المرأة الأردنية كصانعة سياسات



صالح أبو طويلة
2021 / 12 / 20

هل يمكن استثمار مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية فيما يتعلق بقطاع المرأة في الأردن، وقد لاحظنا في المسودات المقترحة سواء في التعديلات الدستورية التي أكدت على ضرورة تمكين المرأة وتعزيز أدوارها المختلفة، أو من خلال قانوني الأحزاب والانتخاب، وستوفر التعديلات الدستورية فرصة جيدة من حيث توفير الأطار الدستوري الضامن لتحقيق مزيد من المساواة بما يخفف من الفجوة الجندرية، وبالتالي تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي تمثل المساواة إحدى المؤشرات الهامة لتحققها ونجاحها.
إن ارتفاع نسب تمثيل النساء في البرلمان من صدور نظام الكوتا، أو من خلال إدماجها في المناصب الوزارية يؤشر الى دخول المرأة إلى مرحلة جيدة ومقبولة من التمكين السياسي، ورغم أهمية هذا الأمر؛ إلا أنه ومن جهة أخرى لم نلحظ تأثيرا كبيرا للبرلمانيات عبر عقدين من الزمن في واقع النساء وتحسين نوعية حياتهن، وبذلك تغدو النساء بعيدات عن مواقع التأثير في المجتمع، فالنخب النسائية البرلمانية تدخل وتخرج دون إحداث التغيير المطلوب، وربما يستمر الوضع في حال رفع نسب التمثيل، ذلك أن ثمة فجوة واضحة بين مطالب واحتياجات فئات النساء وخصوصا الفئات الفقيرة والضعيفة، وبين الخطاب النخبوي الذي تقدمه فئة البرلمانيات تحديدا باستثناء نماذج قليلة ونادرة، فهناك فرق شاسع بين التمكين والتأثير، إلى جانب ذلك لم يضف وجود نساء في مواقع وزارية خلال تلك الفترة مثل (الطاقة، التخطيط، الثقافة، التنمية) أي أضافة نوعية في مجمل قضايا النساء، ذلك أن ظروف التوزير كانت تتم في سياق ايديولوجي يخدم طبيعة المرحلة مثل (برنامج التحول الاقتصادي) الذي لم يراع قضايا النساء المهمشات، فاستوى الوجود من عدمه، او في سياق ارضاء الجهات الدولية المانحة.
في السلم الأدنى كانت الأحزاب السياسية ومعها النقابات والاتحادات والمؤسسات العامة فيها ذات المشكل، من حيث انخفاض مستوى تمثيل النساء من جهة وعدم الالتفات الى قضاياهن، وهنا يتولد إشكال هو كيف يمكن للنساء في مواقع صنع القرار أن يكن ذوات تأثير في واقع النساء العملي، وما هو الخطاب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يجب تبنيه للوصول الى تمكين حقيقي يدعم واقع النساء ويحسن من ظروفهن المعيشية.
في القاعدة الشعبية تحتل الفئات المهمشة والفقيرة والضعيفة المساحة الاكبر، لكن تلك الفئات تعاني من عدم القدرة على الوصول الى الموارد والخدمات والنفاذ اليها، مع انخفاض مستوى الخبرة والمعرفة في مجالات الحياة، ورغم حلول المرأة الأردنية كما قلنا في مواقع صنع القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإنه لا زالت أوضاع النساء بمنأى عن التحسن، ولا بد من التنويه إلى أن قطاعي الصحة والتعليم يشهد حضورا كبيرا للمرأة بما يسد الفجوة الجندرية من جهة، لكنه يعكس حقيقة الأزمة المتمثلة بعدم القدرة على التمثيل والتأثير والمشاركة في الادارة العامة واتخاذ القرار وتشكيل حراك نسوي يعكس ذلك الحضور، إذ لا زالت آثار النظام الأبوي حاضرة وبقوة، بإمكاننا الاستدلال من خلال مؤشرات تمثيل المرأة في نقابة المعلمين على سبيل المثال لا الحصر، او ضعف ذلك التمثيل في القطاع الصحي.
يمكن تقديم مقاربة أكثر جدوى في تحديد أساسيات التمكين والتأثير تبدأ من الأسفل ومن خلال الممارسة الديمقراطية المباشرة، هذه الممارسة يتم التأسيس لها من خلال أنماط عدة: اللجان الشعبية، لجان الأحياء، الجمعيات الخيرية أو التنموية أو الرعائية أو التعاونية، مراكز الأمهات الرعائية، قروبات وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية (انتشرت هذه الظاهرة في بعض المدن حيث تنظم النساء انفسهن من خلال قروبات الواتساب)، جميع ما سبق يدخل ضمن نطاق المشاركة المجتمعية التي تأتي على شكل جداول تصب نهاية في مؤسسات الحكم المحلي، وبذلك تنمو علاقات اتصال وتواصل وتضامن أفقية وعامودية ما بين التشكيلات النسائية الشعبية وبين فئات النساء في مؤسسات الحكم المحلي، ولعل الحاجة تبدو ملحة في ادراج مفهوم المشاركة المجتمعية في التشريعات المتعلقة بقانوني البلديات واللامركزية؛ رغم أن قانون امانة عمان وقانون البلديات يشير الى ما يسمى بلجان الاحياء لكن هذه اللجان لم تأخذ صفة الالزام.
إذن سيسهم هذا الحراك في تحديد الاولويات والاحتياجات والتماس المباشر مع الواقع الخدمي والبيئي والصحي والانساني، ومن ثم سيتشكل حراك ضاغط للتأثير في صناعة القرار، كما ستسهم هذه الشبكات في تنظيم جهود النساء وإبراز أنشطتهن الاقتصادية ودعمها، وبذلك يتم حل معضلة عدم القدرة للوصول الى الموارد والنفاذ اليها والاستفادة منها والسيطرة عليها.
على المستوى الحكومي ستقوم الحكومة بإنشاء مراكز لدعم أنشطة النساء تعمل على بناء قدراتهن التنظيمية، ورفع نسب التمثيل في مؤسسات الحكم المحلي، ودعم تأسيس الاتحادات الحرة ضمن ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني سواء جمعيات تعاونية أو خيرية أو رعائية، ويمكن تحديد هدف عام في تلك المرحلة يتخلص ب (توفير شروط التنظيم الجماعي الحر بأيسر السبل)، وذلك من خلال تعديل التشريعات بحيث تسمح بتأسيس المنظمات وفق أسهل الشروط مع توفير دعم سنوي لتلك المنظمات مشروط بتحقيق بعض الأهداف، الى جانب ذلك الزام المؤسسات التربوية والصحية بتشكيل مجالس سياسات محلية من النساء تسهم في التطوير التربوي والصحي، إذ أن النساء هن أكثر الفئات المشتبكة مع الواقع التعليمي والصحي والخدمي، أي بمعنى آخر تأسيس تشكيلات اجتماعية ضمن القطاعات التي تمس حياة النساء بالدرجة الاولى، مثل قطاعات الخدمات الرعائية والتعليمية والخدمية.
ملاحظة: استفادت هذه المقالة من بعض المقاربات النسوية العربية التي ترى بأن تمكين النساء في مؤسسات الحكم المحلي والتشكيلات المرتبطة بها لتكون المرأة صانعة سياسات محلية؛ هو افضل صيغة ذات جدوى عملية في تمكين المرأة، مع عدم اهمال التمكين الفوقي في السلطتين التشريعية والتنفيذية.