المرأة العربية والبرلمان .. ليس مجرد حضور !!



ياسر قطيشات
2022 / 1 / 20

كثر الحديث في العقود الأخيرة حول مفاهيم متقاربة/ متداخلة تتعلّق بقضية المرأة في العالم اجمالاً، والوطن العربي خصوصاً، لاسيما ما يرتبط بالجانب السياسي، حيث تندرج مفاهيم "التمكين السياسي، والحقوق السياسية، والمشاركة السياسية" في قاموس النوع الاجتماعي أو ما يسمى بـ"الجندر" أي المساواة بين الجنسين "الذكر والأنثى" في الحقوق والواجبات عامة، وتحديداً في الاطار السياسي، ورغم مقاربة المفاهيم أعلاه من بعضها، إلا أنها متباينة في تأثيرها ومضمونها.
فالمشاركة السياسية تتعلّق في السياسات العامة التي تستهدف دعم مشاركة المرأة في العملية السياسية الداخلية برمتها، سواء في العمل العام أو في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبالتالي فإنّه يُقصد بالمشاركة السياسية عموماً "مجمل الأنشطة التطوعيّة التي يقوم بها الفرد ويشارك من خلالها أعضاء المجتمع الأخرين سواء في اختيار الحكومة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو المشاركة في صنع القرار أو توجيه السياسات العامة للدولة والرقابة على تنفيذها..".
لكن مفهوم المشاركة السياسية للمرأة اليوم يتجاوز المعنى التقليدي المتمثّل في مجرد المشاركة في الأدوار السياسية العملياتية مثل الانتخاب أو الاقتراع أو الانضمام لمؤسسات المجتمع المدني، خاصة الأحزاب والنقابات، بل أًصبح يضم العمليات السياسية غير الرسمية والعامة، بمعنى البحث عن أدوار حياتية ترتبط بطبيعة التنشئة السياسية للمرأة ومن ثم اعادة انتاج قيم المجتمع بما يخدم قضية تكامل الأدوار السياسية للأمة أو المجتمع السياسي بغض النظر عن النوع الاجتماعي، فالمرأة، ومن خلال المشاركة النموذجية، لم يعد يقتصر دورها على التعبئة السياسية لصالح الذكور أو بمسألة الحصص والكوتا النيابية، وانما بمسألة حضورها الفاعل في تكوين الجسم السياسي الوطني وتدريبها أو النهوض بنفسها في المجال السياسي الحقيقي .
وبالتالي، فان المشاركة السياسية هي إحدى صور ممارسة الحقوق السياسية للمواطنين أو المرأة خاصة، وينعكس مدى مشاركتها في العملية السياسية بمدى تأثيرها في صنع القرار الداخلي أو في ثقافة المجتمع وسلوكه السياسي، ما يعني أن مشاركة المرأة جزء لا يتجزّأ من مفهوم "المواطنة" والمساواة التامة بين المواطنين، والاقرار بأن المرأة تتمتع بكافة حقوقها السياسية والبرلمانية أسوة بالرجل دون تمييز.
أما "التمكين السياسي" للمرأة، والذي أخذ حيزاً كبيراً في المؤتمرات والندوات وورش العمل في الساحة العربية مؤخراً، بعد أن كثر الحديث عالمياً حول ضرورة معالجة الاختلالات التي تعترض طريق المرأة لتولي المناصب القيادية والريادية أسوة بالرجل، فهو "إزالة كافة العمليات والاتجاهات والسلوكيات النمطيّة في المجتمع والمؤسسات التي تُنمّط النساء وتضعهن في مراتب أدنى..".
وقد ورد في تقرير التنمية البشرية العربية لعام ٢٠٠٢م أن أبرز تحديات التنمية العربية هي: "المعرفة والحرية، وتمكين النساء"، ذلك أن مفهوم التنمية يحتاج إلى تمكين وتقوية أفراد المجتمع بصفة عامة وتمكين النساء خاصة، وأغلب الدراسات المختصّة تؤكد أن السبب الأبرز لتعثّر مشاريع التنمية في الوطن العربي هو تهميش شرائح "النساء والشباب" الفاعلة في المجتمعات العربية .
فيما يُقصد بـ"الحقوق السياسية" للمرأة تلك الحقوق التي تخوّلها حق المشاركة في شؤون الحكم بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، وتتمثل في الحق في التصويت والحق في الترشح لعضوية المجالس النيابية والمجالس المحلية أو البلدية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني السياسية.
وفي هذا الإطار، حصلت المرأة العربية على هذه الحقوق بشكل متدرّج ومتفاوت في النظم السياسية العربية، لأسباب تتعلّق بالمتغيرات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة التي شهدتها الدول العربية منذ الاستقلال وحتى اليوم، وان كانت قد حصلت –نظريّاً- على حقوق سياسية متعددة، إلا أنها لم تنعكس ايجاباً على أرض الواقع لظروف جمّة .
ولم يعد الحديث عن تفعيل المشاركة البرلمانية للمرأة العربية من قبيل الترف، وإنما ضرورة ماسة وحاجة ملحّة للمجتمعات المتحضّرة، بحيث أًصبحت المؤسسات العربية الرسمية وقوى المجتمع المدني تتعامل مع ملف المرأة بأهمية واهتمام، خاصة في ظل ضعف المشاركة السياسية والبرلمانية للمرأة العربية وقلة حضورها في مراكز صنع القرار .
وتطرحُ مسألة المشاركة السياسية للمرأة كأولوية في الوطن العربي اليوم، كمدخل لعملية التغيير الاجتماعي والسياسي المطلوب لصالح المرأة، وذلك في ضوء تراجع تصنيف وضع المرأة العربية في المواقع السياسية مقارنة بالمرأة في الشرق الأوسط والغرب والعالم، فجرى خلال القعود الأخيرة تعديل الكثير من القوانين والتعليمات واضافة نصوص دستورية تفتح المجال أمام المرأة لمنافسة الرجل في ميادين السياسة والانتخابات، خاصة تحت قبة البرلمان.
وتفتقر المرأة العربية اليوم إلى التمثيل القائم على التوازن في المؤسسات البرلمانية والتشريعية، فضلاً عن ضعف واضح في تمثيلها في السلطة التنفيذية، ولا يقتصر الأمر على المؤسسات الحكومية، بل يمتد ليشمل ضعفاً متوازياً في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
ولا يمكن دراسة قضية المشاركة البرلمانية للمرأة العربية بمعزل عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يمرّ بها كل مجتمع من المجتمعات العربية، ورغم عديد المكاسب والانجازات التي حققتها المرأة في معظم الأقطار العربية خلال العقدين المنصرمين، إلا أنه ما زالت هناك العديد من المحددّات والقيود التي تحول دون تفعيل مشاركة جادة للمرأة في الملفات السياسية والبرلمانية، فالقيود المجتمعية والسياسية والاقتصادية والموروث من عادات وتقاليد.. الخ كلها جملة معقّدة من العوامل التي ساهمت -وما زالت- في تدني مشاركة المرأة البرلمانية.
فالتقارير والبيانات الدولية تشير الى تراجع مستوى وصول المرأة الى البرلمانات الوطنية في الدول العربية مقارنة بشقيقاتها في برلمانات العالم، فأعلى متوسط نسبة وصلت إليها المرأة العربية للبرلمان بلغت (19.55%) في عام 2020م، فيما نسبة وصول المرأة عالمياً تجاوزت حاجز الـ(25%)، وفي الوقت الذي تتفاوت فيه نسب المشاركة بين الدول العربية، وفق ظروف مختلفة، وتتراوح بين (15-54%) نجد مؤشراً ثابتاً في تدني مستوى التمثيل في دولٍ عربية أخرى والغياب الكلي أحياناً في غيرها .
ولا يتطلّب تفعيل مشاركة المرأة البرلمانية وضع القوانين والتشريعات واتخاذ بعض الاجراءات الشكليّة فقط ، بل يتطلب أيضا توزيعاً عادلاً للسلطة بين كافة المواطنين بغض النظر عن النوع الاجتماعي أو التمييز على أساس الجنس، فالمواطنة تقوم على الشراكة والمنافسة والمساواة بين كافة أطراف وأطياف المجتمع بعيداً عن التمييز على أساس الجنس والدين والعرق، فبعض الدساتير العربية تشير صراحة لحق المرأة في التصويت والترشّح للانتخابات النيابية والمجالس التمثيلية، وبعضها يشير الى ذلك ضمناً – على استحياء- وبعضها لا تتضمن الدساتير أية اشارة لحقوق المرأة السياسية .