الحركة النسوية



صالح مفقوده
2022 / 1 / 23

أولا-المرأة عبر العصور، نظرة تاريخية.
بقي الإنسان في العصور السحيقة ردْحًا من الزمن هائمًا في الطبيعة، يتغذّى على الأعشاب ويحتمي من شرور الطبيعة بالطبيعة نفسِها، وحين يلتقي الذكر بالأنثى كانا يَحُسَّانِ برغبة الاتصال وحنين اللّقاء، وينتج عن اللقاء الحميمي الجِنْسي توالدُ البشر، ولم يربط الإنسان الأول بين الإخصاب ودور الذكر، بل كان يعتقدُ أن روحًا تحلُّ بالأنْثى فيجعلها تَحْبُل
( ).
في ذلك الحين لم يكنْ أيُّ تفوق لأحد الجنسين على الآخر، كانت الحياة مشتركةً تمامًا والمساواة مطلقة، كلاهما كان يقتات من الثمار ويعيش على الصيد، ولقد أثبتت أبحاث الأنثروبولوجيا أنَّه في تطور البشرية... لم تكن فوارق تذكر بين الصفات الجسدية للرجل والمرأة، وأن كليهما كان يتمتع بقوة ومرونة شبه متماثلتين (
)).
كان الفرد يومَها خاضعًا للجماعة، والحياة كانت جماعية، وكان بإمكان المرأة أن تتصل بعديد الرجال وكذا الرجل، أما الأبناء فيتبعون القبيلة بأكملها، وهذا ما أطلق عليه ‘’ باكوفين’’ Johann Jakob Bachofen الزواج الجماعي ( ) وباكوفين هو من اكتشف النظام الأمومي أو الأمُوسِي، حين كانت الأم هي من يهتم بتربية الأبناء وتتولى رعايتهم بمفردها وإليها ينتسبون، ولا ينسبون للأب، بل إن الأب لا يُعْرَف في كثير من الأحيان. وبعد مدة اكتشف الإنسان الصّيد، وتخلفت المرأة منشغلةً بشؤون الأولاد وشؤون الحمل والولادة، بينما اشتغل الرجل بالخروج إلى الصيد، والصّيد مرتبط بالقتل، مرتبط بالدم، وبذلك صار الدم مكروها، إلا أثناء الصيد، ولذلك فإن المرأة أثناء الحيض أو الولادة كانت مكروهة، وصارت تُخفِي نفسها حتى لا تُرى، ومن ثم نشأ الحجاب الذي أخذ في عصور لاحقة تبريراتٍ دينيةً وسيكولوجية تصفُ المرأة بأوصاف مختلفة مثل القُصور وعدم رجحان العقل ( ).
في مرحلة موالية ومع اكتشاف الزّراعة انتظمت الأسرة أكثر، واستقر المجتمع، وامتلك الرجلُ الأرض وما عليها، كما امتدت ملكيته إلى المرأة والأبناء، وتحول النّظام إلى نظام أبوي، أين صار الأبناء يُنْسبون إلى الأب بعد أن كانوا ينسبون إلى الأم، تقول’’ سيمون دي بوفوار» ‘’ Simone de Beauvoirوحين ظهر النظام الأبوي أخذ الأب يتمسك بذُرِّيَتِه، واعْتُبرت المرأة حاميةً ومُغَذِّية لبذْرَةِ الرجل فقط ( ) «. وبذلك فقد انحطت مكانة المرأة مقابل ارتفاع مكانة الرجل، واعتبر عمل المرأة أمرًا ثانويا، ونُسِب الأبناء لأبيهم لأن المجتمع الزراعي إنما يهتم بالأبناء باعتبارهم أيدي عاملة، يتم استغلالها في خدمة الأرض، وقد استتبع هذا النظام واحدية الزواج، فلم يعد بإمكان المرأة أن تتزوج بأكثر من رجل على خلاف الرجل الذي سُمِح له بالتزوج بعديد النساء.
هذه النُقلة النوعيّة يدعوها‘’ أنجلز " Friedrich Engels"هزيمة النساء التاريخية" لأن المرأة فقدت خلالها ميدان الشغل في الخارج، وانحصرت أعمالها في حيّزٍ محدود، هو البيت، وتحوّل الجنس بذلك من حاجة بيولوجية مُلِحّة يحقق إشباعُها لذةً إلى وسيلة للإخصاب بالدّرجة الأولى. وقد كان الناّس في بعض القبائل يرمزون إلى العضو الذكوري برمح، وإلى العضو الأنثوي بحفرة ( )، ونتج عن التحول في السّلطة أيضا ظهور التّسري والاستمتاع بالإماء، وحينما كانت تقام الحروب كان ينتج عنها الرِّق، وصار الجنس غير المنظم فعلا شرِّيرا تُعاقب عليه الشّرائع.
منذ تلك الهزيمة التاريخية للمرأة وهي تعاني الاضطهاد، يقول محمود يوسف عن المرأة: «إنها ظُلِمتْ في كل الشرائع لأن واضعيها رجال» ( ). وإن نظرة سريعة في تاريخ الأمم والشعوب تبين بجلاء المكانة المتدهورة للمرأة، فالمجتمع الروماني أنْكر أنّ للمرأة روحا خالدة مثل الرجل، وقد عُرِضتْ هذه المسألة خلال التجمع الذي انعقد في ماكون سنة 586م، فتم الإقرار بعد مناقشاتٍ حادةٍ بأن المرأة إنسان، ولكنها خُلِقتْ لخدمة الرجل ( )
وقد كرست الكنيسة تقييد المرأة وتَحْجِيبها، وقبل ذلك، فإن السّومريين الذين بدأت حضارتهم –تخمينا -في الألف الخامس قبل الميلاد، كان الرجل عندهم هو المسيطر، فقد كانت عقوبة الزانية الإعدام، أما الزَّاني فيتم الاعفاء عنه. وفي بابل، كانت قوانين حمورابي تقول إذا أشار الناس إلى زوجة رجل لعلاقة برجل آخر، ولم تُضبطْ وهي تضاجعه وجب عليها أن تُلقيَ نفسها في النّهر محافَظَةً على شرف زوجها ( )، وكذلك الشأن عند الأشوريين واليهود وأهل الصين. وإذا كان سلامة موسى يرى أن المرأة قد فقدت حُضْوَتها بحلول مرحلة الصيد، فإنّ’’ سيمون دو بوفوار ‘Simone de Beauvoir تؤخر هذه الانتكاسة إلى مرحلة الزراعة. أما ‘’ ألكسندرا كولنتاي Alexandra Kollontaï‘’، فلها رأي آخر في الموضوع تضمنته محاضراتها الأربعة عشرة، التي ألقتها في ربيع 1920 على أربعمائة طالبة ممن كُنَّ يتهيأن للعمل في قطاعات نِسوية، وهذه المحاضرات ألقتها في جامعة "سفردلوف" بلننقراد، وقد عددتْ المراحل التي مرّ بها تاريخ النّساء وكان هذا التقسيم على النحو الآتي: مرحلة القطاف والصيد-مرحلة تربية المواشي – مرحلة الزراعة -مرحلة العبودية – مرحلة الاقطاع-مرحلة نشوء الرأسمالية-حكم البروليتاريا ( ). وتبدو المحاضِرة سالفة الذكر متحمسةً لجعل المرأة هي المكتشف للزراعة، وذلك بعد تخلفها عن رحلة الصيد وبحثها عن الحبوب والثمار من أجل القوت، لاحظت المرأة أن الحبوب التي تسقط تنبتُ مرةً أخرى، وبذلك اهتدت المرأة إلى الزّراعة، لكن هذا الاكتشاف وهذه المعرفة سرعان ما طواها النّسيان، كما تشير "الكسندرا" إلى الاستخدام المبكر للنّار من قبل المرأة للطبخ أو للأواني الفخارية، وتعد زخرفة الأواني المحاولة الفنية الأولى التي عرفتها البشرية، وهي على يد المرأة ( ). كما تَنْسِبُ المُحَاضِرَةُ للمرأة فضيلة اكتشاف الوقوف، بعد أن كان أسلافنا يزحفون كالقِرَدة، إذْ تعلمت المرأة الوقوفَ عن طريق إمساك الابن بيد والدفاع باليد الأخرى. وإذن فإن للمرأة فضائل كبرى وقد تمتعت في حِقَبٍ متعددة بالعِزَّة، والحكايات الشعبية تشهد بذلك، فالأسطورة اليونانية تروي مغامرات نصف الإله هرقل، وتصف رحلته إلى بلد تسيطر عليه الأمازونيات المحاربات، وقد عزم هرقل حينها على وضع حد لسيطرة النّساء ( ).
لقد كانت المرأة تُبجَّلُ وتُقدَّرُ كما تُقَدَّرُ الأرض، ثم اكتشف الإنسان أن خصوبة الأرض لا معنى لها إِنْ هي لم تُسقَ بماء السماء، كما اكتشف أنَّ الأنثى تظل عقيمًا من دون الرجل، وبذلك صار الاهتمام بالأرض والسّماء معا، وبالمرأة والرجل في وقت واحد.
لقد أدى اكتشاف الحِرَفِ المختلفة إلى جانب الزراعة، إلى تقسيم العمل، مما جعل مَهَمَّةَ الفلاح تتراجع، وتظهر الملكية الخاصة، وتم تقسيم المجتمع إلى قسمين: أحرار وعبيد، وهنا ستعرف المرأة تدهورا وسقوطًا مثل السقوط الذي ستعرفه في المرحلة الموالية (مرحلة الإقطاع) حيث كان المجتمع مقسمًا إلى الطبقات الآتية:
1-طبقة مُلاك الأرض أو الفرسان 2-طبقة الفلاحين 3-طبقة البرجوازيين. كان مالك الأرض أو الفارس حرًّا، تقوم حياته على الحروب وقطع الطرق، والتّصرف في المرأة كما يهوى، أما الفلاّحون فكانوا خاضعين لسيطرة واستغلال صاحب الأرض، والنّساء لدى هذه الطبقة كنّ ذوات مكانة تافهة، فعلاقة الفلاح مع زوجته الفلاحة مثل علاقة الإقطاعي مع زوجته ومثل علاقة الإقطاعي مع الفلاح، وللإقطاعي مطلق الحرية في الاستمتاع بزوجة الفلاح. غير أن الأمر لم يبق على هذه الحال، ففي نهاية العصر الوسيط الذي هو نهاية عصر الإقطاع ثارتْ الطبقة البروليتارية ضد البرجوازية بمعناها الأول من البورج أي سكان المدن، ولعبت النساءُ دورًا مهما في هذه الثورة، وكن ينظمن أنفسهن في جمعيات، وفررن بأنفسهن من جحيم الإقطاع إلى المدن التي نشأت حديثا بفعل اكتشاف الأسواق ونشأتها عن طريق المقايضة، وكانت الجمعيات النسوية تعاقب كل امرأة تبيع جسدها خارج البيوت الخاصة ببنات الهوى ( )
وبنهاية عصر الإقطاع الذي هو نهاية العصر الوسيط، يبدأ عصر النهضة الأوربية الذي تقول عنه ‘’ألكسندرا كولنتاي Alexandra Kollontaï‘’ «والأصحُ عندنا هو اسم مرحلة تكَوُّن الرأسمالية»( ).وقد عَرَفَ عصرُ الرأسمالية هذا تشغيل أعدادٍ هائلةٍ من النِّساء الأرامل، والبنات اليتيمات، وبدأ البحث عن أسواقٍ جديدة، وقد ذاقت الشعوب خلال هذه المرحلة ويلات الاستعمار، كما ذاقت المرأة خلال هذه الفترة ألوانًا من الذُّل والعدوان، وإذا كانت المرأة المتفوقة علميا والمتميزة اجتماعيا قد حققتْ جدارتها فإن النساء الفقيرات فقد بقين مُحتقَرَات.
تؤكد "كولنتاي" خلال محاضراتها أن وضع المرأة مرتبط بدورها في الإنتاج والاستفادة من هذا الإنتاج، وهما المؤشر الحقيقي على حرية المرأة، وترى أن حركة تحرر النّساء في العالم الغربي حركة لا تهتم إلا بفئة خاصة من النساء، أما الفقيرات فلا مكان لهنّ في مطالب المجتمع الرأسمالي، وهي تنتقد المجتمع الغربي في مقابل الانتصار للاتحاد السوفيتي الاشتراكي آنذاك، وهي كمفكرة شيوعية، ترى أن حرية المرأة لا تتحقق إلا في مجتمع اشتراكي يسير نحو الشيوعية.
ثانيا -الحركة النسوية
بدأت أول حركة تنادي بإعطاء المرأة حقوقها في أوائل القرن الخامس عشر في فرنسا من خلال كتاب (مدينة السيدات سنة 1405) للشاعرة الفرنسية "كريستين دو بيزانChristine de Pizan"؛ والذي دافعت فيه عن حقوق المرأة في مواجهة ما كان ينشره رهبان ورجال الكنيسة عن احتقار المرأة والتقليل من شأنها. وكان معظم ما تطالب به النساء وقتها، حق الملكية الفردية وحق التصرف فيما تملك، وحق التعلم. ثم ألفت " ماري دو كروناي" كتاب (المساواة بين الرجل والمرأة) عام 1622 وطالبت فيه بحق المرأة في التعليم. أما في عام 1791 فقد نشرت الكاتبة الفرنسية " أوليمب دو غوج Olympe de Gouges" بعد سنَتَيْن من الثورة إعلاناً حول حقوق المرأة كان سببًا بالحكم عليها بالإعدام فوق منصة المقصلة عام 1793 بتهمة مناهضة الثورة• ( )
في ظل تردي أوضاع المرأة وسيطرة المجتمع الذكوري، بدأت حركات تحرر المرأة منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد مهد لذلك الجهود التي قام بها المسرحي النرويجي’‘هنريك إبسنHenrik Johan Ibsen "من خلال مسرحيته الشهيرة " بيت الدمية " 1878. ( )A doll’s houseتتناول المسرحية حياةًزوجيةً قائمة على الزّيف والأكاذيب، مما يجعل البطلة الزوجة تنهي هذه الحياة الزوجية. وقد أكد "هنريك ابسن" في كلمة له ألقاها أمام الجمعية النرويجية لحقوق المرأة عام 1898 أنه لا ينسِب لنفسه شرف العمل بعناية من أجل حقوق المرأة، حيث إنه كتبها بدون أن يقصد الدّعاية، بقدر ما كان يهدف إلى رسم صورة واقعية للإنسانية( )وفي الجانب العملي والعُمالي شهدت الولايات المتحدة الأمريكية ظهورسلسلةمن المظاهرات والاحتجاجات النسائية لعل أبرزهامسيرة الاحتجاج التي انطلقت عام 1820، حيث خرجت النساءالعاملات في’’كومنولث “ماساتشوستس‘’Commonwealth of Massachusettsيُنَدِّدْن بظروف العمل القاسية وبالأجر الزهيد، فقدكُنَّ يشتَغِلن أكثر من 12 ساعة في اليوم، مماأثر على صحتهن وسُمِّيَّتْ تلك المظاهرات بمظاهرة النحيلات لأنهن كن بالفعل في بؤس شديد، هذه الحركة الاحتجاجية كانت الشرارة للإضراب الذي شنته عاملات مصنع القطن » لوريل «سنة 1834طالبت النساء خلاله بالمساواة مع الرجال في الحقوق، وتولدعن هذا الإضراب التاريخي ظهورأول جمعية نسوية في الولايات المتحدة الأمريكية. 1944 هذه المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات مهدت لاحِقًا للمظاهرة الكبرى التي انطلقت يوم 08 مارس 1908 حيث خرجت عاملات النسيج في نيويورك في مسيرة ضخمة تطالب بتحسين ظروف العمل، ومنع شغالة الأطفال وحق المرأة في الاقتراع، ومهدت هذه المسيرة لمسيرة كبرى في السنةالموالية إذْ شنَّت أكثر من30ألف امرأة إضرابا استمر لمدة أكثر من 13 أسبوعا، لم تسلم النساء خلاله من المتابعات وتسليط العقوبات، لكن وبالمقابل فإن هذه الاحتجاجات أتتْ أُكْلها بمرور الزمن، ولقد تم اعتماديوم 08 مارس يوما عالميا للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاجن ب"الدانمارك" وهذا بعد موافقة منظمةالأمم المتحدة في عام 1977حيث
تحول هذا اليوم إلى رمزٍ لنضال المرأة، تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن وتذكير الضمير العالمي بالحيْف الذي عانت ومازالت تعاني منه ملايين النساء عبر العالم( ).
نلاحظ إذن أن حركة تحررالنساءأخذت طابَعَيْن: طابعا ثقافيا أدبيا انطلق من المسرح على الخصوص والأدب بصفةعامة،قام به رجال ونساء، وطابع نقابي عمالي كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المهدالأول له، وماكان يحدث في أمريكا كان ينتقل إلى أوربا، وقدعرفت النّسوية تبلورًا كنظرية بعدأحداث الطلبةعام 1986 في فرنسا وهي الأحداث التي انتشرت خارج فرنسا أيضاحيث أعلن الشباب تمردهم على الوضع القائم في جميع جوانبه لدرجةاستقال معهاالزعيم التاريخي’’شارل ديقول ’’Charles de Gaulle، وقدلعبت الفتيات الدورالكبير في هذه الأحداث مماأعطى نفسا جديدا للحركة النسوية بل الأولى أن نقول إن ذلك أعلن ميلادالنظريةالنسوية( )
ثالثا – مفهوم النظريةالنسوية
يمكننا الاستعانة في الاقتراب من مفهوم النظرية النسوية بموسوعة Universalis حيث جاء في تعريفها: هي حركة سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية معقدة ظهرت في الثلث الأخير من القرن العشرين في الثقافة الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا) لتمتد بعد ذلك، بأشكال مختلفة، إلى جميع مناطق العالم ( )
وهي تطرح مسألة هيمنة الجنس الذكوري، إن بعض التوجهات النسوية ترى أن الأنثوي هو بناء ثقافي واجتماعي، وليس معطى طبيعياً في حين ترى بعض التوجهات الأخرى من نفس النظرية، أن النسوية تعني بيان الدور الفعال للمرأة في كل المجالات والذي ينبغي أن يُثمن، وأن تحل نظرية جديدة محل النظرية القديمة الظالمة للمرأة.
وورد في تعريف هذه النظرية بأنها منظومات من المفاهيم والافتراضات والتحليلات التي تصف أوضاع النساء وتجاربهن وتقف على أسبابها، وتقدم رؤى ووجهات نظر تتعلق بكيفية تحسين هذه الاوضاع أو تغييرها ( )
اتجاهات الحركة النسوية:
نشير إلى أن النظرية النسوية ليست اتجاها واحدا بل هناك حركات مختلفة يمكن تحديدها كما يلي:
أ – النّسويّة اللّيبيراليّة: يقوم هذا الاتجاه على الفكر الليبرالي الحر، ويطالب بالمساواة بين الأفراد من الجنسين، وينشد الحرية، ويُعَدُّ هذا التيار من أقدم التيارات، وهو تيار يحارب تميز الأجناس والألوان والأعراق.
ب – النّسويّة الرّاديكاليّة: يدعو هذا التيار الى الانفصال عن مجتمع الرجال، وإقامة مجتمع للنساء، ويرى هذا الاتجاه أن المرأة تتفوق على الرجل في مجالات الحياة، فهي الحافظة على النوع الإنساني، وهي أشد إحساسا ومقاومة.إن هذه النظرية هي رد فعلي للنظرية الذكورية التي تقول بتفوق الرجل.
ج – النّسويّة الماركسيّة: من بين فروع النظرية النسوية، النّسوية الماركسية، وهذا الفرع ينطلق من رؤية ماركسية للوجود، حيث يربط هذا الاتجاه بين الرأسمالية وقمع المرأة، فقمع المرأة ظهر منذ ظهور الملكية، ومن ثم تم استغلال المرأة بحجة عدم كفاءتها. ( ) وإذا كان الاتجاه الراديكالي يفضل النساء على الرجال ويقوم بالتفرقة بين الجنسين فإن الاتجاه الماركسي يدعو إلى المساواة في تنشئة الأبناء وفي العمل المنزلي كما في العمل الخارجي وفي نبذ الرأسمالية باعتبارها مصدر الشرور. ( )
الموجات الثلاث للحركة النسوية
وهناك تقسيم مشهور للحركة النسوية يجعلها ثلاث موجات ( ):
الموجة الاولى؛ وظهرت في القرن التاسع عشر في كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الامريكية بشكل أساسي، واستمرت حتى مطلع القرن العشرين، اتسمت في بعض فتراتها بأنّها كانت راديكالية وذلك طبيعي في ظل التعسف الذي كانت تواجهه الانثى آنذاك، وكانت تركز في تلك المرحلة على تحقيق حقِّ المرأة في الانتخاب، والقضاء على سيطرة أو ”امتلاك“ الزوج لزوجته وأطفاله، ومما حققته الحركة اثناء هذه الموجة في بريطانيا هو حصول النساء المالكات للمنازل وممن تزيد أعمارهن عن ثلاثين سنة على حق التصويت عام 1918، وتوسع هذا الحق عام 1928 ليشمل جميع النساء ممن تجاوزت أعمارهن الواحد والعشرين اينما تقرر إجراء استفتاء. أمَّا في الولايات المتحدة الأمريكية فقد حصلت المرأة على حق التصويت عام 1919.
وبما أن هذه الموجة كانت سياسية بالدرجة الأولى، ومع تطور الأهداف النسوية لجوانب أكثر من السياسة انتهت هذه الموجة وتوسعت التطلعات النسوية، وأصبحت طرقها وأفكارها أكثر تحضراً وتعقلاً في القرن العشرين.
الموجة الثانية في تاريخ الحركة، واستمرت منذ بداية الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، واتخذت هذه الموجة شكلاً أكثر تحضراً وأقل راديكالية من سابقتها، ولكن أكثر عنصرية بوصفها موجهة للنساء البيض حصراً، كما أنها ركزت على جوانب حياتية مختلفة بالإضافة للجانب السياسي، أهمها الغاء التمييز بين الجنسين بشكل كامل في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حد سواء. ولعل الكاتبة’’ سيمون دو بوفوار Simone de Beauvoir ‘’ تعد رمزا لهذه المرحلة بكتابها «الجنس الآخر» كانت ’’ سيمون دو بوفوار Simone de Beauvoir ‘’ تعتقد أن الوضع البشري واحد بالنسبة للجميع ذكراً كان أو أنثى، وكانت تدافع عن ضرورة تجاوز الاختلافات التي لم يصنعها سوى السياق الثقافي والتاريخي، وهذا هو ما تدل عليه القولة الشهيرة:» إن المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصير كذلك» ( )
الموجة الثالثة: ومع بداية التسعينات من القرن الماضي، ظهرت الحركة النسوية التي عارضت الموجة الثانية في بعض مساراتها وخصوصاً العِرْقِيَّة منها، بوصف النسويات من الموجة الثانية عنصريات للعرق الأبيض، فأخذت الموجة الثالثة بعين الاعتبار التمييز العنصري، وظهرت النسويات ذوات البشرة السوداء للمطالبة بنسوية عادلة ومناديات بحقوقهن، وهو الذي عبرت عنه هذه الموجة جيداً، فأضافت إلى مطالب الموجات الأولى والثانية مطالب أكثر عصرية وتوسعاً وفي الاتجاهات جميعها، مثل حق الاجهاض وحق المرأة في الاستقلال التام والحرية التي من ضمنها الحرية السياسية، وحقها في تقلد المناصب العليا في الدولة. ولعل ما تميزت به هذه الموجة أنها تجاوزت المطالبة بالمساواة بين الجنسين إلى إبراز أهمية المرأة وإلى مراعاة الاختلاف في طبيعة النّساء، يقول محمد الفاهم: إن المقاربات الجديدة تميل أكثر إلى الاعتراف بالنوع وإلى إبراز مفهوم الأنوثة كهوية ضرورية للنسوية، وكما ترى "إيريغاراي" Luce Irigaray فإن فكرة المساواة ذاتها هي فكرة ذكورية لأنها تعني بكل وضوح أن المرأة ينقصها شيء يمتلكه الرجل وأن من حقها الحصول عليه لأنها تستحقه ( )وبالتالي فإن هذه المساواة تتم تسويتها ضمن المنظور الذكوري، أي ضمن الشروط والمقاييس التي يفرضها الرجل هكذا.. هذه الفكرة الشهيرة ل"سيمون دوبوفوار" القائلة بأن «المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصير كذلك»، ترى إريغارايLuce Irigaray أن المرأة عليها أن تضع رهانها من أجل أن تصير امرأة؛ فالأمر يتعلق ببناء الذات وتأسيسها في هذا الاتجاه. تقول: «أنا أولد امرأة لكن يجب علي مع ذلك أن أصبح هذه المرأة التي أكونها بالطبيعة ( )« تقول إحدى الكاتبات: » أما اليوم فقد أستولت (النزعةالإنسانية)على (الحركةالنسوية)، وذلك بإعلان العديد من المناصرين للحركة النسوية بأنَّهم إنسانيون. حيث الإنسانية ليست سوى نظرة أوسع من الحركة النسوية والإنسانيون يؤمنون بالمساواة والاحترام والحقوق للجميع دون أي تحيز".( )
وإذا كان للحركة النسوية جوانبها السياسية والاجتماعية والدينية، فإن مايهمنا هو الجانب الأدبي في هذه النظرية، والحقيقة أن لهذا الجانب دورا كبيرا وأهمية قصوى، فلقد ربط هذا التيار بين اللغة وبين النسوية وأرجع سبب تدهور الحركات النسائية السابقة إلى أن من قام بهده الجهود هم رجال في الغالب، وهذا اعتراف غير مباشر بالخضوع لسلطة الرجل» فليس هناك من يُنْقِذُ المرأة من أوضاعها الإنسانية المتردية سوى المرأة نفسها ( ) «
لقد أكدت النظرية النسوية في هذا الاتجاه على ضرورة ريّادة النساء لتكريس نظريةٍ بديلة عن النظرية السائدة على اعتبار أنه لا يقاوم الفكر القديم سوى فكر جديد، تقوم به النساء ويقوم على الناحية الأدبية اللغوية، لهذا نشرت ‘’ ماري أيغلتونMary Eagleton‘’ عام 1922كتابا بعنوان النقد النسوي الأدبي، أكدت فيه على ضرورة أن تبدأ الحركة النّسوية بهدم النظريات السابقة كي تقيم نظريتها الأدبية والنقدية الخاصة بها.
ولعل أهم المحاور التي تدور حولها أغلب المناقشات عن الاختلاف الجنسي خمسة كما أوردها‘’رامان سلدنRaman Seldon ‘’وهي ( ): البيولوجيا-التجربة- الخطاب- اللاوعي- الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
1 -البيولوجيا: ظلّ الرّجال يعزِفون على وتر الاختلافات البيولوجية بين المرأة والرجل، لجعل المرأة ترضى بالدّور الذي ارتضاه الرجل لها، والسّبب أن هذا الدور هو الأنسب لها، وهو الذي يتماشى وطبيعتها الأنثوية، لكن بعض النّساء المنتميات للحركة النسوية، يقُلْنَ فعلا بهذا الاختلاف، ولكنهن يُعْلِين من قيمة المرأة، ويَرَيْن أن المرأةَ أهمُّ من الرجل بفضل تميُّزها بأعضاء خاصة، ورفضَ هؤلاء فكرة مناصرة الرجال للنساء وتبني قضاياهن، على اعتبار أنه لا يمكن أن تشعر بالمرأة سوى المرأة، وهنا يمكن التّطرق للمحور الثاني.
2 -التجربة: لا يمكن للرّجل أن يعيش التجربة التي تعيشها المرأة، وبالتاّلي فهي المؤهَلَةُ للتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها، لأنها هي وحدها من تعيش تجربة الأنوثة كالإباضة والطمث والمخاض.
3 - الخطاب: ترى الكاتبة ‘’ديل سبندر‘’Spender في كتابها " لغة من صنع الرجل" أن سيادة لغة الرجل وخطابه أمر يسهم في قمع المرأة، فالرجل هو الذي يملك سلطة الخطاب، وبالتالي فهو يُكرّس هيمنتَه وتسلطَه على المرأة، ومن هنا تبادر الكاتبات لمصارعة الرجال على اللغة بدل الانحسار في قوقعة الخطاب الأنثوي، وهناك واُحدة من النساء هي ‘’روبين ليكوف‘’Robin Lakoff إحدى عالمات الاجتماع، ترى أن لغة النساء بالفعل لغة تتميز بالضعف والهشاشة وعدم اليقين، وتركز على التافه والطائش، وترى أنه ينبغي تبني خطاب الرجل لتحقق المرأة المساواة.
4 –اللاّوعي: نجد في هذا العنص ‘’لاكان"Jacques Lacan و’’جوليا كريستيفا Julia Kristeva ’’إِذْ تُعد الناقدة ‘’جوليا كريستيفا ‘’من رواد النّظرية النسوية، وقد قدمت دراسة عن " النقد الأدب النّسوي عام 1986 أوضحت ضرورة المساواة بين الجنسين في الصور والشِّفْرات والدلالات قبل تحقيق المساواة في الحقوق المدية والاجتماعية، وتؤكد الكاتبة أن هذه الحقوق لا تمُنح للمرأة بل عليها أخذها ولكن بوسائل حضارية حتى لا تَنْتَكِس الحركة، ويمكن للتفكيكية أن تساعد الحركة النسوية على تحطيم الحواجز المفتعلة بين الرجل والمرأة.
»من الأراء التي رفضتها ‘’كريستيفا’’ في النقد الأوربي مبدأ، تأصيل الأدب، طبقا للجنس الذي ينتسب إليه الكاتب ذكراً أو أنثى، فهي وانطلاقا من نزعتها النسوية المنفتحة ترفض مقولة الأدب النسوي، فالنّص الأدبي يُقصد لذاته بعيدا عن جنس كاتبه أو كاتبته، فمقولة الأدب النّسوي تمثل نظرة تميزية قد تكون لا واعية ضد المرأة، ومنه تنتهي ‘’كريستيفا ‘’إلى حقيقة أن دراسة الأدب وفقا لمسألة الثنائية الجنسية نظرة فرويدية متعذرة التطبيق« ( )
5 – البعد الاجتماعي والاقتصادي:
أصدر عيسى برهومة كتابا بعنوان «اللغة والجنس» تناول فيه خصائص اللغة النسائية • ( )، وقد أوضح أن المرأة أقدرُ من الرجل على الترنيم والتنغيم وبالتالي على التلوينات الصوتية أثناء السّرد والقصّ أو التعبير عن عاطفتها، وللمرأة طلاقة وسرعة في انتاج الكلام أكثر من الرجل، وذلك بدءاً من السنين الأولى من العمر، لا، بل لوحظ ان التأتأة والتلعثم لدى الذكور تفوق ما لدى الأناث بخمسة أضعاف. وبحسب الباحث ‘’ سويفت ميلر Swift Mailer ’’ فإن كلام الذكور غالباً، هو أقل وضوحاً منه عند الإناث في مختلف المراحل العُمْرِية. ولكن التّفوق النطقي والصوتي ليس كافياً وحده ليمنح الانثى الثقة بالنفس، التي انتزعت منها على مدار قرون خلت، لذلك نجد أن جملها أقصر من جمل الرجل، وفي تراكيبها الكلامية نبرة تساؤليه، فهي غالباً ما تستعمل في سياق الكلام جملاً من نوع: «هل توافقني؟»، «أليس كذلك؟»، «صحيح أم لا؟»، وذلك لأنها تشعرُ ضِمْناً أن كلامها لا يؤخذ على محمل الجد، وتفضِّل المرأة عدم الجزم في الكلام فتستخدم «أظنّ» و«أتصور» و«أتوقع»، وهذا قد يرتبط مباشرة بما يُشاع عن النساء من أنهن أكثر استعداداً من الرجال في التراجع عن أقوالهن. وتميل المرأة كذلك بشكل واضح إلى التقليل من أفعال الامر في كلامها، لكنها في المقابل تستخدم بوفرة الجمل الاعتراضية والتعجبية، فتسمع منها «ما أروعه!»، «ما أفظعه!»، «ما ألذّه!». هذا اضافة إلى انحيازها لألفاظ المجاملة والمبالغة كأن تقول «بياخُذْ العقل»، «بِيجنن»، «رهيب». وبحسب ما تؤكد عليه الدراسات، فإن النِّساء يتركن جملهن مفتوحة غير مكتملة وكأنما بها تردد، ويقفزن من جملة الى أخرى بكثير من التراسل والانسيابية. أما الرجال فأكثر تحديداً وتكثيفاً وحصراً للموضوعات. وإذا كان الرجل يلجأ الى الجمل الطويلة التي تنطوي على التعقيد والتجريد، ويستخدم ألفاظاً صعبة ومعقدة، ليصف أعماله ومشروعاتِه، لأنَّه غالباً ما يشعر بضرورة استعراض عضلاته المعرفية، ويجتهد للسّيطرة على السامع، ولفت نظره، فإن المرأة في العموم بسيطة الجمل، تستخدم سَهْلَ التراكيب وأشد ما يعنيها هو ايصال فكرتها الى الآخرين وإقناعهم بها لا اقناعهم بسطوتها.وليست الصّدفة هي التي تجعل كلام الرجل عن الألوان محصوراً في عدد منها لا يتجاوزها، فهو يتحدث عن الابيض والازرق والاخضر والكُحْلي والبُنّي مثلاً لكنه لا يعبر في كلامه عن معرفته بألوان البَصَلِي والكموني والطحيني والكستنائي والتركواز..
ومن لطائف ما تقرأه في هذا الكتاب نتائج دراسة ميدانية على شريحة من سكان عمّان تُظهر أنّ الرجال يميلون الى نطق حرف القاف كما الجيم المصرية، لأنهم يعدّون ذلك أكثر فحولة، وهذا أمر يَطال المراهقين الذكور أيضاً، الذين يتخيّرون أفضل السبل اللفظية لأثبات تمايز هويتهم الذكورية، كأن يكثروا من استخدام الأصوات الأنفية القوية، لاعتقادهم بأن هذا يظهرهم أكثر حزماً ورجولة. وفي مقابل هذا الإصرار الرجولي على لغة خشونة لا تختلف كثيراً عن لغة الآباء والأجداد، فإن الفتيات الأردنيات، بحسب هذه الدراسة، يمِلْن إلى ترقيق الحروف بما فيها المفخمة مثل (ص، ض، ط، ظ. ومما تتميز به المرأة أيضاً عن الرجل، وتحدث عنه شعراء العرب هو مهارتها في استخدام لغة العيون والإيماءات والإشارات، وهو ما فُسِّر غالباً بالدّهاء بدل أنْ يُعزى إلى الذّكاء مثلاً. لكن لِعُلَمَاء اللغة في تفسير هذه الخصوصية رأياً آخر، إذْ يعتبرون أنّ المرأة مُنِعت من الكلام طويلاً، وحظر عليها استخدام الكثير من العبارات والألفاظ، ولذلك كان لا بد لها أن تجد طريقتها الخاصة في التعويض التعبيري. وهكذا اضطرت إلى إحلال الحركة والايماءة محل الصوت، مما تسبب أيضاً في اكتسابها مهارةً خاصة في ملاحظة الحركات وأدق التغيرات التي تطرأ على وجه محدثها. وهي أكثر حساسيةً للتلميحات من الرجال. ويتكئ الباحث عيسى برهومة لإيضاح أسباب هذه الخصوصية الايمائية عند النّساء على ما ذكره عبد الله الغذّامي في كتابه «ثقافة الوهم» قائلاً: «فكل ما نتلقاه من أدب وتراث عن المرأة هو من نتاج هذه الصورة الخرساء لذلك الجسد النائي، فهذه ليلى وعزة، وبثينة من المعشوقات الهُلاميات (الخرس) مثل اللاّت والعزى ومناة، ممن لم نسمع لهن صوتاً، ولم نتصور وجودهن الفاعل، لأنّ الثّقافة لم تُرِدْهُنَّ للكلام، وإنّما أرادتْ سكوتهن وتحليقهن في سماء المخيال المجنح». ولذلك لا تستغرب أن تجد المرأة تضرب بكفها على صدرها حين تغضب، أو تستخدم يدها لملامسة متحدثها أثناء الكلام، أو تضع أنملها على أسنانها الامامية مع إبقاء الفم مفتوحا عند التوتر والحيرة، فإن التاريخ النسوي القمعي، ونظرة الرجل الدونية للمرأة ما تزال تملي شروطها بقوة على نسائنا ونساء غيرنا من الشعوب. فقد تبيّن مثلاً أن الطلاب الجامعيين الأميركيين يجدون سهولة في إطلاق لقب دكتور أو بروفسور على أستاذهم الذكر لكنهم يميلون إلى استخدام كلمة Miss لمناداة أستاذتهم حين تكون أنثى، وهو ما يفسر أن المجتمع ما يزال يُضمِر نكراناً لقدرة المرأة على ترقي السلم المهني كزميلها الرجل حتى في دولة مثل أميركا. وقد اجري اختبار في الولايات المتحدة لمعرفة مدى اقتناع الطلاب بما تقوله الاستاذة الجامعية نسبة إلى اقتناعهم بما يقوله الأستاذ، فظهر أنهم يشعرون بثقة أكبر بما يسمعونه من أستاذهم، فهم يعتمدون أقواله في الامتحان من دون تعليقات تُذكر، بينما يكتب بعضهم مستشهداً بما سمعه في محاضرة أستاذته مسبوقاً بكلمة «قالت» أو «ذكرت»، رفعاً للمسؤولية وتحسباً من أن تكون قد أخطأت في محاضراتها.
وفي هذا المحور نجد النساء اللائي يربطن بين التحكم في الانتاج ووسائل الانتاج وحرية المرأة، فالحرية مرتبطة بالكسب والشغل، كما نجد داخل هذا المحور فكرة النوّع أو ما يسمى بالجنسية في مقابل الجنس، والجنسية هي ما يعرف بالجَنْدر
الجنسية أو الجندر
أَخذت لفظة (الجندر) في ثمانينيات القرن العشرين تشق طريقها كأحد أبرز المصطلحات المستخدمة في قاموس الحركات النسوية، وقد ظهر هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا الغربية في 1988. جندر Gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني وتعني في الإطار اللغوي Genus الجنس من حيث الذكورة والأنوثة، لكن المرادف الحقيقي لكلمة Gender هو الجنس الاجتماعي أو النوع الاجتماعي أو الدّور الاجتماعي.
يتميز جانب الجنس بحد أدني من العوامل البيولوجية التي تجعلنا نميز جسدًا معينًا باعتباره جسد امرأة أو جسد رجل. أما الجندر فهو قصة الجسد الاجتماعية أو السيكولوجية أو الثقافية، أي أنه النظرة الاجتماعية أو السيكولوجية للاختلاف الجنسي، وهو مجموعة من الصفات المحددة ثقافيا. وإذا عدنا إلى تعريف’’ أوكلي’’ Oakley أستاذة الأنثروبولوجيا التي أدخلت هذا المصطلح إلى علم الاجتماع سنجد أنها تترجم كلمة Sex إلى الجنس، أي التقسيم البيولوجي من حيث هل هو ذكر أم أنثى؟ بينما تشير كلمة gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعياً للذكورة والأنوثة. وبذلك يقصد بالنوع الاجتماعي مجموعة من السلوكيات والمفاهيم مرتبطة بالإناث والذكور ينشئها وينشرها المجتمع. ( )
رابعا -المرأة في المجتمع العربي.
شهدت المرأة العربية منذ العصور القديمة تسلطا من قبل الرجال، ووصل الأمر ببعض القبائل أنها كانت تئد النساء، ولما أتى الإسلام أنزل المرأة منزلا حسنا وأوصى الرسول بها خيرا، لكن النصوص الفقهية حطّت من قيمة النساء، وأجبرتهن على المكوث في البيت مقابل إطلاق الحرية للرجل، وقد كانت تقام أسواق للعبيد، وتعيّن في زمن معين في عاصمة الخلافة بغداد شارع للنخاسة يُباع فيه العبيد وتُجلب له الإماء من مختلف الأرجاء• ( )وقد أضرتْ فكرة الجواري كثيرا بقيمة المرأة ومشاعرها، حيث كانت متيقنةً أن المكانة الأولى في مشاعر زوجها ليس لها بل للجارية المنتقاة لحسنها وجمالها، الأمر الذي جعل المرأة تضطر للخضوع للزوج خضوعا تاما• ( ) وبما أن الجارية محتقرة وهي مجرد وسيلة للمتعة، فقد انتقل هذا الاحتقار إلى الزوجة الحرة، ثم عم احتقار المرأة( )، هذا في القديم أما حديثا فإن الطوائف الأصولية تزامن خطابها بشن خطاب ضد تبرج النساء وخروجهن وحريتهن، ومثل هذه المواقف يُعيد المرأة إلى وضعيتها القديمة قبل عصر النهضة الذي عرف دعوات جريئة لتحرر النساء بدءًا بما نادى به رفاعة رافع الطهطاوي الذي عبّر عن إعجابه بديمقراطية الغرب، ومشاركة المرأة في الحياة، ودعا الطهطاوي إلى تعليم النساء، لكنه لم يجرؤ على مناقشة قضية السفور والحجاب، المسألة التي سيتطرق لها قاسم أمين الذي كان يؤمن بأن لانهضةَ لمجتمع نساؤه قاعدات متحجبات. كتب قاسم أمين عام 1897 كتاب " تحرير المرأة" فأحدث الكتاب - حينها - ضجة وهاجمه بعض رجال الأزهر، وبالمقابل فقد لقي تأييد كثير من الناس من رجال الفكر والسياسة أمثال سعد زغلول، ( ) الذي أهدى له المؤلف هذا الكتاب، كما ألف قاسم أمين بعد ثلاث سنوات كتاب "المرأة الجديدة "، وقد لقي الكتاب تأييد كثير من الأنصار،نذكر منهم ملاك حنفي "باحثة البادية " التي عُرفت بدعوتها هي أيضا إلى تحرر النساء، وقد أَرْسَلتْ إلى المؤتمر الوطني سنة 1910 عريضة احتجاج تطالب فيها بحق المرأة في التعليم الثانوي الذي كان وقتها حكرا على الذكور• ( )
وبعد قاسم أمين أتى عبد الحميد حمدي الذي أسس مجلة أسبوعية عام 1915 سماها "السُّفور" استمرت هذه المجلة في الصدور سبعة سنوات، وكان من كتابها: طه حسين، ومحمد حسين هيكل، ومنصور فهمي. بعد ذلك نجد صيحة هُدَى الشّعراوي التي بادرت سنة 1920 إلى تأسيس لجنة الوفد المركزية للسّيدات، وواصلت هدى الشّعراوي تنصيب اللجان إلى أن أسست الاتحاد النسائي المصري، كما شاركت في المؤتمر النّسائي للرابطة الدولية للتصويت النسائي بروما سنة 1923م وبعد عودتها من المؤتمر وعند خروجها ونزولها من الباخرة نزلت عارية الوجه سافرة بدون حجاب • ( )
كما نشطت الحركات النّسوية في الأقطار العربية الأخرى، فقد عقد المؤتمر الأول للنساء العربيات في بيروت 1919 والمؤتمر الثاني سنة 1922 ومطالب هذه المؤتمرات الدعوة إلى المساواة بين الجنسين في الوظائف المهنية وفي الحقوق، ولا تزال الأصوات الداعية إلى تحرير النساء تؤكد نفس المطالب، نجد ذلك فيما كتبته نوال السّعداوي من مصر، وفاطمة المرنيسي من المغرب، وفاطمة أحمد إبراهيم من السودان، كما نجد أقلاما لأدباء تساند قضية تحرر النساء كماهو الحال عند محمد بنيس من المغرب وواسيني الأعرج من الجزائر. ورغم ماحققته المرأة من الحصول على مواد قانونية في دساتير بلدانها إلا أن قانون الأحوال الشخصية مازال مكرسا لاضطهاد المرأة، ولذلك فهو مَطْلَبُ مراجعة ترفعه الجمعيات النّسوية ومن يساندها من المثقفين والسّياسيين، إذ أن القانون لا يزال يُبْقي على المرأة " مكبلة...يُتَعامل معها كقاصر موصًى عليه"• ( ) وهو ما عبر عنه بأسف محمد بنيس وقد طلبتْ عليه مصلحة الجوازات في بلده المغرب ترخيصا يسمح فيه لزوجته بالحصول على جواز سفر، يقول:« شعرتُ بقهرٍ مضاعف، ألسنَا مواطنين في دستور البلاد، أليست زوجتي راشدةً، أليست مثقفةً مسؤولةً »( )إن الأصوات الداعية لتحرر النساء في العالم العربي حققت بعض النتائج، ولكن المرأة لم تنل حريتها الكاملة، ومع ذلك فإن محمد بنيس يعتبر أن ثورة المرأة العربية ناجحة يقول: » ثورة المرأة هي الثّورة الفريدة التي انتصرت في كل مكان سلمية لامثيل لها » ( )
الهوامش
- سيمون دي بوفوار: الجنس الآخر، تر-لجنة من أساتذة الجامعة، المكتبة الأهلية، بيروت، ص 14
- كولنتاي ألكسندرا: ملاحظات حول تحررالنساء، تر، هنري عبود، دار الطليعة، بيروت، 1980 ص 11
- نوال السعــــــــــــــداوي: المـــــــرأة والجنس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط 2 1972 ص 83
- سلامة موسى: المرأة ليست لعبة الرجل، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بيروت، 1956 ص 17
- سيمون دي بوفوار: الجنس الآخر، ص 14
- غالي شكري: أزمة الجنس في القصة العربية، منشورات دار الآداب بيروت، 1962ص 11 نقلا عن Young: Psychologie of the unconscious. P 16
- يوسف اليوسف: الجنس الرشيق، مطبعة الحرية، مصر، د-ت ص 113.
- أمين قاسم بك: المرأة الجديدة، مطبعة الشعب، مصر، 1911 ص 05.
- ديورانت ول: قصة الحضارة، تر-الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، 1972ج 1 مج 1 ص 232.
- كولنتاي ألكسندرا: ملاحظات حول تحررالنساء، ص1-6
- كولنتاي ألكسندرا: نفسه، ص 14
- كولنتاي ألكسندرا: ملاحظات حول تحررالنساء، ص 30.
- كولنتاي ألكسندرا: ملاحظات حول تحررالنساء، ص 77.
- كولنتاي ألكسندرا: نفسه، ص 91.
- شيماء نعمان: الحركة النسوية الأوروبية وإشكالية الحرية، http://almoslim.net/node/166478 يوم 20/01/2018
- فدوى مساط : المرأة في أميركا.. نضال ممتد من معامل النسيج إلى عتبة البيت الأبيض، https://www.alhurra.com/a/women-right-us-feminism-history/219679.html
بتاريخ 18/01/2018:
- فدوى مساط : المرأة في أميركا.. نضال ممتد من معامل النسيج إلى عتبة البيت الأبيض
- فدوى مساط : المرأة في أميركا.. نضال ممتد من معامل النسيج إلى عتبة البيت الأبيض
- نبيل راغب : موسوعة النظرية الأدبية، الشركةالمصريةالعالميةللنشر، لونجمان، ط1، 2003 ص.653
-https://www.universalis.fr/encyclopedie/feminisme-les-theories
-http://sudaneseonline.com/profile/nickname
-https://ar.wikipedia.org
- علي نصوح مواسي: النّسويّة، https://assiwar.org/2014/04/21// نقلا عن حامبل: النسوية وما بعد النسوية، تر-المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة 2000
- أسماء الدويري: النسوية، الحركة التي لا تكره الرجال، https://dkhlak.com/feminist-movement/ التاريخ 20/01/2018
- الفاهم محمد: موجات النسويّة، http://www.alittihad.ae/details.php?id=24787&y=2015&article=full بتاريخ 20/01/2018
- الفاهم محمد: موجات النسويّة، نقلا عن: جون ليشته: خمسون مفكرا أساسيا معاصرا من البنيوية إلى ما بعد الحداثة، ترجمة فاتن البستاني، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الإولى بيروت 2008 الصفحة غير محددة بتاريخ 20/01/2018
- الفاهم محمد: موجات النسويّة. نقلا عن كتاب ثنائية الكينونة: النسوية والاختلاف الجنسي، مجموعة من الكاتبات، ترجمة عدنان حسن. دار الحوار، الطبعة الأولى 2004 ص 47 بتاريخ 20/01/2018
- استا جوكرا: ماهي الحركة النسوية؟ ترجمة شيدا جسنhttp://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=354046.تاريخ 20/01/2018
- نبيل راغب: موسوعة النظرية الأدبية، ص656.
- رامان سلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، تر-جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1998، ص 195.
- عمار بن طوبال: جوليا كريستيفا وعبقرية النساء، https://www.djazairess.com/djazairnews/5716شر في الجزائر نيوز يوم 02 -11 -2009
- سوسن الأبطح: هل هناك «كلام رجال» و«كلام نسوان»؟ الشرق الأوسطhttp://archive.aawsat.comالاحـد 28 ذو الحجـة 1423 هـ 2 مارس 2003 العدد 8860
- هبه عبد المعز أحمد: مفهوم الجندر، بنك القارئ النهم http://www.fikr.com/article بتاريخ 22مارس 2016.
- سلامة موسى: المرأة ليست لعبة الرجل، ص 22
- سلامة موسى: المرأة ليست لعبة الرجل، ص 22
- سلامة موسى: نفسه، ص 22
- سعد زغلول 1857-1927 أزهري تصدر الوزارة المصرية عام 1924 وترأ مجلس النواب
- قاسم أمين: تحرير المرأة، موفم للنشر، 1988، مقدمة الكتاب بقلم مصطفى ماضي.
- قاسم أمين: تحرير المرأة. مقدمة الكتاب بقلم مصطفى ماضي.

- لجنة التحرير:(المؤنث بين الحقوق والعلاقة الإشكالية)، مجلة مواقف، دار الساقي، بيروت ع 73-74ص11
- بنيس محمد:(المرأة – الحرية-الكتابة) مجلة مواقف، ص 203.
- بنيس محمد: نفسه، ص 204