دور علماء الدين والشعراء في تحرير المرأة العراقية



سعد سوسه
2021 / 12 / 4

كان لمساندة بعض الشخصيات الرجالية من ذوي المكانة الاجتماعية أثرٌ هامٌ في قضية المرأة العراقية وعملية نهوضها, تلك المساندة التي لم تقتصر على شريحة من الرجال كالشعراء والأدباء, وإنما شاركهم فيها علماء دين كبار لهم مكانتهم بين طوائفهم, كان من أبرزهم المرجع الديني العلامة محمد حسين النائيني (ولد في نائين في إيران عام 1856, نشأ ودرس العلوم الدينية في النجف, وتعلم في مدارسها الدينية الفقه والأصول, واشتهر بآرائه الإصلاحية , توفي في النجف عام 1937 ) ( 1 ) , إذ عمل على إصدار رسالة باللغة الفارسية أشار فيها إلى أسباب تأخر المسلمين, ودعا إلى تغيير بعض القوانين وأساليب الحكم, ومن جملة ذلك انه كان يرى بأن الإسلام لا يتسامح في إهمال القادرين من المسلمين على تعليم المرأة وأن الإسلام كان يعني ما يقول حين أكد على إن :"العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" . إن تلك الدعوة من رجل دين كانت بمثابة الثورة على الواقع الاجتماعي الذي يفرض على المرأة تقوقعها في بيتها, واقتصار عملها على الخدمة المنزلية, لكن كان لذلك الموقف ثمنه, إذ شكك كثير من الناس في دعوة النائيني فهي بمثابة انقلاب على العرف السائد ( 2 ) , في حين يُعَدُ موقف الشيخ أحمد الداوود ( ولد في بغداد عام 1875من أسرة علمية معروفة اشتهرت بالعلوم الدينية, كان له إسهام في القضايا الوطنية , منها مشاركته في ثورة العشرين, حيث القي القبض عليه حينها ونفي إلى جزيرة هنجام, لكنه عاد إلى بغداد عام 1921, انتخب لعضوية المجلس التأسيسي في آذار عام 1924, وأصبح وزيراً للأوقاف في الوزارة السعدونية الثالثة 1928- 1929 , كذلك انتخب عضواً في مجلس النواب في العام 1933. يُعد من رجال الدين المتنورين ومن دعاة مساندة تعليم المرأة ) وإصراره على ضرورة تعليم المرأة, ذا أثر بالغ في النهضة النسوية في العراق , عندما قام بإدخال اثنتين من بناته (ابنتاه هما حسيبة وصبيحة , فالأولى أصبحت مديرة للثانوية المركزية والأخرى هي أول فتاة مسلمة تدخل إلى كلية الحقوق 7 . ) ( 3 ) في أول مدرسة للفتيات, وتحمل في سبيل ذلك الأذى والتجريح من قبل المجتمع, الذي لم يُثنهِ عن مشاركة ابنته (صبيحة) في مهرجان سوق عكاظ (مهرجان شعري أقامه المعهد العلمي في بغداد في الرابع والعشرين من شباط عام 1922, وكان الغرض منه تحفيز الأجيال إلى المعرفة والتعليم وحضي برعاية الملك فيصل الأول , فمن ضمن فعالياته أن يقوم احد الشباب بتمثيل دور قيس بن ساعدة بينما تقوم فتاة بتمثيل دور الخنساء ووقع الاختيار على صبيحة الشيخ داوود, إلا أن السيد عبد الرحمن النقيب عارض الفكرة, لاسيما أن الفتاة هي حفيدة الشيخ داوود الذي درس النقيب على يديه الحديث والأصول , بَيدَ أن الشيخ أحمد الداوود أصرعلى أن تشارك ابنته في المهرجان فكان له ما أراد ) ( 4 ) , على الرغم من معارضة السيد عبد الرحمن النقيب ( 5 ) .
كان لمواقف علماء الدين في مناصرة قضية المرأة وتعليمها دورٌ كبيراٌ في تغيير نظرة المجتمع السلبية تجاهها, فالتراكم الفكري المغلوط جعل معظم الناس يعتقد بان ذهاب الفتيات إلى المدارس أمر يحرمه الدين الإسلامي, وبالتالي فان مثل تلك المواقف قد خففت كثيراً من هذه النظرة البعيدة عن الإنصاف.
أما شعراء العراق فلا يستطيع احد من المهتمين بتاريخ النهضة النسوية في العراق إغفال مواقفهم الشجاعة في هذا المجال, ومن أبرزهم شاعرا العراق الكبيران معروف الرصافي (معروف عبد الغني الرصافي ولد في بغداد عام 1875 من أسرة كردية تنتسب إلى عشيرة الجبارة بكركوك , درس في احد الكتاتيب في محلة القرة غول لتعلم القراءة والكتابة ثم دخل بعدها المدرسة الرشدية العسكرية, غير أنه سرعان ما تركها ولازم جماعة من علماء بغداد في مقدمتهم محمود شكري الالوسي والعلامة السيد عباس القصاب والعلامة عبد الوهاب النائب والعلامة قاسم القيسي, فتعلم على أيديهم اللغة العربية وآدابها والفقه والتفسير وأصول الدين .عُين معلماً في المدرسة الإعدادية في بغداد عام 1902, بقي فيها حتى إعلان الدستور العثماني عام 1908, ثم سافر إلى اسطنبول , وانتخب عضوا ًفي مجلس المبعوثان عامي 1912و1914 .عُين مدرسا ً في دار المعلمين في القدس عام 1920 . وعاد إلى بغداد عام 1921 ثم سافر إلى إسطنبول عام 1922 وعاد بعدها إلى بغداد عام 1923 . عُين مفتشا ً في مديرية المعارف ببغداد عام 1924, ثم أستاذا ً للغة العربية في دار المعلمين العالية عام 1927. توفي في بغداد في السادس عشر من آذار عام 1945,ودفن في مقبرة الأمام الأعظم ) ( 6 ) ,وجميل صدقي الزهاوي, فالأخير يعد في مقدمة المدافعين عن تعليم المرأة, وكان دوره كبيراً في فتح أول مدرسة للإناث في العهد العثماني عام 1899 وهي مدرسة إناث رشدي مكتبي, كما أنه أول من طرح فكرة تحرير المرأة العراقية في مقالته التي نُشرت في جريدة المؤيد المصرية في عددها ذي الرقم (6138) الصادر عام 1910بعنوان (المرأة والدفاع عنها) (تضمنت تلك المقالة أول دعوة لتحرير المرأة العراقية ومساواتها بالرجل من خلال الإشارة إلى حقوق المرأة المسلوبة إذ قال " ما بال الرجل الذي هو ناقص من دون المرأة يدأب في أهانتها ويهتظم حقوقها بل ما بال الرجل الذي لا يتم إلا بالمرأة يهين ما به تماماً" ) ( 7 ) . كما أن أغلب قصائده عبرت عن آرائه الفكرية الداعية إلى تحرير المرأة وتخليصها من القيود الاجتماعية .
أظهرت دعوة الزهاوي لتحرير المرأة نتائجها, بتوسيع التعليم النسوي لاستقطاب أكبر عدد ممكن من النساء اللاتي أظهرن رغبة في التعليم, كما أثمرت دعوته بتأسيس أول نادٍ نسوي في العراق, وهو(نادي النهضة النسوية) تأسس في بغداد وبدأ أعماله في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1923برئاسة السيدة أسماء الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي وأبنة مفتي العراق محمد فيضي الزهاوي , انضمت له زوجة جعفر العسكري وزوجة نوري السعيد وأصبحت الأخيرة نائبة لرئيسة النادي . أعلن عن أهدافه في ثلاثة محاورالأول فتح دورة لتعليم الأميات , والثاني هو القيام بخياطة الملابس للفقيرات ,والمحور الأخيرتضمن القيام بتربية عدد من اليتيمات وتعليمهن بتشجيع من بعض الشخصيات(منهم الأديب جميل بيهم , الأستاذ بدر دمشقية وزوجته الأديبة جوليا دمشقية صاحبة مجلة المرأة الجديدة) المؤيدة لفكرة تحرير المرأة في مصر وسوريا ولبنان في مقدمتهم الأميرة (نور آل حمادة) ولدت عام 1896في معقلين عاصمة الشوف من جبل لبنان, وهي من نسل أمرائه , تُعد أولى اللواتي أسسن جمعية نسوية في سوريا ولبنان, كان زوجها القائد العسكري الأمير سعيد حمادة , رئيسة المجمع النسائي العربي التي بعثت رسالة إلى الشاعر الزهاوي تضمنت الثناء على مناصرته للمرأة العراقية من أجل نيل حقوقها الشرعية والشكر بإسم المجمع النسائي العربي لمساعيه في هذا الجانب, كما طلبت منه تأسيس فرع للمجمع في بغداد أو جمعية نسائية مستقلة تكون عضوا ً في المجمع العربي . وبعد تبادل الرسائل بين الزهاوي وشقيقته أسماء والسيدة نور آل حمادة تم تأسيس النادي الذي يعد أول نادٍ نسوي في العراق ( 9 ) .
كان للشاعر جميل صدقي الزهاوي دورٌ كبيرٌ في مسيرة النهضة النسوية في العراق, لكن هذا الدور لم يكتب له النجاح لولا المساندة والتأييد الذي أبداه الشاعر معروف عبد الغني الرصافي لقضية المرأة في أواخر العهد العثماني ثم اخذ يجاهر بقضية تحريرها بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921,من خلال قصائده التي كانت تثير غضب كثير من أصحاب الرأي الآخر , كما تجلت تلك المساندة عندما شنت حملة معارضة ضد فكرة الزهاوي في تأسيس نادي النهضة النسوية عام 1923من قبل رجال الدين, عندها دعا الزهاوي الشاعر معروف الرصافي إلى كتابة الشعر لنصرته في فكرة تأسيس نادي النهضة النسوية, وفعلاً كان الرصافي خير سند لزميله الزهاوي في مناصرة تحرير المرأة العراقية من خلال قصائده التي نشرت على صفحات الجرائد أو التي ألقاها في مناسبات مختلفة .
إن مناصرة هذه النخبة للمرأة العراقية قد ساهم في تقدم نهضتها وبروزها كقوة في المجتمع العراقي, فأخذت تطالب بحقوقها في التعليم وتأسيس جمعيات نسوية للاهتمام بشؤونها, كما أنها ازدادت إصراراً على تحقيق مطالبها اثر دخول أفكار جديدة إلى العراق في العقد الثاني من القرن العشرين, تلك الأفكار التي غيرت كفة المعادلة لصالح قضية المرأة, لاسيما أن أصحابها قد جاهروا علانية في قضية تحرر المرأة وضرورة نزولها إلى ميادين العمل السياسي, والاقتصادي والاجتماعي, ومن ابرز دعاة تلك الأفكار هم أصحاب الفكر الماركسي.

المصادر
( ) باقر أمين الورد , أعلام العراق الحديث 1869- 1969,ج1, ط1, وزارة الثقافة, بغداد , 1978, ص281.
( ) المصدر نفسه , ص128-129.
( ) 3 . إنعام مهدي علي السلمان , من ذاكرة التاريخ /نساء عراقيات صبيحة الشيخ داود 1912-1975, أعمال المؤتمر المركزي السنوي الثاني لبيت الحكمة ( بناء المرأة بناء العراق ), بيت الحكمة , بغداد ,2011, ص239-246.
( ) 4 . صبيحة الشيخ داوود , المصدر السابق , ص111-116 .
( ) 5 . عماد عبد السلام رؤوف , موسوعة أعلام العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين , ج1 , ط1 , بيت الحكمة , بغداد , 2000, ص303- 304 .
( ). 6 . حميد المطبعي , موسوعة أعلام العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين , ج3 , ص563-564.
( ) 7 . خضر العباسي , مصدر سابق , ص26- 27 .
( ) . 8 . صبيحة الشيخ داوود , مصدر سابق ,ص85- 92.
( ) 9 . الدكتور إبراهيم خليل أحمد , الجمعيات والنوادي الثقافية والاجتماعية , حضارة العراق , ج13, ص 153 .