هل أنتِ ضحية للتلاعب العقلي Gaslighting؟



حنان محمد السعيد
2021 / 12 / 4

منذ أن تتفتح عيناك على الدنيا في هذه البقعة من العالم وستبدأ معك عملية التلاعب العقلي، سيقولون لكِ أنه على الفتاة أن تقوم بخدمة أسرتها وأن تضحي من أجلهم بينما لن يقوم أحد بالتضحية من أجلك أو تقديم خدمات مجانية لكِ في أي وقت من أوقات حياتك إذا ما اضطرتك الظروف لذلك.

التلاعب العقلي أو ضوء الغاز Gaslighting

ظهر هذا المصطلح عام 1944 في رواية قام فيه الزوج بعزل زوجته والتلاعب بعقلها من خلال فعل أشياء ثم إنكارها من أجل إصابتها بالمرض العقلي وجعلها تشكك في قدراتها المعرفية وإدراكها والاعتقاد بأنها مصابة بالجنون من أجل ابتزازها والاستيلاء على مالها.

إن هذا يحدث بصور عديدة للنساء وخاصة في المجتمعات الشرقية، وعلى سبيل المثال يقتر الزوج على زوجته وأطفاله ويحرمهم من الأساسيات ويسيء معاملتهم فإذا ما قررت المرأة العمل لحماية نفسها وأبنائها من الضغط المادي الذي يمارسه الزوج عليها، ترك عليها المسؤولية بالكامل في المنزل والمصاريف ورعاية الأبناء فإذا ما طالبته بالقيام بمسؤولياته قال لها ألم ترغبي في العمل! ..

إنه أحد نماذج التلاعب العقلي الأشهر في العالم العربي فالرجل يتخلى بشكل كامل عن كافة مسؤولياته ثم يتحجج بأن المرأة هي من ترغب في العمل.

نموذج آخر على التلاعب العقلي، زوج يمتنع عن الإنفاق على زوجته وابنتيه بحجة أن الزوجة لم ترغم إبنتيهما على ارتدا ء الحجاب وأن "الشيخ" قال له ما لم تطعنك ليس عليك أن تنفق عليهنّ.

هل تريدون المزيد من النماذج؟

أخ يطلب من أخته التي يعرف أنها ترعي إبنتيها منفردة أن تساعده ماديّا مرة بحجة حاجته لإجراء جراحة ومرة بحجة أنه وقع في مشكلة مالية .. هذا الأخ يعمل كمحامي وعندما طالبته أن يعمل محامي لها بالأجر من أجل أن تنال بعض حقوقها من زوجها الذي يرفض الإنفاق عليها وعلى إبنتيها يظل يماطلها سبعة سنوات كاملة ثم تكتشف أنه كان يخدعها في محاولة منه لابتزاز المزيد من أموالها دون أن يكون هناك قضية ولا يحزنون، فإذا طالبته بأموالها صرخ فيها وكال لها الأوصاف السيئة ووصمها بالجنون!

هذا نموذج فادح وفاضح للتلاعب العقلي لا يحميه إلا مجتمع مريض لا يحق حقًا ولا يبطل باطلًا.

والمثير للسخرية أن هذا الأخ يدعي التدين ويربي لحيته ويعمل على تحفيظ أبناءه القرآن، ويبالغ في إظهار آثار التدين على الرغم من تلاعبه وكذبه وحقارته المتناهية!

نموذج آخر على ذلك، الشخص الذي لا وجود له في حياتك بالمرة ولا ترينه إلا في المناسبات، ولا يقدم لكِ أي شيء على الإطلاق ثم يتحدث إليك وكأنه يعولك أو أن حياتك تعتمد عليه في حين أن وجوده أسوأ من غيابه!

كيف تعرفين أنك ضحية لتقنيات التلاعب العقلي؟

عندما يقوم أحد بممارسة هذا النوع من الإساءة النفسية عليكِ يمكنك أن تلاحظي التالي:

- أنه يصر على أنك قلتِ أو فعلتِ أشياء لم تقوليها ولم تفعليها

- هو يطلق عليكِ نعوتًا من نوع "مجنونة" أو "حساسة" عندما تواجهيه بالأدلة على تلاعبه وابتزازه لكِ

- هو يحاول أن يوهمك أن الأخرين أيضًا يتشككون في أفعالك ويرونك مهتزة وحالتك الذهنية غير مستقرة.

- يحرف الأحداث ويعيد ذكرها بصورة غير صحيحة بحيث يلقي عليكِ باللوم.

- يصر على أنه محقًا وأنتِ لا تفهمين أو لا تعرفين الحقائق "جاهلة".

أعراض التعرض للتلاعب العقلي "ضوء الغاز"

- التشكيك في ذاتك طوال الوقت والشعور بالارتباك وانخفاض الثقة بالنفس وبقدراتك الذاتية.

- الشعور بأنكِ على خطأ وتحتاجين للاعتذار طوال الوقت.

- الشعور بأنك غير قادرة على فعل شئ بالطريقة الصحيحة.

- الشعور بالعصبية

- الشعور بالقلق

- الشعور بأنك تفقدين نفسك.

- لوم الذات دائمًا عند وقوع أي خطأ

- الشعور بأن هناك شئ خاطيء وغير صحيح طوال الوقت.

- الشعور بفقدان الأمل.

- الشعور باليأس والإحباط.

إن كل الأعراض السابقة عادة ما تكون نابعة من ممارسات الشخص الذي يمارس عليكِ التلاعب العقلي والذي قد يسبب لكِ تلك المشاعر من بعض الملاحظات وعلى سبيل المثال سيقول لكِ:

- تبدين مرتبكة للغاية.

- أنتِ تنسين باستمرار

- أنا لن أقول لكِ تلك الملاحظات القاسية وأعاملك تلك المعاملة إلا لأنني أهتم بكِ.

إن هذه الممارسات يمكنها أن تجعلك تتصرفين بشكل غير صحيح أو غير متناسب مع مصلحتك وعلى سبيل المثال:

- ستتخذين خيارات سيئة من أجل مصلحة الغير بعكس مصالحك الشخصية.

- ستتسائلين دائمًا عمّا إذا كنتِ قد قلتِ الشئ الصحيح أو فعلتِ الشئ المناسب!

- ستعتذرين حيث لا داعي للاعتذار.

- ستضطرين للانعزال أو الكذب لتجنب اللوم.

- لن تستمتعي بوقتك وبالأمور التي كنتِ تحبين القيام بها.

لماذا يمارس البعض التلاعب العقلي "ضوء الغاز"؟

عادة ما يفعلون ذلك من أجل حماية أنفسهم فإذا ما أقنعوكِ بأنك على خطأ وهم على صواب يمكنهم ممارسة الضغوط عليكِ وابتزازك، ويحتفظون بقوتهم وبقدرتهم على التحكم والسيطرة.

إن هذه الممارسات لا تتم فقط على المستوى الفردي ولكن يمارسها السياسيون ورجال الدين وأصحاب العمل وغيرهم من الناس.

وعلى سبيل المثال يمكنك الحصول على ترقية في العمل فيشعر الأخرون بالغيرة والحسد لدرجة أن يخفون بعض الملفات فإذا سألت المسؤول عن الملفات سيقول لك بكل وقاحة أنه سلمها لك وأنك تتعرضين لضغوط بسبب المنصب الجديد وأنك غير مؤهلة له وعليك أن تتركيه أو تطلبين المساعدة الطبية لأنك متوترة وتنسين!

قد تتعرض لذلك أيضًا عند الطبيب المعالج الذي يرفض روايتك عمّا تشعرين به من ألم ويعزيه إلى أي شئ أخر كأن تشعرين بمغص فيعزيه إلى الدورة الشهرية أو الحمل فإذا ما أكدتِ له أن ذلك غير صحيح ظل يتلاعب بكِ ويقنعك أنها أعراض يسببها الدواء أو أنك تعانين من الاكتئاب وهذا العرض هو نفسي أو غيرها من الألاعيب حتى أنك ستصدقينه وتكذبين وجعك!

لماذا تقعين ضحية لهذا النوع من التلاعب؟

لأنك تثقين ببعض الأشخاص في حياتك وتودين أن تنالي موافقتهم ومحبتهم، فمن الطبيعي أنكِ تودين الثقة بوالديك أو إخوتك أو شريك حياتك أو طبيبك.

كيف تتصرفين مع هؤلاء؟

- إشركي من هم قريبين منكِ في الحكم على الأمور.

- لا تثقي في أي شخص اكثر من ثقتك بنفسك.

- لا تنعزلي وترضخين للضغوط.

- سجلي الأحداث فور حدوثها.

- ضعي حدودًا واضحة مع الأخرين.

- لا ترضخي لمحاولاتهم وقولي بكل ثقة "يبدو أننا نتذكر الأمور بشكلٍ مختلف" أو "تحدث معي بشكل لائق ولا تصفني بالجنون أو الحساسية أو غيرها" "إذا ما رفعت صوتك لن أبقى في المكان" وكوني حاسمة.

إن الاستسلام للابتزاز والضغوط النفسية يتركك مستهلكة مستنفذة وفارغة، ومع الوقت ستفقدين شخصيتك وتتخلين عن ذاتك، فتماسكي واستعيدي ثقتك بنفسك واهتمي بها ولا تعتقدي أن الدنيا تتوقف عند شخص ما أو أن لا حياة لكِ بدونه.