الفصل الأول: أين النساء؟



جودي كوكس
2022 / 1 / 11


الفصل الأول من كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917

الكاتبة: جودي كوكس

أقصيت النساء من كل الكتابات التأريخية عن الثورة الروسية سواء من اليمين واليسار، والشرق والغرب. تصف السردية المهيمنة عن الثورة في الغرب الحزب البلشفي كمنظمة من الذكور المخبولين الذين استولوا على السلطة على ظهر الطبقة العاملة. النساء لم يقمن بأي دور في هذا الانقلاب الذكوري. في حين يذكر التأريخ الستاليني رجلين تاريخيين صنعا الاتحاد السوفياتي هما: لينين وستالين. أقصيت النساء من المراكز القيادية، تماماً كما حصل مع ليون تروتسكي.
أما المؤرخون المؤيدون للبلاشفة فكانوا أفضل بقليل. كانت إيلينا ستاسوفا قائدة بلشفية صاحبة إرادة وقادرة على إصدار الأوامر، حيوية، وشجاعة ومكرسة من أجل السياسات الثورية. كانت حليفة وثيقة للينين وزوجته كروبسكايا عندما كانت الحركة سرية، وأصبحت لاحقاً تشغل مواقع قيادية في لجان الحزب. فكانت أمينة سر اللجنة المركزية للحزب البلشفي خلال عام 1917. كانت ستاسوفا شخصية قوية لدرجة أنها لقبت بـ “المُطلَقة”، ولكن في كتاب ألكسندر رابينوفيتش المحترم والمؤلف من 400 صفحة، المعنون: وصول البلاشفة إلى السلطة(1)، اختزل دورها حرفياً إلى مجرد هامش في الكتاب.
فقد أخذ المؤرخون مقاربة اجتماعية مالت لربط النساء إلى القطاعات غير الكفوءة وقليلة التنظيم من القوى العاملة، واختزلوهن بذلك. قد تكون العاملات أطلقن الثورة مع رفعهن شعارهن المطالب بـ”الخبز والسمك”، ولكنهن سُحبن إلى الظل حتى يتركن للرجال تولي الأمور الجدية والاستيلاء على السلطة. يجادل ريتشارد ستيتس في كتابه: “حركة تحرر النساء في روسيا” أن النساء لم يظهرن في كتب المؤرخين عن ثورة عام 1917 لأنهن لم يكن في كواليس السلطة أو لأنهن لم يشاركن في القرارات المصيرية. لذلك، يكمل، “لا معنى من المحاولة لتكبير الحجم الذي لعبته النساء اللواتي كنّ يشكّلن نصف الشعب خلال عام 1917”.(2)
أما الكتابات الأخيرة حول الثورة الروسية فكانت أقل تحجيمية لدور النساء. حيث يظهر دور النساء في مجموعة من المنظمات السياسية المعارضة في كتاب تشينا مييفيل الصادر عام 2017: تشرين الأول/أكتوبر: قصة الثورة الروسية.(3) كما خصص طارق علي في كتابه الصادر عام 2017: مآزق لينين(4) فصلاً عن النساء، حيث ناقش فيه الجذور النظرية لتحليل الماركسيين عن اضطهاد النساء، كما المناقشات حول العائلة والجنسانية. لكن الغريب، رغم ذلك، أن الدور الذي لعبته النساء خلال ثورة عام 1917 لم يظهره علي في حكايته.
تستمد القلة من البلشفيات المذكورات اليوم مكانتهن حصراً من علاقاتهن بالرجال المهمين. حيث يوصفن بشكل ثابت ضمن مجموعة من الصور النمطية. النساء مأساويات، ومهملات، وجميلات، وفاتنات، ومثيرات، أو “عوانس” خبيثات. فسيرة ناديا كروبسكايا كانت بعنوان عروس الثورة(5)، كما لو أن زواجها بلينين يمكن أن يثير اهتمام القراء. كما تذكر إينيسا أرماند على أنها صديقة لينين الساحرة وعشيقته المحتملة.
اللغة المستعملة لوصف الاشتراكيات هي في أغلب الأحوال غارقة في الافتراضات المتحيزة جندرياً. حيث يحكم على الثوريات انطلاقاً من مدى جاذبيتهن. كما تقصى الخادمات العجائز البشعات والحموات المزعجات، في حين يُركَز على الصفات الجسدية للنساء الجميلات. فها هو روبرت سيرفيس يصف أرماند في كتابه لينين: سيرة ذاتية: “كانت عظام خدها عالية ومحددة للغاية. كان أنفها منحنياً قليلاً وفتحات أنفها متسعة بشكل رائع، كانت شفتها العليا بارزة قليلاً. كانت أسنانها بيضاء، وحتى كان لها حواجب لامعة داكنة. وقد حافظت على قدها بعد أن أنجبت أولادها”.(6) ربما كانت سنوات المنفى، أو تعاملها مع 5 أولاد خلال نضالها مع الحركة الثورية السرية قد أبقتها أنيقة للغاية.
واحدة من النساء القليلات اللواتي يعتبرن مثيرات للاهتمام في حد ذاتها كانت ألكسندرا كولونتاي. يميل مؤرخون الحزب البلشفي إلى التركيز على جمالها الأخّاذ وبريقها، وقدرتها على الخطابة واهتمامها بالحرية الجنسية. تصفها المؤرخات النسويات بأنها صوت وحيد، تناضل بمفردها لإقناع البلاشفة الممانعين بهدف أخذ العاملات على محمل الجد. تطلب الأمر كتاباً من مؤرخة اشتراكية، كاثي بوتر، كتبت فيه سيرتها الذاتية بحيث وضعت كولونتاي في صلب الثورة الروسية.(7)
لمدة مئة سنة، يستمر تجاهل المؤرخين للأدوار التي لعبتها النساء خلال الثورة، ليس كزوجات أو حبيبات، ولكن كمناضلات وكقائدات سياسيات. كانت العاملات في مقدمة الحملات ضد الحرب العالمية الأولى، وضد رفع الأسعار الزجريّة وظروف العمل القاسية. شكّلت نضالاتهن الحزب البلشفي حيث غيرت الاشتراكيات التنظيم الثوري للوصول إلى النساء بهدف تنظيمهن. تستحق البلشفيات أن يذكر نضالهن إلى جانب البلاشفة. لقد ساعدن على بناء المنظمات الثورية في روسيا. وساعدن على الحفاظ على تلك المنظمات طوال سنوات من القمع. كما ساعدن في إقناع العمال والعاملات بالحاجة لمعارضة الحرب الامبريالية والاستيلاء على السلطة بقوة أيديهم/ن. التركيز على النساء اللواتي تركن بيوتهن وعائلاتهن وعانين من ظروف صعبة والسجن والنفي يمكن أن يضيف شيئاً إلى فهمنا كيف فاز البلاشفة بالسلطة، ويعيد المضطهدين إلى مكانهم الصحيح وسط السياسات الثورية.

الهوامش:

1. Alexander Rabinovitch, The Bolsheviks Come to Power, (London, 2004), p.345.

2.Richard Stites, The Women’s Liberation Movement in Russia: Feminism, Nihilism and Bolshevism 1860-1930, (Princetown, 1978), p.289.

3. China Miéville, October: The Story of the Russian Revolution, (London, 2017).

4. Tariq Ali, The Dilemmas of Lenin: Terrorism, War, Empire, Love, Revolution, (London, 2017).

5. Robert H McNeal, Bride of the Revolution: Krupskaya and Lenin, (Littlehampton, 1973).

6. Robert Service, Lenin: A Biography, (London, 2000), p.97.

7. Cathy Porter, Alexandra Kollontai: A Biography, (London, 1980).”