معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 8



رياض عبد الحميد الطائي
2022 / 1 / 20

ثانيا ) العلاقة بين مفاهيم ( الجنس ، الزواج ، الاسرة )
الزواج هو الطريق الشرعي الوحيد نحو تأسيس الاسرة ، ولا يمكن الاعتراف بكيان اي أسرة من غير زواج ، يعتبر الزواج ضرورة اجتماعية فيه مصلحة للمجتمع الا انه ليس ملزما لكل فرد ، من حق اي انسان ان يحيا حياته من غير زواج ، اما بالنسبة للجنس فهو يعتبر ضرورة طبيعية ملزمة ، ويتحتم على كل انسان بالغ ـ ذكرا كان ام انثى ـ ان يمارسه بشكل معقول وحسب متطلبات جسده فيحيا حياته بشكل متوازن وطبيعي ، الضرورة الطبيعية نابعة من الفطرة او ما تسمى علميا بقوانين الطبيعة ، اما الضرورة الاجتماعية فهي نابعة من قوانين المجتمع ، قوانين الطبيعة موروثة اما قوانين المجتمع فمكتسبة ، القوانين الموروثة لها السيادة على القوانين المكتسبة ، فالانسان في الاصل كائن حي تحكمه الفطرة او قوانين الطبيعة قبل ان يكون كائن اجتماعي تحكمه قوانين المجتمع ، وفي ما يتعلق بالعلاقة بين مفاهيم الجنس والزواج فان الزواج ـ حسب الاعراف السائدة في بعض المجتمعات في الدول النامية ـ هو الطريق الشرعي الوحيد لممارسة الجنس بين الذكر والانثى بغطاء شرعي وقانوني ، وان أي ممارسة جنسية خارج اطار الزواج توصف بالخزي والعار وتوجب الشجب والاستنكار حسب تلك الاعراف ، ولكن ثقافة واعراف تلك المجتمعات لم تقدم الحلول لمشكلة الاشخاص ـ من الذكور و الاناث ـ الذين اختاروا العزوف عن الزواج لعدم استعدادهم لتحمل مسؤولية الاسرة والاطفال ، كذلك مشكلة الذين تعذر عليهم الحصول على فرصة الزواج لاسباب ذاتية او موضوعية ، اننا نرى ان الانسان ـ ذكرا كان أم أنثى ـ حرا في ان يختار حياة العزوبية او الحياة الزوجية ، اذ ليس هناك اي ضرر يقع على المجتمع في حال عزوف البعض عن الزواج ، ولكن خيار العزوبية يجب ان لا يسقط حق الانسان الاعزب في السعي لاشباع حاجته الطبيعية من الجنس دون الحاجة لدفعه باتجاه الزواج دون رغبته ، اذا كان الزواج وتكوين أسرة هو الطريق الوحيد المسموح اجتماعيا لاشباع الحاجة الجنسية فان هؤلاء العازفون عن الزواج سوف يضطرون مجبرين تحت ضغط الدافع الجنسي الطبيعي الى الدخول في مشاريع زواج وحمل مسؤولية أسرة واطفال وهم ليس لديهم الاستعداد والرغبة في حمل هذه المسؤولية ، ومعلوم ان النتيجة الطبيعية لكل زواج هو الاسرة والاطفال ، فتكون النتيجة تأسيس اسر فاشلة بابناء لا يحظون بالرعاية والعناية والتوجيه وربما يصبحون اطفال شوارع مشردين ليتحول وجودهم في المجتمع الى عبء ونقمة على المجتمع ، رؤيتنا لهذه المسألة انه يجب مراعاة ظروف الاشخاص الذين اختاروا ان يكونوا خارج دائرة الزواج ، فلا يضطروا الى الدخول في مشروع زواج وتأسيس أسرة ، فهؤلاء سوف لن يكونوا مؤهلين لتأسيس أسرة ناجحة وتنشأة ابناء صالحين ، مصلحة المجتمع ان يبقى هؤلاء العازفون عن الزواج عزابا ولا يؤسسوا أسر فاشلة ، مصلحة المجتمع ليست في انتاج افراد جدد للمجتمع ، وانما في جودة نوعية الانتاج ، ونحن نرى ان عدم وجود سلعة معينة هو افضل من وجودها ولكن بنوعية رديئة تسبب الضرر ، لان تكاليف عملية اصلاح الرديء باهضة وقد تنتهي العملية بالفشل ، وجود انسان غير صالح في المجتمع يمثل هدر لطاقات الحياة وتخريب لكيان المجتمع ، ولغرض حماية المجتمع من التخريب وهدر الطاقات يجب تفهم ظروف واحتياجات العزاب الباحثين عن الجنس من غير التزامات أسرية وأطفال ، وفي اطار الثقافة العامة والاعراف السائدة حول مسألة الربط بين الجنس والزواج ولكي يكون بالامكان التوفيق بين الجنس كضرورة طبيعية او فطرية وبين الزواج كضرورة اجتماعية مع مراعاة مصلحة المجتمع في عدم تأسيس أسر فاشلة وانجاب أفراد غير صالحين ، فاننا نرى ضرورة ايجاد نوع من الزواج الذي يتمتع بالشرعية ويلبي المتطلبات والاحتياجات الشخصية والاجتماعية معا ، نمط من الزواج بشروط بسيطة من ضمنها عدم انجاب الاطفال يسمى ( الزواج المؤقت لتأسيس أسرة بدون اطفال ) ، هو نمط من الزواج القانوني يلبي الاحتياجات الشخصية ولكن دون تحمل اعباء ومسؤوليات انجاب الاطفال وتربيتهم ، يتم تنظيم هذا النوع من الزواج بموجب عقد رسمي موثق ، مدة صلاحية العقد لا تزيد عن سنة واحدة ، ويشتمل على شروط بسيطة من ضمنها التقيد بعدم انجاب اطفال خلال فترة العقد من خلال استعمال وسائل منع الحمل ، وفي حالة حصول الحمل لدى الزوجة نتيجة عدم التقيد بضوابط منع الحمل فانه يتوجب عليها التخلص من الجنين بالاجهاض ، وفي حالة الرغبة بالاحتفاظ بالجنين يتوجب على الزوجين استبدال عقد الزواج المؤقت بعقد زواج دائمي الذي تختلف شروطه ، كذلك يتضمن العقد المؤقت فقرة عدم وجود تعويضات الانفصال ( سوف يتم توضيح مفهوم تعويضات الانفصال في المقالات اللاحقة ) ، وانما يلزم الطرفين بايداع مبلغ محدد من المال لدى دائرة شؤون الاسرة يكون بمثابة تأمينات للالتزام بشروط العقد ويعاد المبلغ اليهم في نهاية العقد وصدور قرار الانفصال ، هذا مع العلم بانه حتى الراغبين بالزواج الدائمي يمكنهم الاستفادة من هذا النوع من عقود الزواج ( المؤقتة ) الذي يتيح لهم فرصة اختبار مدى توفر فرص الانسجام والتوافق بين الطرفين ( الزوج والزوجة ) من خلال التعايش والحياة المشتركة خلال فترة العقد المؤقت ، وفي حالة حصول التوافق يتم استبدال العقد المؤقت بعقد دائمي بشروط مختلفة ، كذلك هناك في المجتمع نوع اخر من العزاب العازفون عن الزواج الذين يبحثون عن الجنس من غير الرغبة في الارتباط باي نوع من انواع عقود الزواج حتى لو كان زواج مؤقت ، وانما يبحثون عن الجنس فقط وفق اسلوب ( قضاء الحاجة المؤقتة ) او ( تلبية نداء الطبيعة العاجل ) ، نرى ان عقد الزواج المؤقت من غير اطفال هو افضل وأليق من اسلوب البحث عن الجنس بطريقة ( قضاء الحاجة المؤقتة ) ، ولكن ربما هناك من لا يرغب باي نوع من انواع الارتباط ، وليس لديه الاستعداد للعيش المشترك مع اي انسان آخر ، مثل هؤلاء نرى ايضا ضرورة تفهم ظروفهم ودوافعهم النفسية والبدنية ولا مانع من فسح المجال لهم للحصول على الجنس خارج دائرة الزواج ، هذا النوع من العزاب لهم حقوق طبيعية يجب الاقرار بها ، فالبشر على طباع شتى ولا يمكن وضعهم جميعا في قوالب على نمط واحد من حيث الحالة البدنية والنفسية ، يجب تفهم ظروفهم وفسح المجال لممارساتهم دون وقوعهم تحت طائلة القانون ودون خضوعهم لاي مسائلة قانونية ولكن يجب ان تكون هذه الممارسات تحت ضوابط صارمة ورقابة من قبل اجهزة الدولة ، وتشتمل الضوابط على قيود لمنع الانحراف عن الغاية الاساسية لهذه الممارسات الطبيعية ، مثل منع استغلال هذه الممارسات لاغراض تجارية ، ومنع ممارستها بطريقة اباحية ، وان يكون الطرفين في هذه الممارسات من العزاب البالغين ، وان تكون الممارسة بطرق سلمية وبرضا الطرفين دون اكراه او تهديد ، اما من يلجأ من هؤلاء العزاب الى تحقيق احتياجاته هذه باسلوب الاعتداء على الاخرين من خلال الاغتصاب او التهديد باي وسيلة من وسائل التهديد فمثل هذه التصرفات تقع تحت طائلة القانون ويجب محاسبة مرتكبها ، الغرض من هذه الضوابط هو لحماية المجتمع من سوء استخدام هذا الحق ، وكذلك لحماية المجتمع من تأسيس أسر فاشلة .
يتبع الجزء / 9