|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
بيتر دروكر
!--a>
2022 / 1 / 9
وصلتُ إلى الولايات المتحدة استعدادا لندوة نويت أن أتحدث فيها عن كيف ولماذا يحتاج متحررو/ات الجنس إلى مناهضة الاسلاموفوبيا: الخوف والكراهية من الاسلام والمسلمين. ولكن [في 13 تشرين الثاني/نوفمبر] اليوم التالي لهبوط طائرتي، ضربت باريس موجة من الهجمات الإرهابية. لذلك لا يمكنني أن أقدم نفس الكلمة التي كنت قد قمت بإعدادها.
من المستحيل أن أتحدث عن الاسلاموفوبيا اليوم من دون الحديث عن أحداث كهذه، أحداث تؤجج نيران الاسلاموفوبيا. أشعر أنه من مهامي اليوم أن أقدم معنى لما يبدو لا معنى له.
أن أقدم معنى لهذه الفظائع يتطلب فهم أنه على الرغم من أن المئات من القتلى والجرحى في باريس هم أبرياء- وأهداف غير لائقة وغير مشروعة- ليس صحيحا أن بلدهم لا علاقة له مع الموت والمعاناة اللذين يعمان العالم الإسلامي. ما بعد البحر المتوسط وخاصة في سوريا، قتل عشرات الآلاف وهجر ملايين الأشخاص خلال السنوات الخمس الماضية. والحكومة الفرنسية متواطئة في ذلك.
من جهة، القوات الجوية الفرنسية، إلى جانب القوات الجوية الأميركية، قصفت أهدافا في سوريا قاتلة العديد من الناس، من بينهم مدنيين أبرياء. فرنسا حكمت سوريا خلال عدة عقود في القرن العشرين، بعد أن شاركت في تفتيت الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وخاضت حربا استعمارية ضد الشعب الجزائري في الـ 1950ات والـ 1960ات.
التمييز اليومي الذي يتعرض له المهاجرون المسلمون في فرنسا يُبقي الذاكرة التاريخية على قيد الحياة من هذه الخصومة بين فرنسا والعالم الإسلامي- عداء تمتد جذوره إلى أبعد من ذلك، إلى الملحمة الوطنية الفرنسية كنشيد رولان الذي يصور المعركة بين الفرسان الفرنجة والمسلمين والحروب الصليبية، حين سيطر الفرنسان الفرنجة على جزء كبير من فلسطين وسوريا.
وإذا أردنا أن نعطي معنى للعمليات الإرهابية الحمقاء، يجب أخذ بعين الاعتبار هذه الروابط: العنصرية اليومية، تاريخ الاستعمار، والجغرافيا السياسية والاقتصاد.
“حياة السود مهمة”
في نفس الوقت، وأنا لا أريد أن أغفل الروابط الأكثر إيجابية والحاملة للأمل التي حضرتها للحديث عنها في الولايات المتحدة. قبل كل شي، أريد أن أركز على الروابط التي خلقتها حركة “حياة السود مهمة”، خاصة تلك التي انتشرت في الجامعات خلال الأسابيع الأخيرة.
تصر النساء السود متحررات الجنس اللواتي أطلقن حركة “حياة السود مهمة” في شهر تموز/يوليو عام 2013 حيث أصررن على استعمال كل الغنى في هوياتهن والقمع الذي يتعرضن له في كل تحليلاتهن وفي كل سياستهن. وأنا أقر بأن ذلك يمثل تحديا فكريا وسياسيا بالنسبة لنا جميعا- تحد يلهمني، وأريد أن أشارك في الرد.
أشعر أن روح التضامن التي تجسدها حركة “حياة السود مهمة” هي أفضل طريقة للرد على روح التفرقة والعنف اللذين يجسدهما قصف سوريا والهجمات في باريس. هي الروح التي أريد في هذه الندوة أن أربطها بالاقتصاد السياسي مع تحليل للنظام العالمي الامبريالي ومع السياسة الرديكالية للجنس.
هذا ما حاولت أن أفعله في الكتاب الذي نشر خلال هذا العام: Warped: Gay Normality and Queer Anti-Capitalism. الكتاب يحاول أن يقوم بعدة أشياء- أكثر مما يمكن أن أتحدث عنه اليوم- ولكن الروابط الخاصة ستكون محور حديثي اليوم.
لذلك: لماذا يحاول أي شخص الربط بين مواضيع مختلفة جدا؟
روابط
وفي وقت عشتُ تساؤلات داخلية خلال تحضيري لهذه الندوة، أدركتُ أن الإجابة عليها وضعتني بحوار مع الباحثة البارزة في الدراسات الكويرية غايل روبين. خلال ذلك، الروابط التي حاولت بناءها للرد على الدعوة التي أطلقتها روبين عام 1975 في مقالها التأسيسي “سوق النساء” من أجل “اقتصاد سياسي للجنس”، “الاعتراف المتبادل بالجنسانية والاقتصاد والسياسة”. ولكن هذه الروابط هي أيضا منشقة من موقف روبين اللاحق بعد عدة سنوات، عام 1982، في مقالها التأسيسي الآخر: “ملاحظات لنظرية راديكالية لسياسات الجنسانية” (1).
“سوق النساء” كان له جذور عميقة في النسوية اليسارية. ولكن عام 1982، روبين كانت متألمة من الهجمات الشرسة التي كانت تخاض باسم النسوية وباسم الدفاع عن الحرية الجنسية وخاصة من مثليات سادومازوشيات (lesbian S/M). في “ملاحظات لنظرية راديكالية لسياسات الجنسانية” بينت أنها تسعى لتحرير التنظير حول الجنسانية مما وصفته بأنه قيود نسوية ضيقة- وفي الوقت عينه من أي نوع من الماركسية الأرثوذوكسية.
ومنذ أن الروابط التي أحاول اليوم بناءها عبر روابط ماركسية، أنا قلق على وجه خاص مع حجة روبين التي استعملتها في مقالها عام 1982 أن الماركسية “هي الأكثر نجاحا في مجالات الحياة الاجتماعية التي وضعت فيها أصلا- العلاقات الطبقية في ظل الرأسمالية”. وإلى جانب ذلك وبطريقة متميزة عن الماركسية (أو النسوية)، دعت إلى نظرية مستقلة وسياسات محددة للجنسانية”.
يمكن النظر إلى هذه الدعوة بمثابة اللحظة التأسيسية الأولى لنظرية الكوير. وكانت نتائجها مثمرة للغاية بالنسبة لجدول أعمال الأبحاث والتحليلات والنضالات الكويرية. ولكن اليوم أعتقد أننا نرى أن جيلا جديدا من متحرري/ات الجنس، جيل “حياة السود مهمة” يتحدى تجزئة العدالة الاقتصادية والعدالة العنصرية والنسوية والثورة الجنسية التي حصلت في نهاية القرن العشرين- تماما كما بقية الناس من هذا الجيل من متحرري/ات الجنس الذي يقيم الروابط، ويقيم روابط راديكالية وغير متوقعة، ويناضل ضد الاسلاموفوبيا.
دعونا الآن ننظر إلى هذه الروابط على المستوى النظري.
التقاطعية
من الناحية النظرية، التقاطعية، كما تصورها النسويات الأميركيات-الأفريقيات مثل كيمبرلي كرينشاو وباتريسيا كولنز، هي أداة رئيسية للتغلب على تجزئة القمع. التقاطعية تقيم روابط نظرية بين الطبقة و”العرق” والنوع الاجتماعي.
أعتقد أن الجنسانية، ينبغي أن تكون متكاملة تماما ضمن هذا المزيج، بالاعتماد على ثروة الدراسات الكويرية منذ نداء غايل روبين عام 1982. وأعتقد أن فهم الاقتصاد النيوليبرالي العالمي يمكن ويجب أن يتكامل فيه تماما هذا المزيج.
للأسف التقاطعية وجدت مكانها المؤسساتي ضمن دراسات النوع الاجتماعي، إنه النوع الاجتماعي الذي بقي رئيسيا، و”العرق” بقي مهددا أحيانا بالمحو، والطبقة التي كانت إلى حد كبير في مقدمة هذه الثلاثية- ناهيك عن أبعاد مهمة أخرى كـ”الإعاقة”، جرى إهمالها أكثر فأكثر. لا أعتقد أن هذا لا مفر منه- خاصة إذا تم استخدام نظرية التقاطعية كأداة لتحسين وتجديد التوليفة الماركسية-النسوية-المناهضة للعنصرية التي تعود إلى الـ 1970ات.
التوليفة الماركسية-النسوية-المناهضة للعنصرية خلال الـ 1970ات كانت إلى حد كبير ردا، حتى ذلك الوقت، على النساء السود اللواتي شعرن بأن النسويات الليبراليات، والنسويات الراديكاليات والاشتراكيات يستعملن الفئات التي تعكس كل منها من جانب واحد تجربة النساء البيض. فردت الماركسيات بالحديث عن “القمع المزدوج” و”القمع الثلاثي”.
النظرية التقاطعية تذهب أبعد من ذلك، مع نظرتها للطبقة و”العرق” والنوع الاجتماعي التي لا تتداخل فحسب بل تتأسس ببعضها البعض، بحيث لا يمكن اكتنازها بشكل صحيح إلا بشكل مركب. أعتقد أن هذا التحليل يمكن أن يكون متكاملا في إطار العمل المناهض للعنصرية-النسوي-الماركسي، ويمكنه إغناء وتعميق هذا الإطار.
وهذا يمكن أن يساعدنا على فهم أن الطبقة ليس لديها فقط عنصرا موضوعيا، إنما أيضا بعدا اجتماعيا وثقافيا. الطبقة ليست فقط مقدار المال الذي تجنيه، والعمل الذي تقوم به، أو المدرسة التي تعلمت فيها، إنها أيضا المكان الذي تعيش فيه، والناس الذين عاشرتهم، والموسيقى التي تستمع إليها. والطبقة دائما في جوهرها جندرية وجنسانية وعرقية.
الأمر عينه ينطبق على تحليل الهيمنة: مناهضو/ات العنصرية والأكاديميات النسويات والناشطات من وليام إدوارد بورغاردت دو بوا إلى سينتيا إنلوي أظهروا أن المشروع الامبريالي بمداه وعمقه هو مشروع متفوق وبطريركي أبيض. حتى بمعنى ما، يمكن للنظرية التقاطعية التنظير وإقامة الروابط التي وضعها المفكرون/ات خلال قرن عبر العديد من النماذج الراديكالية.
الجنس والطبقة
أعتقد أن مزيجا من التحليل الطبقي والاقتصاد السياسي مع دراسة “العرق” والنوع الاجتماعي والجنسانية يمكن أن يكون هاما لمتحرري/ات الجنس اليوم في ظل النيوليبرالية. وأعتقد أن هذا قد يكون على علاقة مع تجربتي بعد أن أعلنت أنني مثلي الجنس علنا عام 1978، في العام نفسه، أصبحت ناشطا اشتراكيا نسويا. ولكن أعتقد أنه مناسب لأجيال متحرري/ات الجنس التي توالت منذ الـ 1990ات.
على سبيل المثال، دمج الاقتصاد السياسي مع نظرية التقاطعية يمكن أن يفيدنا بفهم، من جهة، لماذا حتى متحرري/ات الجنس الراديكاليين يتقاضون دخلا منخفضا- كعديد من الناس الذين أعتبرهم كماركسي من الطبقة العاملة- في كثير من الأحيان لا يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى الطبقة العاملة. من جهة أخرى، التحليل التقاطعي يوضح كيفية تداخل أسس الطبقة و”العرق” والنوع الاجتماعي ما زال يشكل حياتنا الكويرية.
أعتقد أن متحرري/ات الجنس الشباب بوجه خاص غالبا ما يفشلون في تحديد أنفسهم كمنتمين إلى الطبقة العاملة اليوم لأن هوية الطبقة العاملة المحددة بواسطة الأجيال السابقة- أجيال سنوات الـ 1950ات والـ 1960ات، والأجيال الفوردية [ذروة الانتاج الصناعي المرتفع المردود]- نادرا ما تتوافق مع واقع حياتهم.
ولكن هذا ما يعبر عن واقع الطبقة العاملة في ظل النيوليبرالية- طبقة عاملة منقسمة، مجزأة، مستقطبة اقتصاديا ووطنيا وعرقيا وعنصريا. هذا الأمر يفسر لماذا العديد من متحرري/ات الجنس لا يجدون/ن وظائف آمنة وتسجل بينهم/ن نسبة متدنية من الانتساب إلى النقابات (حتى لو كانوا/ن أكاديميين/ات).
أغلب متحرري/ات الجنس هم في الواقع مستبعدين/ات من الشريحة المهنية والإدارية للمثليين التي يتم تسويقها بواسطة وسائل الإعلام المهيمنة للأشخاص الـ م.م.م.م.م.م. (LGBTIQ)، والتي تهيمن على سياسات المثليين-المثليات في الولايات المتحدة- بالتأكيد منذ إنشاء حملة حقوق الإنسان المهيمنة منذ مطلع هذا القرن.
وخلافا لتصوير المثليات والمثليين على غلاف المجلات المثلية كمستهلكين/ات أثرياء يشترون الفودكا ويصممون الملابس والرحلات البحرية، تشير الدراسات التي أجريت مؤخرا إلى أن المثليين في الولايات المتحدة يتقاضون رواتبا أقل من الغيريين؛ وأن المثليات يتقاضين رواتبا أعلى من معدل الغيريات، ولكن مدخولهما ما زال أقل من مدخول الغيري- ناهيك عن متحولي/ات وثنائيي/ات الجنس، حيث يحل معدل مدخولهم/ن في أسفل الرسوم البيانية.
لذلك هناك شعور متزايد باغتراب متحرري/ات الجنس من الطبقة العليا من المثليين/ات والمقدمة لهم كنموذج. لكن الغريب في الأمر، هو أن انتشار الاغتراب بشكل واسع من هذه الطبقة العليا يبعد العديد من متحرري/ات الجنس عن هوية الطبقة العاملة- أو على الأقل من المفهوم الضيق لها، هذا التصور تنشره قيادات النقابات حين يصفون قاعدتهم النقابية بأنها تنتمي إلى “الطبقة الوسطى”.
ولا شيء من هذا يمكن فهمه بمعزل عن الأبعاد العرقية والوطنية والجندرية وبالطبع الجنسية.
المعيارية على أساس المثلية الجنسية (Homonormativity)
بالنسبة إلى أغلب متحرري/ات الجنس اليوم، ما زالت صورة “العامل” أنه أبيض وذكر وغيري. لا يمكن فهم واقع الطبقة دون مقاربة تقاطعية- مقاربة تقاطعية تنصهر مع بعض الأفكار الأساسية للنظرية الكويرية الراديكالية المعاصرة.
وهذا ما يقودني إلى مفهوم أساسي للـ”المعيارية على أساس المثلية الجنسية”، الذي وصفته ليزا دوغان منذ أكثر من عقد من الزمن بالعقلية المثلية التي “لا تخوض المواجهة مع الافتراضات والمؤسسات المعيارية على أساس الغيرية الجنسية (heteronormativity) إنما تتمسك بها وتحافظ عليها” (2). أنا مدين لها للرابط الذي أقامته بين المعيار مثلي/مثلية، وضمن الإطار الشامل للمعيارية على أساس الغيرية الجنسية- الإطار الذي يفترض أن الغيرين هم القاعدة، وأن بقيتهم في أحسن الأحوال يتم التسامح معهم- وبين المجتمع النيوليبرالي الذي نعيش فيه خلال السنوات الـ 35 الماضية.
دوغان أظهرت أن فرض قاعدة مثلية، ضمن الإطار الشامل للمجتمع المعياري على أساس الغيرية الجنسية، له بعد طبقي. المعيارية المثلية تعكس الطرق التي يحتاجها مثليو الطبقة الوسطى، وبعض الأجزاء من الطبقة العاملة الأكثر رخاء واستقرارا وأجزاء أقل من المثليات، للتكيف من أجل احتلال مكانة آمنة داخل النظام النيوليبرالي.
في الوقت عينه، للمعيارية على أساس المثلية الجنسية بُعد جندري مركزي. ذلك لأن الرأسمالية النيوليبرالية، كالرأسمالية بشكل عام، قائمة على أساس جندري. إنه نمط الانتاج الاجتماعي وإعادة إنتاجه، حيث العناية وتكوين العائلة أساسي لكي يذهب الناس إلى العمل في الصباح ويحافظون على استمرار الانتاج.
في ظل النيوليبرالية، كما أشار هولي لويس، الرأسمال قادر إلى حد ما على الاعتماد على فائض السكان- المهاجرون/ات في الدول الغنية، أو في الدول الفقيرة حيث يمكن استعباد الناس في بعض الأعمال- كل ذلك بهدف خفض تكاليف الانتاج الاجتماعي. ولكن هناك حدود لهذا. في نفس الوقت، حتى في الدول الغنية، أدت النيوليبرالية إلى خصخصة العناية، كنتيجة لسلسلة ضربات للخدمات الاجتماعية. وهذا ما سمح بانخفاض الضرائب على الشركات، في حين ارتفعت الأرباح وتركزت الثروات دون توقف في أيدي 1 بالمئة.
في هذا السياق، يجري دمج المثليين والمثليات في المؤسسات العائلية الرأسمالية من خلال الزواج والتبني- وهي مطالب علينا تأييدها، ولكن بطريقة نقدية ومع مقاربة انتقالية. هذا الاندماج في الأسرة يتطلب درجة من المطابقة الجندرية من مثليين ومثليات مطبعين. ومنذ الـ 1990ات هذا ما فصلهم/ن عن متحولي/ات ومتحرري/ات الجنس، الذين في القرن الماضي، منذ نشوء المثلية الجنسية، لم يتم ترسيمهم بشكل واضح ضمن فئة منفصلة عن الآخرين “المثليين جنسيا”.
للمعيارية على أساس المثلية الجنسية بعد عرقي حاسم، في سياق نمو العرقية في كل الطبقات والعلاقات الاجتماعية. في أوقات الأزمات، حيث يتم طرد الناس من الاقتصاد الرسمي إلى البطالة أو السجن، يعرف العديد من المثليين/ات المطبعين/ات إلى حد كبير (إذا استطاعوا) عن أنفسهم/ن كبيض.
بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي يتم فيه إخراج مناطق بأكملها من الاقتصاد النيوليبرالي العالمي، يتزايد دمج الأشخاص الـ م.م.م.م. (LGBT) المطبعين في دول قومية مهيمنة. هذا هو الأساس المادي لما تسميه جاسبير بوار “المعيارية على أساس المثلية الجنسية”: استعمال حقوق المثليين/ات كأدوات في الأيديولوجيات الامبريالية والاسلاموفوبية. (3)
اسلاموفوبيا
أعتقد أن مفهوم بوار للمعيارية على أساس المثلية الجنسية يمكننا من إضافة البعد الجنساني إلى تحليلنا للنظام العالمي النيوليبرالي، وتحديثه ليعكس واقع القرن 21. المثلية الوطنية (Homonationalism) تعزز الاعتقاد أن بلدا مثل الولايات المتحدة هو منارة لحقوق الـ م.م.م.م.، وأن الاجتياحات والتدخلات الأميركية في مناطق مثل الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى ستعزز حقوق الـ م.م.م.م.. وهذا يعني أنه على المثليين/ات في الولايات المتحدة أن يكونوا/ن مواطنين/ات صالحين/ات.
في الواقع إن الولايات المتحدة تدعم أنظمة شديدة الرهاب من المثلية في الشرق الأوسط مثل السعودية والعراق. ولكن المعيارية على أساس المثلية الجنسية لا تزال شعبية، وتساعد على توسيع الدعم الشعبي للنزعة العسكرية الأميركية.
النزعة العسكرية الأميركية تخدم مصالح من؟ الاقتصادي الماركسي الأرجنتيني كلاوديو كاتز حلل أنه بعد الحرب الباردة باتت النزعة العسكرية العنصر المسلح بيد العولمة النيوليبرالية والنظام الاقتصادي العالمي الذي يحكمنا منذ 35 عاما. النفط في الشرق الأوسط والطرق البحرية التي تمر عبر منطقة الشرق الأوسط تعتبر حيوية للنظام الاقتصادي العالمي النيوليبرالي. لذلك إن النزعة العسكرية والصراع السياسي للسيطرة في هذا الجزء من العالم أساسيان في النظام الجيوسياسي الحالي.
كان ذلك صحيحا عندما حقق جورج بوش الأب عودة مباشرة للاحتلال العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال تمركز القوات الأميركية في السعودية عام 1990. وكان ذلك صحيحا عندما غزا جورج بوش الابن العراق عام 2003. وبقي كذلك منذ عام 2011، حين “ناضل” باراك أوباما للحفاظ والتأكيد على سلطة الولايات المتحدة في المنطقة العربية في مواجهة الثورات العربية. وطوال الوقت، عزز ذلك دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، باعتبارها واحدة من عدد قليل جدا من الشركاء الصغار الذين يمكن للولايات المتحدة أن تثق بهم في جزء من العالم حيث سلطة الولايات المتحدة تحت تهديد مستمر.
منذ الـ 1950ات وصولا إلى 1970ات، والولايات المتحدة وغيرها من الامبرياليات تدافع عن مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط إلى حد كبير من الحركات التي ألهمتها الاشتراكية، سواء زعمت أنها ماركسية، أو حتى في كثير من الأحيان “اشتراكية عربية” (مثل عبد الناصر في مصر). منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ادعت القوى المواجهة للهيمنة الامبريالية على المنطقة أن الإسلام يشكل مصدر إلهام لها إلى حد كبير.
هذا هو الواقع المادي وراء الاسلاموفوبيا، الأيديولوجيا التي تشيطن المسلمين ودولهم، بشكل صريح أو ضمني. حلت الاسلاموفوبيا اليوم مكان معاداة الشيوعية باعتبارها الأيديولوجيا الرسمية للامبراطورية الأميركية.
أعتقد أن المقاربة التقاطعية- مقاربة تقاطعية تسترشد بالاقتصاد السياسي وبعض الأفكار الأساسية للنظرية الكويرية المعاصرة- تتيح لنا فهم المثلية الوطنية باعتبارها بديل مثلي/مثلية واضح لهذه العقيدة الامبريالية الأساسية. وكجزء من التحليل التقاطعي، المثلية الوطنية يمكن فهمها كبعد رابع من المعيارية على أساس المثلية الجنسية، أي بُعد امبريالي، إلى جانب الأبعاد الطبقية والجندرية والعرقية.
كما المعيارية على أساس المثلية الجنسية عنصرية، تقوم المثلية الوطنية على أساس مادي: تهميش ملايين الناس، في الولايات المتحدة وحول العالم، الذين تم رميهم من وجهة نظر الرأسمال. هذا هو واقع الحال مع ملايين العاطلين عن العمل والمسجونين، وبشكل خاص الناس غير البيض وما يواجهه اللاجئون الآتون بأعداد كبيرة من الدول ذات الغالبية المسلمة في الولايات المتحدة، وفي الشرق الأوسط، واليوم على نحو متزايد في أوروبا.
معنى الكوير
الآن، حيث يوجد أساس مادي للاسلاموفوبيا والمثلية الوطنية، هناك أساس مادي لمعارضة كويرية للاسلاموفوبيا والمثلية الوطنية. ولكن اسمحوا لي تحديد ما أقصده بـ”كوير”.
“كوير” لا تزال تستخدم اليوم كإهانة مسيئة للـ م.م.م.م.م.م. بشكل عام. ولكن هذا المصطلح له أيضا دلالة أكثر تحديدا. ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، أعتقد أن “كوير” يمكن تعريفها بطريقة مفيدة- التي غالبا ما يتم تعريفها، بوعي أو بغير وعي، من قبل أشخاص يقولون عن أنفسهم أنهم كوير، في مواجهة للمعيارية على أساس المثلية الجنسية.
إذا فعلنا ذلك، يمكننا أن نبدأ بتحليل الكوير بعبارات الاقتصاد السياسي- دون أن يكون ذلك مختزلا ودون فرض تطابق كامل بين التحديد الذاتي الجنسي والموقع داخل المجتمع. هذا التطابق ليس موجودا. ولكن يمكن أن يكون ذلك مفيدا، بواقع أهميته الحيوية، ووجود روابط بينهما.
هناك روابط بين الـ م.م.م.م.م. (LGBTI) الذين يعرفون أنفسهم ككوير والمواقع المجتمعية- مواقع تجعل من متحرري/ات الجنس أقل احتمالا بأن يكون لهم أسلوب حياة الطبقة الوسطى أو الموارد اللازمة للوصول إليها. هناك روابط بين التحديد الذاتي الكويري وأنواع الانشقاق الجندري: رفض أو عدم قدرة الرجال التوافق مع المعايير الذكورية أو النساء مع المعايير الأنثوية.
على الرغم من التحديد الذاتي الكويري لم يجذب بالضرورة بشكل واسع الـم.م.م.م.م. من غير البيض- بعضهم/ن، من باربرا سميث وكاتي كوهين حللوا/ن وأعربوا/ن عن أسفهم/ن أن الناشطين/ات المتحررين/ات جنسيا قد فشلوا/ن في هذه النقطة- أعتقد أن اتجاه القيادة المتحررة/جنسيا وغير البيضاء لـ”حياة السود” مهمة قد أظهر تقاربا حقيقيا بين حركات التمرد الجنسية والعرقية. ومتحررو/ات الجنس المحددون/ات ذاتيا كانوا/ن واضحين/ات في معارضة أشكال المثلية الوطنية كما في مواجهة الاسلاموفوبيا والغسيل الزهري (pinkwashing) لإسرائيل.
يمكننا دمج مختلف أشكال المقاومة الكويرية في صورة أوسع. الرفض الكويري للغيتو المُسَلْعَن، وتمرد المتحولين/ات ومتحرري/ات الجندر (genderqueers) ضد ثنائية الجندر، وإدارة متحررات الجنس الشابات وغير البيضاوات لـ”حياة السود مهمة”، والنقد الكويري للاسلاموفوبيا والغسيل الزهري- كل ذلك يبين إمكانية تشكل ما عرفه آلان سيرز (مؤلف كتاب اليسار الجديد التالي) بأنه “البنية التحتية للانشقاق”.
وهي تظهر أن لمتحرري/ات الجنس دورا يلعبوه في مقاومة نظام عالمي غير متكافئ وغير عادل. عبر هذه الطريقة، يمكننا أن نساعد في إرساء الأسس لسياسة قوس-قزحية وكويرية ومناهضة للرأسمالية. وفي نهاية المطاف، يمكننا المشاركة في مشروع إعادة تشكيل التحول الاجتماعي العالمي.
—
* بيتر دروكر، حائز على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا عام 1994، وهو زميل في المؤسسة الدولية للبحوث والتربية (IIRE) في أمستردام. كويري ومناهض للحرب، نشر بكثافة دراسات حول النظرية الاشتراكية والتاريخ والـ م.م.م.م.
– نشر النص باللغة الانكليزية في مجلة عكس التيار لسان حال منظمة تضامن- الولايات المتحدة، العدد 182، أيار/مايو/حزيران/يونيو 2016. ونشر باللغة الفرنسية على موقع الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2016
الهوامش:
(1). Both these articles are now collected in Gayle Rubin, Deviations (Duke University Press, 2011).
(2) Lisa Duggan, “The New Homonormativity,” in Russ Castronovo and Dana Nelson eds., Materializing Democracy (Duke University Press, 2002), 179.
(3) Jasbir Puar, Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times (Duke University Press, 2007), xxiv, 38-9.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|