قانون العمل الجديد: رؤية تقليدية وتكريس للأدوار النمطية للنساء



مي صالح
2022 / 1 / 22

ثمانية أعوام مضت منذ بدء الحديث عن مناقشات وتعديلات قانون العمل الموحد التي كانت مطلبا رئيسيا للنقابات والمؤسسات العمالية والحقوقية بعد ثورة يناير كأحد روافد التغيير وتحسن الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية للعاملين والعاملات بالقطاع الخاص وتحديدا بعد إصدار قانون الخدمة المدنية عام 2016 واتساع الفجوة بين العاملينات المدنيين في الدولة والعاملين/ات في القطاع الخاص .

خلال هذه الأعوام السابقة تقدمت المنظمات الحقوقية النسوية وعلى رأسها مؤسسة المرأة الجديدة بعدد كبير من الأطروحات والمطالبات وأوراق السياسات التى تناولت ضرورة إمتلاك القانون لرؤية تشريعية جديدة لحقوق وعلاقات العمل تتلاءم مع تطور أدوار النوع الاجتماعي في طريق المساواة بين الجنسين وتقليل معدلات البطالة بين النساء والتى تصل إلى 24%، ومع كل مسودة جديدة تظهر كانت ترتفع معها أحلام وأمانى العاملات والمؤسسات المهتمة فى قانون أكثر عدلا وفق معايير العمل اللائق يكون من شأنها تحسين أوضاع النساء فى سوق العمل كما وكيفا ، غير أنه ومع الأسف كلما اقتربنا من المسودة النهائية التى يتم مناقشتها الان فى مجلس الشيوخ نجدها تنطوي على العديد من الإشكاليات التي قد يبدو بعضها فى صورة ميزات جديدة يمنحها القانون للعاملات بالقطاع الخاص بينما هى فى باطنها تعيد تكريس الأدوار النمطية التي تناولها القانون الحالي منذ عام 2003 وتقلل من مشاركة النساء في سوق العمل وخصوصًا مع تغير خريطة ونظم العمل أثناء وبعد الجائحة .

التمييز لا يزال حاضرا

كان من الملفت حقا للنظر والدهشة استمرار القانون فى حرمان فئات بعينها من مظلة الحماية متجاهلا كل الفجوات التشريعية السابقة والمطالبات المستمرة بتعديل هذه النصوص التي انطوت على ظلم واضح فكان منها على سبيل المثال :

استمرار حرمان العاملات بالزراعة البحتة من الحقوق الانجابية التي تضمنها باب تشغيل النساء في تمييز واضح غير مبرر فضلا عن كل أشكال التمييز اليومى التى يتعرضن لها من حيث الأجور والحرمان من الموارد والملكية .

استمرار استثناء عمال و عاملات الخدمة المنزلية – وخصوصا العمالة المصرية – من القانون بالرغم من مطالبات المؤسسات الحقوقية المختلفة والمجالس القومية لضرورة شمول عمال و عاملات الخدمة المنزلية بالحماية التشريعية والاجتماعية على مدار السنين وهو ما دعى أيضا منظمة العمل الدولية لإصدار الاتفاقية 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين عام 2011 .

كذلك وبالرغم من نص القانون فى أحد مواده على ضرورة المساواة في الأجور وعدم التمييز لأي سبب إلا أن ضمانات الحماية من مخالفة النص لم تكن دوما واضحة وكافية فى هذا السياق مما يفسر أن الفجوة النوعية فى الأجور فى القطاع الخاص قد تجاوزت 25 % بسبب العقلية الذكورية التى لازالت تحكم أصحاب العمل وتراجع أولويات قضايا النساء والنوع الاجتماعى فى برامج التنظيمات النقابية .

عمالة الأطفال

حمل مشروع القانون الجديد معه أيضا نفس إرث ومواطن الضعف التى تضمنها القانون الحالى وعلى رأسها السماح بعمالة الأطفال ووضع قواعد منظمة لها بالرغم من تحديد إتفاقية حقوق الطفل منذ عام 1989 لسن الطفولة وهو 18 عاما، وتأكيد الاتفاقية على عدة مبادئ أساسية ومنها مصلحة الطفل الفضلى وضرورة حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي بالإضافة إلى توفير فرص التعليم الملائمة للطفل وهى حقوق يتم انتهاكها بشكل صارخ بموجب القانون وذلك إذا وضعنا فى الإعتبار أيضا غياب قدرة الأطفال على التنظيم والمفاوضة وعلى اتخاذ القرارات فى الأسرة أو العمل مما قد يحرمهم من الحقوق الأصيلة ويجعلهم الطرف الأضعف دائما فى علاقات العمل غير المتكافئة.

غياب الحماية من العنف الجنسي

مما لا شك فيه أن المسودة الاخيرة التى تناقش الآن قد شابها بعض أوجه القصور ولكن يظل أخطرها على الإطلاق هو غياب آليات وسياسات وإجراءات الحماية من العنف داخل أماكن العمل، والغريب أنه بالرغم من وجود باب كامل بقانون العمل بعنوان السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل إلا أن المشرع لم يأخذ فى اعتباره أن آليات الحماية من العنف وتوفير بيئة عمل لائقة وآمنة للعاملات هي من صميم بيئة العمل وفى حين يهتم القانون بضرورة توفير المنشآت لسبل الوقاية من المخاطر البيولوجية والكيميائية والفيزيائية فكان من الأجدر به أيضا أن يؤكد على ضرورة الحماية من المخاطر الإجتماعية والجنسية والتي كثيرا ما يتسبب فيها عدم اتخاذ الإجراءات الأساسية اللازمة داخل أماكن العمل مثل عدم الالتزام بكاميرات المراقبة وغياب الإضاءة ببعض المواقع وعدم ملائمة أو عدم توفر وسائل مواصلات أمنة من وإلى أماكن العمل بالإضافة إلى غياب آليات الشكاوى والتحقيق وتأمين حماية المبلغات والشهود والتى غالبا ما تفضى بالنساء إلى ترك العمل ، كما كان يتوجب على المشرع أن يضيف مهمة أخرى الى مهمات مفتشى السلامة والصحة المهنية لمراقبة ورصد أشكال العنف الجنسي الموجه تجاه النساء وفقا لما ورد في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 والتوصية 206 الملحقة بها بشأن القضاء على العنف والتحرش فى عالم العمل الصادرة عام 2019.

ترسيخ الأدوار النمطية للنساء

تعد أهم أسباب احتفاء النقابات ووسائل الإعلام بهذه المسودة تحديدا هى أنها ساوت فى الحقوق بين العاملات فى القطاع الحكومى والعاملات بالقطاع الخاص وخاصة فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية فى باب تشغيل النساء والذي ورد كالتالى:

مادة 50

للعاملة الحق في الحصول على إجازة وضع لمدة ثلاثة أشهر تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه على ألا تقل مدة هذه الإجازة بعد الوضع عن خمسة وأربعين يومًا، بشرط أن تقدم شهادة طبية مبينا بها التاريخ الذي يرجح حصول الوضع فيه، وتكون هذه الإجازة مدفوعة الأجر، وفي جميع الأحوال لا تستحق العاملة هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها

وتخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل اعتبارًا من الشهر السادس للحمل، ولا يجوز تشغيلها ساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل وحتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الوضع

مادة 51

يحظر فصل العاملة، أو إنهاء خدمتها أثناء إجازة الوضع المبينة بالمادة السابقة.

ولصاحب العمل حرمانها من التعويض عن أجرها الذي يلتزم بأدائه عن مدة الإجازة أو استرداد ما تم أداؤه منها إذا ثبت اشتغالها خلال الإجازة لدى الغير، وذلك مع عدم الإخلال بالمساءلة التأديبية.

مادة 52

يكون للعاملة التي ترضع طفلها خلال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع، فضلا عن فترة الراحة المقررة، الحق في فترتين أخريين للرضاعة لا تقل كل منهما عن نصف ساعة، و للعاملة الحق في ضم هاتين الفترتين.

وتحسب هاتان الفترتان الإضافيتان من ساعات العمل ولا يترتب على ذلك أي تخفيض في الأجر.

مادة 53

مع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة (72) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم (12) لسنة 1996، يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم خمسين عاملًا فأكثر الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين، وذلك لرعاية طفلها، ولا تستحق هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها.

مادة 54

للعاملة أن تنهي عقد العمل بسبب زواجها، أو حملها، أو إنجابها، على أن تخطر صاحب العمل كتابة برغبتها في ذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج، أو ثبوت الحمل، أو من تاريخ الوضع بحسب الأحوال، مع مراعاة ألا يؤثر ذلك على الحقوق المقررة لها وفقًا لأحكام هذا القانون، أو لأحكام قانون التأمين الاجتماعي.

مادة 55

يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله خمس عاملات فأكثر أن يعلق في أماكن العمل، أو تجمع العمال نسخة من نظام تشغيل النساء

مادة 56

على صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارًا للحضانة، أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص.

وتلتزم المنشآت التي تقع في منطقة واحدة وتستخدم كل منها أقل من مائة عاملة، أن تشترك في تنفيذ الالتزام المنصوص عليه في الفقرة السابقة، وذلك بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص.

والحقيقة أن هذه النصوص السابقة – برغم كونها تبدو خطوة إيجابية – إلا أنها تحتاج من المشرع لرؤية أكثر شمولية وبالتالى يحتاج تطبيقها إلى آليات ورؤى مختلفة للقانون كما تحتاج إلى التأكيد على أن الدور الإنجابي هو مهمة مجتمعية ولا يجب أن تدفع النساء ثمنها بالحرمان من العمل وذلك حتى تصبح التعديلات الجديدة متوافقة مع الواقع العملى الذى لا يخفى على أحد فيه أن الحكومة متوقفة بصورة كبيرة عن التعيينات الجديدة منذ عام 2004 وبالتالي فإن التعيينات مقتصرة على القطاع الخاص الذى كان ولا يزال بكل أسف يعتبر أن الحقوق الانجابية المكفولة للنساء بموجب القانون والمواثيق الدولية هى بمثابة خطاب توصية لرفض تشغيل النساء أو إنهاء عملهن بمجرد الزواج أو الحمل.

وأن أصحاب العمل لا يلتزمون عادة ببعض النصوص القانونية ومنها على سبيل المثال لا الحصر إنشاء دور الحضانة وهو الحق الذي لطالما دافعت عنه مؤسسة المرأة الجديدة وطالبت به العديد من النقابيات على مستوى الجمهورية ، لاسيما فى ظل غياب وضعف العقوبات على مخالفة القوانين التى كانت محفزا لمنشآت القطاع الخاص فى التنكر من هذا الإلتزام .

كما أن إضافة جملة “لمساعدة المرأة في التوفيق بين عملها ومسؤولياتها العائلية ” فى صياغة القوانين والقرارات الحكومية هي تأكيد على ترسيخ الأدوار النمطية للنساء فى ظل غياب تقسيم عادل للأدوار داخل الأسرة والمجتمع ، وبناءا على هذه المدخلات فإننا نأمل في إعادة صياغة تعديلات القانون لضمان تفعيلها في طريق المساواة بين الجنسين.

تعديلات ومطالب لا غنى عنها فى القانون الجديد:

فى حين وصلت مصر إلى الترتيب 146 من إجمالي 156 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2021 من حيث المشاركة الاقتصادية للنساء، كان من المتوقع أن تبذل الحكومة جهودا أكبر من أجل دعم زيادة نسبة مشاركة النساء في قوة العمل والتي تشكل حاليا نحو 24.2 % من إجمالى قوة العمل فى مصر بما يمثل تقريبا 7 ملايين امرأة ومن أهم هذه الجهود أن يتم تغيير فلسفة القانون بما يساعد على سد الفجوة النوعية وذلك بالاستجابة إلى استراتيجية تمكين المرأة التى تهدف إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة فى قوة العمل إلى 35 % بحلول عام 2030 وذلك تماشيا مع أهداف ومؤشرات أجندة التنمية المستدامة وكذلك بالاستجابة إلى مطالبات المؤسسات النسوية والتى عرضت عدة مقترحات بديلة لتغيير هذه الأوضاع ومنها على سبيل المثال:

أولا: تعديل المادة 56 الخاصة بدور الحضانة لتصبح: على صاحب العمل الذي يستخدم خمسين عامل وعاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارًا للحضانة، أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص والهدف من هذا التعديل هو التأكيد على أن مسئولية الأبناء مسئولية مشتركة للآباء والأمهات ومن ثم يقلل فرص التنكر من هذا الإلتزام.

ثانيا: تبني الاتجاه العالمي لاستبدال أجازة رعاية الطفل الإجازة الوالدية والتي يحصل عليها في الأغلب أحد الوالدين ممن يكون راتبه أقل وفيها أيضا تأكيد لمبدأ عام وهو أن الدور الرعائي ليس قاصرا على النساء فقط، وأن ترك بعض النساء للعمل لسنوات طويلة يؤثر بشكل واضح على مستقبلهن المهني ومن ثم يجعل تفوق الرجال على النساء فى بعض المهن هو أمر طبيعي ومتوقع بالإضافة إلى ضعف فرصهن فى الترقي وتقلد المناصب القيادية.

ثالثا: التراجع عن المادة 54 التي تمنح للعاملة الحق فى إنهاء التعاقد بسبب الزواج أو الحمل وخاصة أن إجراءات إنهاء التعاقد متقاربة في جميع الأحوال، غير أن وجود هذه المادة يعطي انطباعا سلبيا عن هشاشة عمل النساء وتدوير العمالة مما يشجع أصحاب العمل على إنهاء التعاقد بصورة قسرية وتعسفية بمجرد إعلان العاملة موعد الزواج.

رابعا: إضافة نصوص خاصة بسياسات وإجراءات الحماية من العنف الجنسي داخل أماكن العمل وفق ما جاء في بنود الاتفاقية 190 التى ندعو الحكومة للتصديق عليها فى أقرب وقت حتى لا نحتاج إلى إجراء تعديل تشريعى جديد بعد عدة سنوات قليلة.

خامسا: تخصيص اهتمام أكبر في القانون للتدريب والتأهيل المهنى داخل المنشآت الصناعية في القطاع الخاص ووضع أولوية لخريجات التعليم الفني اللاتي لا يزال 81 % منهن خارج قوة العمل بسبب عدم توافق المناهج التعليمية مع متطلبات سوق العمل وأيضا بسبب عدم قدرتهن على العمل بالمهن الحرة في ظل الثقافة المجتمعية وغياب آليات الحماية من العنف.

سادسا: حظر عمالة الأطفال بموجب القانون وتقييدها لتصبح فقط في إطار التدريب المهني بحسب مقتضيات مناهج التعليم الفني الثانوي وتوقيع عقوبات على أصحاب المنشآت التي تستخدم أطفالا تحت السن.