خاتمة كتاب مناضلات في وطن هش



مالك أبي صعب
2021 / 12 / 27

مالك أبي صعب، مناضلات في وطن هش، سيراكيوز يونيفرسيتي برس، نيويورك، 2010

التحول الصناعي في جبل لبنان خلال القرن 19 سبب تغييراً بسيطاً في ثقافة عمل النساء، والتجارب، والانقسام الجندري لليد العاملة. على العكس من أجزاء أخرى في السلطنة العثمانية، ازدهار مصانع الحرير في جبل لبنان لم يؤدِ بحد ذاته إلى إعادة تنظيم أنماط العمل أو العلاقات الجندرية. وعلى الرغم من انخراط الريفيات بشكل عام في العمل المأجور وتأديتهن عملا مزدوجاً في المزرعة والمنزل، بقين جزءاً من الرابطة العائلية الموسعة وعلقن في عالم اجتماعي منظم إلى حد بعيد وفق القيم البطريركية. عندما عملن بدوام كامل في مصانع الحرير، لم تكن نساء جبل لبنان مفصولات جغرافياً عن عائلاتهن أو مفصولات مفاهيمياً عن الرؤى المناطقية والماقبل-صناعية للانقسام الجندري لليد العاملة. الهرمية الجندرية داخل مكان العمل لم تنفصل بشكل كامل عن ذلك في القرى، حيث ما زالت سلطة الذكور قائمة. منذ دخول النساء إلى مصنع الحرير إلى موعد رجوعهن إلى البيت، كن خاضعات لرقابة عائلية ودينية تطال عملهن وحياتهن الشخصية. حاول أصحاب العمل الذكور، الذين يعتمدون إلى حد بعيد على عمل النساء، تبني السلطة الدينية من خلال فرض قواعد سلوكية أخلاقية من خلال فرض عزل جنسي صارم. اللافت أن النساء استطعن إنجاز التغيير في أدوارهن الجندرية خلال تلك الحقبة وكان ذلك تكيفاً مبكراً مع أساليب الانتاج الصناعية وأنماط العمل.


ازدهار صناعة التبغ وتراجع حرفة الحرير عند نهاية القرن 19 أدى إلى نشوء أنماط عمل جديدة وخبرات اجتماعية. تصدت العاملات للتغييرات الجديدة من خلال وعي ومقاومة كلامية ضد عملية المكننة. همّش المفتشون الحكوميون والنقابيون والاشتراكيون بشكل واسع المعنى الجندري لهذه المقاومة. على الرغم من ذلك، طورت النساء تدريجياً بشكل جماعي التنظيم الاجتماعي الذي كان متلائماً مع أجور عملهن. فواجهن التهديدات بخسارة عملهن، على سبيل المثال، من خلال توحيد جهودهن والتنسيق الوثيق مع النقابات العمالية وقادتها الذكور. كما انتقلن من شيطنة الآلة إلى المطالبة بحقوقهن الاقتصادية الأساسية والتعويضات.
النخبة النسائية في سوريا ولبنان قاومت إنشاء الاحتكار الفرنسي للتبغ، الريجي، ولو من منطلق طبقي وأيديولوجي مختلفَين. ضمن الأجندة النسوية لمقاومتهن، اقتصرت مسألة الجندر على خطاب مناهض للاستعمار والتقدم الوطني. النخبة النسائية كرهت العمل المأجور وتوافقت مع مخاوف العمال الذين يعتبرون أن العاملات يفوّتن على العمال فرص العمل. ورغبن بأن تنتشر بين رجال طبقتهن الرؤى الحديثة المتعلقة بمركزية النساء في البنى العائلية والمساواة الجنسية في المجال المنزلي، هادفات في الوقت عينه إلى احترام وتقدير عمل النساء المنزلي. كرسن أغلب نشاطهن للعمل الخيري والخدمة العامة.
في حين اتخذت العاملات موقعاً متمايزاً تماماً. أعادت هؤلاء العاملات التفاوض بخصوص الأدوار الجندرية في مركز العمل والمنزل، وبدأن باستمداد هويتهن من العمل الصناعي وخبرات الطبقة العاملة. على الرغم من أن النسويات دعين في كتاباتهن إلى دور أكثر فاعلية للنساء في الأماكن العامة والشؤون الوطنية، التي لم تؤثر على عالم العاملات الأميات بأغلبيتهن الساحقة. وبدلاً من ذلك، ساعدت موجة الانتفاضات القومية والمقاومة المستمرة ضد الاستعمار في بداية القرن 20 على ربط العاملات بتصريحات النسويات، فانغرس لوقت قصير شعور بالأخوة والتضامن بين النساء.
عشية الاستقلال الوطني عام 1943، ارتبطت النضالات العمالية بالنضال التحرري من الاحتلال الفرنسي، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قيام الدولة اللبنانية. ناضل/ت العاملات والعمال إلى جانب النخبة الوطنية، الذين ظنوا أن تطلعاتهم متوافقة معهم. لكن بعد الاستقلال، فَقَدَ الأساس المنطقي للوحدة والوئام الوطنيين الكثير من زخمه. وجاء التحدي البارز لفكرة الأمة اللبنانية المتجذرة في الطبقة والمنتشرة بين العمال في المصانع الكبرى. وأصبحت النضالات للعاملات ضد الدولة، التي بدورها، أصبحت فرصة لتحدي انعدام المساواة الجندرية والتصورات الماقبل-صناعية حيال النساء ودورهن الاقتصادي. طورت العاملات في الريجي منهجاً رشيداً لرفع شكاويهن ضد الإدارة وتلاعبن بالقنوات القانونية للوصول إلى أهدافهن. وعلى العكس من وجهة النظر القائلة أن الدولة تهيمن على كل جوانب الخطاب القانوني، فقد ظهر أن طبقات اجتماعية أخرى تشارك في هذا الخطاب وتكوّنه. كانت عملية صناعة القانون عملية متبادلة حددتها علاقات معارضة الدولة، بالإضافة إلى المشاركة في المسار المواطني الذي وحّد بين العمال والعاملات.
كانت حاسمة الراديكالية النسائية خلال إضراب عام 1946 في إجبار الحكومة اللبنانية على إصدار قانون العمل الجديد. تشكلت نضاليتهن بفعل مشاركتهن في النضال المستمر ضد الاستعمار بالإضافة إلى خبراتهن المهنية والاجتماعية للعاملات بعقود دائمة أو مؤقتة في الريجي. كزملائهن العمال، شاركت العاملات في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، الذي ساعد في نمو الهوية الجماعية. كذلك، في وقت تبنت العاملات لغة مواطنية وبدأن باستعمال لغة قانونية متصلة بمواطنيتهن، نما فهمٌ لديهن حول سبل تنظيم عملهن لجعله أكثر قوة وذي معنى.
حالة انعدام الاستقرار التي تعيش وتعمل تحت وطأتها هؤلاء النساء ساهمت على الأرجح في تنامي راديكاليتهن. على سبيل المثال، العديد من العاملات المؤقتات كن مرغمات على الاعتماد على دعم أسرهن، والعمل في الزراعة أو أي مصدر للمال من عمل مأجور من أجل إضافته إلى أجورهنّ المتواضعة من الريجي. من جهة، كانت العاملات المؤقتات، اللواتي لا يعرفن الاستقرار الاقتصادي ولا الرواتب العادلة أو أي تقديمات، لا شيء لديهن حتى يخسرنه خلال مواجهتهن للإدارة. من جهة أخرى، كان لدى العاملات الدائمات الكثير ليخسرنه ولكنهن أثبتن التزامهن بالاحتجاج ضد التمييز الجندري والاستغلال لناحية الأجور، والطبقة، والتقديمات. هذه العوامل مجتمعة لم تحقق رضوخ النساء إنما نمّت لديهن حس المواجهة المجتمعية.
في الوقت عينه، لم تؤثر العضوية في النقابات أو الأحزاب اليسارية بشكل مباشر على راديكالية النساء خلال الـ 1940ات. بشكل ما، تعرضت العاملات للتضييع والتخويف من قبل النقابات العمالية والأحزاب الاشتراكية، التي جعلتهن يعتقدن أن على المرء أن يكون متعلماً وسياسياً واضحاً، ومستقلاً حقاً لينضم إليها. من جانب آخر، عززت النقابات والأحزاب لدى العديد من النساء الاتكالية والضعف خاصة لأنها نادراً ما اعتبرت العضوية النسائية، دعك من القيادة، أساسية إلى أهدافها البعيدة. أكثر من ذلك، الهيمنة الهرمية الذكورية، ورؤيتها للعالم، وانعدام الثقة الجنسية المفروضة من عضوية هذه التنظيمات جعلت من الأخيرة أقل ترحيباً بالعضوية النسائية. على سبيل المثال، وجد العديد من الأيديولوجيين الشيوعيين الأمر متناقضاً وتقسيمياً طرح مواضيع جندرية، عدا عن التمييز بين ثقافة ذكور الطبقة العاملة ونسائها. وبذلك، لا الدور الرسالي للانتلجسنيا الذكورية ولا التنظير السياسي ساهم في تجذير العاملات الصناعيات في لبنان. إنما، خلقت هؤلاء العاملات عن غير قصد أشكال نضالية خاصة بهن، وواجهن بواسطة تعابيرهن بهدف قلب انعدام التوازن الجندري في الريجي.
حتى الـ1950ات، العمل في المزارع والمصانع كان مترابطاً ضمن مسار عمالي خاص جعل من الأمر صعباً قياس العلاقات الجندرية في المكانين على حدى. بالنسبة للكثيرين، كانت وظيفة الانتاج العائلي والعمل الزراعي تأمين سلامة العائلة ضد انهيار السوق الاقتصادي. كل مزارعة وكل والدة بدأت تجربة عملها تتكثف كما تراجعت مكانتهن حيث بات وضعهن الاجتماعي كنساء مرتبطاً في أغلب الأحوال باكتسابهن القوة ضمن اقتصاد السوق. ووسط تزايد توسع المساحة المُدُنية، والتصنيع، والتزايد السكاني، وانعدام الاستقرار السياسي، انتقلت القوة الاجتماعية-الاقتصادية من الريف إلى المدينة، عززتها فشل السياسات الزراعية الحكومية والإهمال العام لمناطق الأطراف. يفسر نزوح اللبنانيين من الريف إلى المدينة من أواسط الـ 1950ات و1970ات غلبة الجذور الريفية ضمن صفوف العمال والعاملات في الريجي. جاء النازحون بشكل أساسي من المناطق الزراعية المفقرة في عكار والبقاع والجنوب وأقاموا في وحول بيروت. السكان الشيعة من الجنوب، الذين عانوا من الإهمال الحكومي والغارات والاقتحامات الصهيونية لقراهم، حيث كانت تتمركز مقاومة فلسطينية-لبنانية ضد الاحتلال. خلال تلك الفترة، بدأ الشيعة بالحلول مكان الموارنة كأكبر مجموعة دينية في الريجي بسبب هذا الوضع.
متّنت الظروف التاريخية القوية العلاقات بين العمال في الريجي، وخاصة من أكبر مجموعتين، الشيعة والموارنة، الذين جاؤوا من البقاع وعكار والجنوب. يتشارك الطرفان إرث النزوح من الريف وبسبب تراجع وضعهم الاقتصادي والتهجير السياسي الذي سببته المواجهات المسلحة بين جيش الاحتلال الصهيوني والمقاومة اللبنانية-الفلسطينية، ولاحقاً بداية العام 1975 الحرب الأهلية اللبنانية. أعتقد أن التجارب والذكريات المشتركة بين أوسع فئة وأكثرها تمثيلاً للعمال تفسر اتساع الميل الراديكالي في فرع الحدث من المصنع بين أواسط الـ 1950ات والـ 1970ات. التعددية الطائفية والمناطقية والجندرية كانت دليلاً في مصنع الحدث على أن ذلك لم يمنع العمال من التصرف بتناغم وبفعالية من أجل تحصيل مصالحهم الطبقية. فرع الحدث الذي ضمّ مجموعات عائلية واسعة وروابط قروية التي على ما يبدو زادت من التضامن بين العمال خلال الإضرابات والنزاعات العمالية. وكذلك، من المحتمل أن الثقافة البيروتية الشعبية خلال ذلك الوقت، المنتشرة بين العمال والعاملات، أحيت وشجعت على خوض مقاومة واحتجاج مفتوح ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي. ساعدت الحياة الفنية والموسيقية في بيروت على وجه خاص على إيصال رسائل ضد سياسات الدولة الاقتصادية، والفروقات الطبقية، والجشع الرأسمالي. كذلك البرامج والأغاني التي كانت تبث على الراديو للمغنين اليساريين التي كانت سريعة الوصول إلى العمال ويبدو أنها كان لها دوراً أساسياً في التثقيف الاجتماعي للعمال.
ربما واجهت الريفيات اللواتي نزحن إلى بيروت سعياً للعمل في الصناعة ممانعة أقل من عائلاتهن مقارنة بنساء الطبقة الوسطى وما فوقها، لأن حاجتهن إلى المال كانت أكبر، كما كونهن يتمتعن بتقاليد أطول بكثير في العمل المأجور. وبذلك، إن الحجة القائلة إن المحافظة الإسلامية والسلطة الأبوية تخفّضان من مستوى مشاركة النساء العربيات في العمل المأجور تظهر لنا أنها غير كافية [الحجة]. وإذا تفحّصنا الإحصاءات الخاصة بالعديد من المصانع في بيروت بين عامي 1970 و1977، يتبين لنا بوضوح أن نسبة عالية جداً من النساء من الطبقة العاملة قد سعين إلى العمل بأجر، خاصة إثر اندلاع الحرب الأهلية وهجرة الكثير من العمال المهرة إلى الدول العربية وسواها.
ورغم ذلك، رفض أصحاب العمل اللبنانيين العديد من العاملات في المصانع المعروفة تقليدياً باعتمادها على القوى العاملة النسائية. وأبدى أصحاب العمل تفضيلهم الواضح لتشغيل العمال الأجانب. كان بعض العمال مهرة، لكن الكثير منهم خضعوا لتدريب خاص للعمل على الآلات والقيام ببعض المهام. بالإضافة إلى ذلك، أدت المكننة إلى إقصاء العاملات غير الماهرات لصالح العمال نتيجة التمييز الجندري وانخفاض قيمة قدراتهن. منع أصحاب العمل النساء من إمكانية تدربهن على المهام الجديد كما حصل مع العمال. عززت الروح الأبوية المتأصلة في قوانين الدولة تحيز أصحاب العمل ضد النساء ومنحتهم حرية كبيرة في التحكم بالتوظيف والعقود والإجراءات وفقاً لحاجاتهم. في الريجي، حصلت النساء على تقديمات وأجور أقل بكثير من زملائهن الرجال. عاشت النساء في ظل أسوأ شكل من الاستغلال الرأسمالي وأكثر تعقيداً من زملائهن الرجال. كما نشبت حرباً ضمنية على أساس جندري مع دخول العمالة النسائية غير المكلفة، الأمر الذي أدى إلى تقويض موقع العمال المهرة واستقرارهم الوظيفي. في الوقت عينه، حاولت الريجي استغلال العاملات القليلات الخبرة من خلال مدح توقعاتهن المتواضعة ورضاهن عن ذواتهن.
تطلب الأمر أكثر من 20 عاماً حتى تلقت عاملات التبغ الحد الأدنى من الأجور المحدد في قانون العمل الصادر عام 1946. فقد شهدت الـ 1940ات غلياناً عمالياً متزايداً في بلد يتقدم ببطء من ماضيه الاستعماري ويواجه مشاكل سياسية واقتصادية جدية. في المقابل، الانتساب إلى النقابات وتسيُّس العديد من العمال الذين كانوا مرتبطين بأحزاب ليبرالية أو قومية أو يسارية ترافق مع إضرابات الـ 1960ات. وكان الحزب الكتائب اليميني والحزب الشيوعي من بين الأحزاب الأكثر استقطابا في الريجي، إضافة إلى أحزاب قليلة التمثيل من بين عمال الريجي مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب الوطنيين الأحرار، والحزب التقدمي الاشتراكي. خلال إضراب عام 1965، بات العديد من العاملات أعضاء في نقابة المصنع، نقابة عمال وموظفي الريجي، ولكن لم تكن أي منهن منتسبة إلى أي حزب يساري. مع ذلك، أدركن الدور البارز الذي لعبه الحزب الشيوعي بدعمه للإضراب. خلال النضالات اليومية بهدف تحقيق الأهداف وتنظيم الجهود عام 1965، كن على اتصال مباشر مع زملائهم الشيوعيين ويبدو أنهن تأثرن بالتعبيرات الشعبية للأفكار الاشتراكية في وسائل الإعلام. تجدر الإشارة إلى أن العديد من البلدات اللبنانية كان يتواجد فيها أعضاء ومناصرون للحزب الشيوعي أكثر من المتفرغين في الحزب [لقاء أجر] خلال أواسط الـ 1960ات. أكثر من ذلك، كانت الثقافة السياسية المحلية في الجنوب وبيروت متقبلة للمبادئ البروليتارية المقاوِمة والمعارِضة للدولة.
خارج بوابات الريجي، شهد إضراب العام 1965 متابعة وطنية عندما رأت فيه القيادات السياسية صراعاً بين اليمين واليسار وسيؤدي في نهاية الأمر إلى تحديد العلاقات مع الطبقة العاملة، ويزيد امتعاض المجموعات السياسية، وحتى النواب اليساريين. فشنت وسائل الإعلام الرسمية حرباً ثانية ضد الشيوعيين والعاملات اللواتي قدن إضراب عام 1965، فاعتبرتهم/ن غير مؤدبين/ات وغير وطنيين/ات ويشكلون/ن تهديداً للرخاء الوطني. كان ممثلو الدولة وإدارة الريجي قلقين من نضالية العاملات وأعمالهن الكفاحية حتى بعد انتهاء الإضراب. فحاولوا تهميش هذه التحركات، مدعين أن زملاءهم الشيوعيين وضعوهن عن قصد في واجهة الإضراب. وبحسب أمثلة أخرى، أدانت الصحافة الرسمية الأدوار القيادية للعاملات خلال الإضراب ووصفتها بأنها اعتداءات فوضوية وغير مسؤولة. ولكن، في الواقع، تزايدت نضالية النساء بسبب السياسات الاستغلالية لأصحاب العمل في المصنع وعبر مؤسسات الدولة المصرة على خرق حقوقهن. وقد كن مدركات من محاولات الشريحة العليا من زملائهم العمال لتهميش مصالح العاملات وللسطو على راديكاليتهن بهدف تقوية مواقع العمال. وعي العاملات لحاجاتهن المختلفة كنساء وليس فقط كعاملات كان بديهياً في رفضهن الكامل لنصيحة نقابة عمال وموظفي الريجي وفي قرارهن المشاركة المباشرة في مسار التفاوض مع الريجي.
التجارب المتعددة للدين والطبقة والجندر لا تتعارض دائماً مع بعضها البعض في مكان العمل. ساعد التلاعب بعلاقات القرابة الفعلية والخيالية أو الروابط الدينية والمناطقية العمال على التكيف مع الحياة في المصنع، والوقوف ضد قمع الدولة، والتفاوض حول بعض المصالح الطبقية. من دون تخريب مصالحهن الخاصة بهن، تجاوزت النساء الانقسامات الطائفية والمهنية بهدف تحقيق المساواة الجندرية في الأجور والترقي والتقديمات. لم يكن الوعي الجندري بديلاً عن الوعي الطبقي، إنما أثراه وساهم بإعادة صياغته بعبارات جديدة. هذه العلاقة ظهرت في التزام النساء المشترك الرامي إلى تحقيق جميع المطالب الخاصة بهن وبالعمال المضربين على حد سواء. لم يبدين في أي وقت أي شك بالشيوعيين في الريجي أو استقلالهن عن الأهداف الطويلة المدى للحركة العمالية، على الرغم من واقع أن معظمهن تجنب العضوية الرسمية في المنظمات اليسارية. من حيث الجوهر، يظل فهم التكوين الطبقي غير كامل من دون بحث نوعي حول الجندر. من خلال النظر إلى النزاعات العمالية بواسطة عدسة الجندر، يتعلم المرء كذلك كيف لعب الجندر دوراً في وحدة وانقسام الحركات العمالية. في حين استندت عاملات التبغ في بعض الأوقات إلى النقابيين في تسوية المطالب مع الإدارة، إلا أنهن لم يجدن غرابة في الإضراب بسبب مطالب لا يشاركن فيها العمال.
استعملت العاملات في الريجي شبكات القرابة والترابط الديني والروابط القروية لمواجهة التحديات الاجتماعية الجديدة في مكان العمل، ومنازلهم المُدنية. استمرت قيم الماقبل-صناعية في التأثير على عالم النساء، وأخذت أبعاداً جديدة في المناطق الصناعية من بيروت. على الرغم من أن دافع الفلاحات اللواتي تدفقن على مصانع التبغ كان في الدرجة الأولى هو الضرورة القصوى، إلا أنهن بذلك بتْن يتمتعن بالاستقلالية الشخصية والشعور بالمغامرة. بدأن بتأجيل الزواج كنتيجة لتحول عالمهن الاجتماعي واتساع طموحاتهن الشخصية. صحيح أن الكثيرات، إن لم يكن معظمهن، لم يتمكن من التغلب تماماً على الحرمان الاجتماعي والاقتصادي أو تحقيق تحررهن الشخصي أو الاجتماعي بالكامل. إلا أنهن وخلال صراعهن للتخلص من موقعهن الهامشي، أضافت العاملات الصناعيات فصولاً جديدة في تاريخ النساء بالشرق الأوسط. قدمت نضاليتهن للحركة العمالية ولتاريخ لبنان ما بعد الاستعمار معان جديدة من خلال الإضاءة على تمكين النساء ونضالات الطبقة العاملة كعناصر حيوية ومترابطة لتحقيق التغيير الاجتماعي وقلب صورة النساء التي تظهرها على أنها ساكنة. كان الإضراب محورياً في إعادة صياغة الهوية الجندرية للنساء إضافة إلى تطلعاتهن السياسية ناهيك عن تجذير إيمانهن بأن تضحياتهن قد صنعت التاريخ. باتت إضرابات النساء علامات واضحة على إصرارهن العلني، وقوتهن، وقدرتهن على السيطرة على مساحات سياسية مهيمَن عليها، مساحات سياسية ذكورية، حتى ولو لوقت قصير. كان واضحاً أن النساء كن أول من انتفض، وإدراكاً لهذا الواقع، يمكننا بشكل أكثر وضوحاً وواقعية رؤية وفهم قوة الصور والنضالات المُمَكِّنة لهؤلاء العاملات الصناعيات التاريخيات.


(AP Photo/Bilal Hussein)

لقطة من كتاب مالك أبي صعب صفحة 21

كلمات أغنية لو كنت حصان للفنان عمر الزعني

لو كنت حصان متل سلطان… ولاَّ غزوان كان فضلي بان
لو كنت حصان متل سلطان… ولاَّ سرحال كان نسلي وصار
لو كنت حصان لو..لو.
لو كنت حصان في هالأيام… كان لي خدّام ورا و قدام
مثل الحكام أحسن بزمان… لو كنت حصان لو..لو
لو كنت حصان شو عبالي… أبو زيد خالي راسي عالي
من الهم خالي عايش سلطان …لو كنت حصان لو..لو.
لو كنت حصان كان من بختي… اهتمو بصحتي فرشو تختي
فوقي وتحتي ورد وريحان… لو كنت حصان لو..لو.
لو كنت حصان في بيت فرعون… كان لي بانسيون عشرين كرسون
ما كان بالكون مثلي إنسان… لو كنت حصان لو..لو
لو كنت حصان الشرقاوي… والسقلاوي والدنكلاوي
كنت بساوي ألف إم حصان… لو كنت حصان ها..ها.
لو كنت حصان وحصان عيان… أهل الإحسان والأميركان
جابولي كان دكتور دوبران… لو كنت حصان لو..لو.
من سوء حظي مخلوق إنسان… في جبل لبنان ذليل مهان
جوعان هفيان حافي عريان… يا ريتني حصان
هه..ها..ها.