خواطر من أخبار المرأة العربية في التاريخ



عقيل عيدان
2006 / 8 / 29


لقد أعطى الدين الإسلامي حافزاً للعلم وهيأ المجتمع الإسلامي فرصاً كثيرة للدراسة. ولم يكن العلم مقصوراً على الرجال، بل هناك حديث نبوي يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وقد اشتهر عدد كبير من النساء بالعلم وخاصة بالعلوم الدينية، ففي علم الحديث كانت روايات النساء وتنال تقديراً عظيماً وكان النساء يعتبرن حلقات في سلسة الأسانيد التي تنقل الأحاديث عن الرسول(ص). ومن اللواتي تروى عنهن الأحاديث عائشة زوجة الرسول التي كان علمها وذكاؤها موضع تقدير عظيم، وكثيراً ما سعي إليها العلماء من الرجال واستشاروها في أمور الدين والفقه.
وكان النساء يحاضرون في المدارس التابعة للمساجد حيث يستمع إليهن مشهورو الرجال ويحصلون منهن على شهادات تجيز لهم تعليم ما أخذوه منهن من علوم.
ومن أشهر النساء شهدة الملقبة بالكاتبة وفخر النساء وذلك لشهرتها في العلم ولخطّها الجميل وقد عاشت في بغداد في القرن الثاني عشر الميلادي، وكانت تعتبر في مقدمة علماء عصرها. وكان أساتذتها كبار علماء ذلك العصر، كما أنه سمع عليها خلق كثير.
ومن معاصري شهدة هناك زينب النيسابورية التي تلقت إجازات بالتعلم من عدد من مشهوري الرجال. ومن تلامذتها ابن خلكان مؤرخ حياتها، ومؤلف كتاب للتراجم في الأدب العربي هو وفيات الأعيان الذي يعتبر من أهم ما ألف من نوعه في الأدب العالمي.
وقد حضر الرحالة الشهير ابن بطوطة الدروس على اثنتين من النساء في دمشق في أثناء مروره بسورية سنة1326م وتلقى منهما إجازات التعليم، وكانت إحداهما تعرف بلقب ((رحلة الدنيا)) ولعل سبب ذلك غزارة علمها واتساع شهرتها.
وفي الحياة الروحية ارتفعت النساء إلى أعلى المراتب، والتاريخ الإسلامي مليء بأسماء الوليّات من النساء، ونالت المرأة مرتبة التساوي مع الرجل "كأخلاّء لله" ، وكثيراً ما حضر الأولياء من الرجال مجالس الوليّات من النساء واعتبروهن هاديات لهم في حياتهم الدينية. ولعل من أشهر الوليّات من النساء رابعة العدوية التي عاشت في البصرة في القرن الثامن للميلاد، وكانت حياتها حياة زهد تام في هذه الدنيا وانصراف كلّي إلى الله تعالى. إلاّ أنها لم تكن حياة تهرّب من العالم . إذ كان لها كثير من الأتباع والمريدين الذين اجتمعوا حولها سعياً وراء الهداية وليسمعوا منها المواعظ. وقد كرّست جزءاً مهماً من حياتها لتعليم الآخرين ما تعلمته هي عن الطريق المؤدي إلى المعرفة الإلهية وإلى الفناء في الله. وتعتبر رابعة من أعظم المتصوفين المسلمين، المتصوفون ويعتبرون أقوالها من أعظم المراجع في الحياة الروحية.
وكان الرجال والنساء من المتصوفين يرتبطون معاً في زمالة روحية؛ فالصوفي يعتبر زوجته رفيقة في الله، ويعتبر محبته لها من محبته لله. ويدفع المحبوب في شعر المتصوفة وقصصهم إلى مصاف مثالي، ويعتبر رمزاً للحكمة الإلهية وبه "يوحي" الله إلى الحبيب كل ما هو نبيل وكل ما هو خير وبما أن الإسلام دين يدعو إلى الأفعال الحميدة، فالمسلمون يؤدون الواجبات التي يفرضها عليهم إيمانهم بمقدار ما يقدمون من عون للآخرين.
وقد بذل الأتقياء من النساء الكثير من مالهن الخاص لأعمال الخير، ومن الأمثلة البالغة على هذا السخاء زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد التي نفذت مشروعاً كبيراً لإيصال المياه إلى مكة، وبنت الآبار والخزانات على طول طريق الحج من العراق إلى الحجاز وهو طريق طوله 900ميل. ونالت زبيدة بأفعالها الطيبة للحجاج المسلمين وللمقيمين في مدينة الإسلام المقدسة شهرة ومكانة غالية بين المسلمين، ونالت بسبب ذلك شكر الحجاج الكثيرين الذين يدعون الله أن يبارك زبيدة كلما شربوا الماء الذي أوصلته إلى مكة.
ولا يكاد التاريخ الإسلامي يعرف حكاماً من النساء غير أنه كثيراً ما كان النساء يشكلن قوة كبيرة وراء العرش، والتاريخ مليء بأخبار النساء الحازمات الذكيات اللواتي أثرن في حياة رجالهن وفي أعمالهن، فكان لهن بذلك تأثير كبير في الشؤون العامة.
وكان وضع المرأة العربية على العموم يعكس أحوال مجتمعها فعندما كان المجتمع العربي منتجاً ومبدعاً، ساهمت النساء في أوجه نشاطه وشاركت في قوته وفي رفاهيته. وعندما انحسرت حيويته ودبَّ الانحلال في أوصاله تأذت المرأة وعانت بجانب مجتمعها.
وبنشوء الحياة الجديدة في العالم العربي استعادت المرأة وعيها لتراثها وأخذت تدرك حاجاتها ومتطلبات العالم الحديث الذي تعيش فيه. وهي اليوم تسهم في بناء مجتمع عربي عصري.