معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 13



رياض عبد الحميد الطائي
2022 / 1 / 25

خامسا ) رؤية حول ( نظام الميراث )
يتعلق نظام الميراث بكيفية التصرف بالاموال التي يتركها المتوفى حين وفاته وتسمى ( الارث او التركة ) والتي قد تكون على شكل اموال نقدية او ممتلكات ، ويتوجب انتقال عائدية هذه الاموال والممتلكات الى بشر أحياء يسمون ( الوارثون او الورثة ) ، الارث او التركة بشكل عام تكون على نوعين : منقولة وغير منقولة ، والتركة المنقولة نوعين ( حرة ، ومقيدة ) التركة الحرة تتمثل في الاموال النقدية ( بحالة سيولة نقدية ) الموجودة تحت يد المتوفي قبل وفاته او التي تتحصل لحسابه بعد وفاته ، اي انها هي اموال جارية على شكل نقد وتقع تحت يد الشخص قبل وفاته او لحسابه بعد وفاته ، الاموال التي يتركها المتوفي بحالة سائلة ( نقد ) يجوز انفاقها كمصاريف عائلية ( كأن تكون مصاريف دفن المتوفى ومراسيم العزاء ، مصاريف تسديد ديون بذمة المتوفى ، تسديد رسوم دراسية لابناء المتوفى القاصرين ، ... الخ ) وبالتالي فهي خارج عملية تقسيم الميراث ولا تخضع لنظام تقسيم الميراث ، ولكن اذا كانت السيولة النقدية المتواجدة ذات كميات كبيرة تفوق النفقات والمصاريف العائلية فيجب حصر هذه الاموال واخضاعها لنظام تقسيم الميراث ، وتقدير حجم الاموال السائلة التي تخضع لتقسيم الميراث تترك لتقديرات القاضي المختص ، اما التركة المنقولة المقيدة فهي التي لا يمكن التصرف بها الا بعد نقل ملكيتها وتتمثل في ( السيارة والمكائن والاجهزة وغيرها ) حيث تبقى بذمة المتوفي قانونيا الى ان تتم عملية نقل ملكيتها الى المالك الجديد من احد الوارثين وفقا لنظام توزيع الميراث ، اما التركة غير المنقولة فتشمل العقارات ( الاراضي والمشيدات )
ـ في رؤيتنا حول نظام الميراث والذي يتعلق بكيفية التصرف بالارث الذي يتركه المتوفى ( المورث ) الى الحي ( الوارث او الوريث ) فاننا نرى بانه يجب التصرف بالارث او التركة وفقا لرغبة ومشيئة صاحب المال ، انطلاقا من مبدأ أن صاحب المال حر التصرف بامواله كيفما يشاء ، وله الحق في توزيع امواله او ممتلكاته ـ المنقولة وغير المنقولة ـ اثناء حياته على افراد عائلته او اقربائه او حتى معارفه وحسب تقديراته ، وهو الذي يقرر مصير امواله بعد وفاته من خلال وصية يتركها اثناء حياته ، لذا يتوجب تأسيس مكتب خاص لحفظ وصايا المواطنين يكون المكتب تابع لدائرة شؤون الاسرة ، اما من يتوفى دون ان يترك وصية بشأن مصير تركته فيجب اتباع القواعد الخاصة بالتصرف في مثل هذه الحالة ، وفي اطار برنامجنا الاصلاحي نعرض رؤيتنا حول قواعد التصرف بتركات الاشخاص الذين توفوا ولم يتركوا وصايا ، ولابد هنا ان نعرض آلية تطبيق رؤيتنا حول نظام الميراث من خلال الاجراءات الاتية :
ـ يتم تأسيس مكتب خاص بالوصايا يسمى ( مكتب شؤون الوصايا ) يكون تابعا لدائرة شؤون الاسرة وتكون مهام هذا المكتب هي تسجيل وحفظ وصايا المواطنين لكي يتم الرجوع اليها بعد الوفاة ، ويجب ان يتوفر نظام حماية صارم لهذه الوصايا لمنع حدوث تلاعب او تزوير بها .
ـ على كل شخص بالغ ومؤهل ( اكمل 20 عام ) ان يودع وصيته لدى دائرة شؤون الوصايا مدون فيها طريقة التصرف بالاموال والممتلكات التي يتركها بعد وفاته
ـ يتم اكتتاب الوصية وايداعها في مكتب الوصايا التابع لدائرة شؤون الاسرة بعد اخذ توقيع وبصمة صاحب الوصية وتوثيقها بطريقة رصينة غير قابلة للتزوير او للتحريف بمضمونها ، يفضل ان تدون الوصية بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويلات
ـ ليس شرطا ان يكون هناك شهود عند تدوين وتوثيق الوصية فهذه تتوقف على رغبة صاحب الوصية ، فلربما لا يرغب ان يطلع احد من اهله او اصدقائه على وصيته ، مع ضرورة تثبيت هذه الرغبة في الوصية
ـ بعد اكمال التصديق على الوصية من قبل مدير مكتب الوصايا ومدير شؤون الاسرة يتم ايداع نسخة من الوصية في مكتب الوصايا ، ونسخة منها في أرشيف وثائق دائرة شؤون الاسرة ، ويجوز ان يمنح الشخص الموصي نسخة من الوصية اذا رغب بذلك
ـ يتولى مكتب شؤون الوصايا الاشراف على الوصايا وحفظها بمكان آمن لا يعرضها الى التلف او التحريف ، ولاغراض الحفاظ على سرية الوصايا يتم حفظها في صناديق خاصة ، ولا يحق لاي شخص مهما كانت درجة قرابته بصاحب الوصية الاطلاع عليها الا اذا كان هناك استثناء بناءا على رغبة صاحب الوصية شخصيا
ـ يجوز لصاحب الوصية اجراء التعديل او التغيير في مضمون الوصية كلما رغب بذلك ، فيتم اصدار وصية جديدة مع ضرورة تأشير هذا الاجراء في الاصدارات السابقة من خلال ختمها بختم خاص باعتبارها اصبحت بطّالة لوجود اصدار جديد ، ويكون آخر اصدار هو المعتمد عند تنفيذ الوصية
ـ يتم رفع القيد عن الوصية وتصبح مشاعة للجميع بعد مرور فترة لا تقل عن 30 يوما بعد وفاة صاحب الوصية
ـ يتم تنفيذ الوصية حرفيا وحسب ما مدون فيها ، وتكون الدولة ملزمة بتنفيذ الوصية حتى لو كان مضمونها غير عادل وغير منصف ، مسؤولية محتوى الوصية تقع على عاتق صاحبها ولا تتحمل الدولة اي مسؤولية عند تنفيذها لمضمون الوصية انطلاقا من مبدأ ان كل انسان هو حر التصرف بأمواله في حياته وبعد وفاته في حدود عدم الاضرار بمصالح المجتمع .
ـ في حالة وفاة احد المستحقين للميراث المدون اسمه في الوصية قبل حصوله على نصيبه من الميراث فان نصيبه من الميراث ينتقل تلقائيا الى ورثته ولا يسقط حقه في الميراث ، الموت لا يسقط الحقوق حتى لو حدثت وفاة الوارث قبل وفاة صاحب الوصية ، الا اذا اجرى صاحب الوصية تغيير جديد على الوصية وقام بشطب اسم الوارث المتوفي
ـ رؤيتنا حول قواعد التصرف بتركات الاشخاص الذين توفوا ولم يتركوا وصايا : ـ
في حالة وفاة شخص ( المورث ) ولم يترك وصية بخصوص مصير تركته بعد وفاته ، فانه يتم التصرف بتركته من ألاموال والممتلكات بناءا على القواعد المنطقية والاخلاقية الاتية والتي تعكس رؤيتنا لمنظومة الحقوق والواجبات الاجتماعية : ـ
ـ اموال وممتلكات أي انسان انما هي حصيلة جهده وتعبه على مدى سنوات عمره ، ولكن يوجد في حياة هذا الانسان اشخاص آخرون رافقوه مسيرة حياته وسنوات عمره وشاركوه جهده وتعبه خلال تلك المسيرة وبذلوا من اجله وتحملوا اخطائه وعيوبه ومشاكله ، هؤلاء لهم استحقاق في ما تركه من ميراث
ـ اذا ما حصل انفصال بين الام والاب فان الام هي من ستتحمل مسؤولية رعاية الابناء غير البالغين .. يبقى الابناء ذكورا واناثا تحت رعاية أمهم الى حين بلوغهم ( عمر 18 سنة ) ، ولذلك تحظى الام بالاولوية في مسالة استيراث ابنها المتوفى ، ونذكّر بانه لا وجود لمفهوم (النفقة للمرأة المطلقة ) في برنامجنا الاصلاحي ، وانما يكون الانفاق على الابناء بعد الانفصال على عاتق الطرف الذي يتولى رعايتهم
ـ اقرباء الدرجة الاولى هم أحق بأموال متوفيهم الاعزب ، ويكون للام الافضلية والاسبقية في نظام الميراث ، وان اعطاء الاسبقية للام في نظام الميراث يتأتى من دورها في الاسرة ... الام هي التي حملت ، وهي التي أنجبت ، وهي التي ربت وتحملت مشاق التربية ، وهي التي تتولى رعاية الابناء في حالة انفصالها عن زوجها ، الام تستمر برعاية ابنائها غير المتزوجين حتى عندما يجتازوا سن البلوغ ، وهي تبقى على ارتباط وثيق بابنائها حتى عندما يكبرون ، حيث تبقى متعلقة بهم وترعاهم مهما بلغوا من العمر في حالة بقائهم غير متزوجين بالرغم من كونه عبأ عليها بسبب كبر سنها ، ونذكّر بأن وصف ( الثكلى ) هو للأم التي فقدت أبنها وليس للأب ، لان حزن الام على وفاة ابنها او ابنتها اشد من حزن الاب وذلك بسبب طبيعة الارتباط النفسي والعاطفي والوجداني الشديد بين الام وابنائها .
ـ الزوجان شريكان في الحياة ، وشريكان في الانفاق ، ولكنهما ليسا شريكين في قضية الميراث او التركة ، وبالتالي لا توارث تلقائي بينهما ، الابناء فقط هم الورثة الطبيعيون لأموال أبيهم او أمهم ، الشريك في عقد الزواج لا يرث من شريكه الا في حالتين فقط : بناءا على وصية ، أو اذا لم يكن لهما أبناء وفي هذه الحالة تكون للشريك حصة من الميراث او التركة وليس كامل الميراث ، وتكون حصته وفق نسبة مئوية تعتمد عدد السنوات التي امضاها في الحياة الزوجية كشريك نسبة الى عدد سنوات عمر شريكه المتوفي ، والحصة الاخرى تعود الى اهل المتوفى وحسب نظام الاستحقاق ، وطبعا تكون الام في مقدمة المستحقين ، وبناءا على هذه القواعد المنطقية والاخلاقية فان الام هي صاحبة الحق الاوحد في استيراث ابنائها غير المتزوجين الذين يتوفون ولم يتركوا وصية ، اما الاب فبالرغم من اهمية وجوده في الاسرة وفي تربية الابناء الا ان الام يبقى لها دورها الكبير والمهم والبعيد الاثر في بناء الانسان منذ طفولته وحتى بلوغه ، نحن نؤمن بان الاب والام مشاركان في انجاب وتربية الابناء من لحظة حمل الام بالجنين ولغاية ولادته ومن ثم تربيته ولغاية بلوغه واكتسابه درجة الاهلية ... ولكن في قضية تحديد مصير الميراث للمتوفي الاعزب فاننا جعلنا الميراث من حصة الام حصرا بناءا على الاسباب المذكورة آنفا .
آلية العمل والتصرف باموال وممتلكات من توفي ولم يترك وصية :
ـ اذا كان الشخص المتوفي غير متزوج ولم يسبق له الزواج ، فان جميع امواله المنقولة وغير المنقولة تؤول الى اقربائه من الدرجة الاولى وحسب التسلسل الاتي ( الام ، الاب ، الاخوة الاشقاء حصرا ) اي بمعنى تؤول الاموال جميعها الى الام ، وفي حالة اذا كانت الام متوفية والاب ما يزال على قيد الحياة فان جميع اموال المتوفي الاعزب تؤول الى الاب ، وفي حالة كان كلا الوالدين متوفيين فان جميع امواله تؤول الى الاخوة وتوزع بينهم بالتساوي دون تمييز بين ذكر وانثى بشرط ان يكونوا اخوته من امه وابيه حصرا ، وفي حالة عدم وجود اخوة له فان امواله تؤول الى العائلة التي كان مقيما لديها بشكل دائم ( وتسمى العائلة المحتضنة ) بغض النظر عن درجة قرابتهم له ، الاموال التي تؤول الى تلك العائلة المحتضنة تأخذ نفس المسار السابق ( الام ثم الاب ثم الابناء لنفس الام والاب ) اما اذا كان المتوفي مقيما في فندق او في سكن خاص بالعزاب وليس لديه احد على قيد الحياة من اقرباء الدرجة الاولى ( أم ، أب ) او ( أخ ، أخت ) ، فان جميع امواله تؤول الى الدولة وبالتحديد الى مراكز رعاية الايتام او مراكز ( برنامج طريق الامل ) الذي تحدثنا عنه سابقا
ـ اذا كان الشخص المتوفي متزوج وليس لديه ابناء ... فان امواله يتم تقسيمها بين كل من الشريك في عقد الزواج ، والقريب من الدرجة الاولى المستحق قانونا ، وعادة تكون الام هي القريب من الدرجة الاولى المستحق ... ويتم تقسيم الاموال بينهما وفقا لمعادلة حسابية ( تسمى معادلة النسبة الميراثية ) حيث تحتسب حصة الشريك من ميراث شريكه المتوفي حسب النسبة المئوية لعدد السنوات التي امضاها هذا الشريك في حياته الزوجية مع شريكه المتوفي نسبة الى عدد سنوات عمر الشريك المتوفي ، وتكون حصة الام من الميراث هي الجزء المتبقي بعد استقطاع حصة الشريك ، تتولى دائرة شؤون الاسرة استخراج النسبة المئوية لحصة كل من الشريك والام من الميراث ان كانت الام على قيد الحياة او لمن يأتي بعدها في التسلسل في حالة كانت الام متوفية ، واما في حالة وجود الابناء لدى المتوفى فان لهم الحق كاملا في اموال ابيهم او امهم ويوزع عليهم بالتساوي ذكورا واناثا ، حصص الابناء غير البالغين يتم ايداعها في حساب خاص بهم في صندوق اموال القاصرين التابع لدائرة شؤون الاسرة لحين بلوغهم ، أو يتم ايداعها في صندوق التقاعد لكل من لديه اشتراك في الصندوق ويبقى المبلغ في حقل الامانات لحين البلوغ
ـ اذا كان الشخص المتوفي لديه ابناء فان جميع امواله او تركته تؤول الى ابنائه جميعا وتوزع بينهم بالتساوي ذكورا واناثا ، واذا لم يكن لديه ابناء فان امواله تؤول الى اقرباء الدرجة اولى وحسب التسلسل ( الام ثم الاب ثم الاخوة الاشقاء ) واذا كان احد المستحقين للميراث متوفيا فان حصته لن تسقط وانما تنتقل تلقائيا الى ورثته
ـ في حالة موت الوريث بفعل فاعل ( اغتيالا) ، وكان الورثة او احد الورثة مشتركا ( في التنفيذ او التخطيط او التسهيل ) في جريمة القتل فانه يحرم من حقه في الميراث
ـ الراتب التقاعدي استحقاق شخصي للمتقاعد غير قابل للانتقال الى الورثة الا بشروط ، مثلا اذا توفي شخص ما يزال في الخدمة ( غير متقاعد ) وكانت لديه اموال في حسابه في صندوق التقاعد فانها تصرف الى ورثته وفقا للآلية المذكورة آنفا ويغلق حسابه في الصندوق ، اما اذا توفي شخص وكان متقاعد ويستلم راتبا تقاعديا بالاستفادة من امواله في صندوق التقاعد ... فيتم اللجوء الى معادلة حسابية لحساب استحقاقات الورثة من راتبه التقاعدي ولكن بشرط ان تكون الوفاة طبيعية او عن حادث غير مقصود ، وبعكس ذلك تكون للعدالة كلمتها الفصل ( علما بانه تسقط عن الوارث الاستحقاقات الوراثية في حالة ثبوت ادانته بجريمة قتل المورث ) ، القاعدة المعتمدة في احتساب الاستحقاق الوراثي من الراتب التقاعدي هي ان هناك فترة زمنية تسمى فترة الاستحقاق العائلي والتي هي فترة السنوات العشر الاولى بعد احالة المورث على التقاعد ، خلال هذه الفترة اذا توفي الشخص المتقاعد فان لورثته استحقاقات لدى صندوق التقاعد يسمى مبلغ الاستحقاق التقاعدي ، ويكون مقدار مبلغ الاستحقاق التقاعدي للوارثين مساويا لمقدار الراتب التقاعدي مضروبا في عدد الاشهر لما تبقى من فترة السنوات العشرة ( والتي هي فترة الاستحقاق العائلي ) يصرف المبلغ الى المستحق اما دفعة واحدة ويغلق الحساب ، او يصرف على شكل دفعات شهرية كالمعتاد ، واما في حالة مرور عشرة سنوات على التقاعد وكان الشخص المتقاعد ما يزال على قيد الحياة فانه يستمر في استلام راتبه التقاعدي طوال عمره ولكن لن تكون هناك اي استحقاقات لورثته من تقاعده بعد وفاته
يتبع الجزء / 14