؤلاء الذين لا يعجبهم العجب؟

انظر كيف أن رجال الأمن المتيقظين، لم يكادوا يلمحون عباءة أنثى حتى تتبعتها نظراتهم الفاحصة لكل بوصة منها، فلم يجدوا ما تقع عليه أبصارهم إلا حذاءها ..(!)

لقد أمر الله –أيها المسلمون- بغض البصر، فمالكم لا تغضون من أبصاركم؟ ومالكم لا تطيعون ربكم؟
ثم على ماذا تبصبصون؟ لقد التفت المرأة بخيمةً سوداء لا تكاد تتنفس من خلالها، صوناً لكرامتها من نظراتكم الآثمة، وحتى لا تترك لمرضى النفوس من أمثالكم مجالاً لمضايقتها أو إزعاجها، ناهيك عن انتهاك حرمة جسدها، ولو بالنظر.

هل أخطأت تلك الممرضة في امتثالها لأحكام عقدكم الإجتماعي الجائر في سبيل تحقيق ذاتها وإثبات وجودها في مجال عملها؟

ماذا تريدون بعد ذلك؟

ألستم، ومن وراءكم من يصدعنا ليل نهار بالبكائيات المطولة على أطلال الحشمة والأخلاق، والفضيلة الذبيحة على عتبات الإنحلال و العري والفضائيات والفيديو كليبات وما شابه ذلك. جمبل جداً، ولكن هاهي هنا، وأمثالها كثيرات قد انصاعت لكل هذا، وأسبغت عباءتها وخرجت، ومع ذلك لم تسلم من عقدكم وتسلطكم وتحكماتكم الذكورية القراقوشية في تفكيركم وسلوككم وفي كل أمركم. لم يشفع لها عملها الإنساني، ولا نضجها الإجتماعي، ولا حتى احتشامها المتزمت من أن تقع فريسة لنزعاتكم المريضة.

والله لو لبست طاقية الإخفاء لتتبعتم رائحتها بأنوفكم. كم أنتم مساكين ..!

لقد برر القرآن أمره النساء المسلمات بأن "يضربن بخمرهن على جيوبهن" بأنه "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" . أما هنا وقد ضربت المرأة بخمارها على جيبها وباعها وذراعها وكلها لغرض أن تعرف فلا تؤذى، لكنها للأسف و الأسى الشديدين، لم تعرف، وفوق ذلك أوذيت. فكيف تدعون قراءة القرآن والعمل به؟ ومن المسئول عن ذلك؟
لن أتهرب، فلا شك أن جميعناً مسئول ....

لقد كان للثقافة المتجذرة فينا باعتبار المرأة مجرد جسد، وأن جسدها كله عورة، أكبر الأدوار في إفراز هذه النماذج، ولا أستثني الإصدار النسائي منها. فلولا الإيمان بهذه الثقافة كعقيدة، لما اضطرت المرأة إلى إخفاء وجهها أو صوتها أو حتى إسمها، حتى تخفي هويتها وتتجنب ما (يجلب العار) لها ولإسرتها. واستغرب بشدة كيف يمكن لإنسان ما، رجلاً كان أو امرأة، أن يعتبر الوجه وهو عنوان الكرامة لدى الإنسان، عورة أو سوأة أو مصدراً للعار، ينبغي الخجل منه وستره. كيف يمكن لعاقل أن يطاوعه عقله على أن يساوي بين الوجه و المؤخرة ...؟ شيء كريه ومعيب !

ربما أراد هؤلاء من خلال هذه السيدة، معاقبة مجموع النساء العاملات على عملهن، ثم على نجاحهن وإثبات وجودهن، فهذا -كما أفهم عقليتهم- من المويقات، فلا مكان للمرأة في عرفهم إلا تحت أقدام الرجال، فما بالك بامرأة متخصصة (ممرضة) درست ونجحت ووجدت طريقها إلى العمل، تتقاضى راتباً يخصها، كما وتساهم إيجابياً في بناء المجتمع بشكل أنفع وأجدى مما يفعله أمثال هؤلاء. إن هذا لعمري من علامات الساعة عندهم. وأجزم أنهم لا يخشون شيئاً خشيتهم من قيام الساعة، فلعلهم بتصرفاتهم هذه يأملون تأخير قبامها لئلا يحاسبون فيها على دنس عقولهم، إن كان لهم عقول أصلاً.

قد أفهم أو أتفهم ما بثيره نجاح امرأة ما غيرة بعض الذكور، و حساسيتهم تجاه ذكائها أو ثروتها أو مكانة علمية حازتها، وعجزوا هم عن إحرازها. أما أن تنصب غيرتهم على حذائها، فهذا هو المضحك المبكي، وهذه هي المأساة ..... ودمتم