الثوار/الثائرات الأوائل: “إلى الشعب!” - الفصل الثالث من كتاب ثورة النساء



جودي كوكس
2022 / 1 / 25

الفصل الثالث: الثوار/الثائرات الأوائل: “إلى الشعب!”

الفصل الثالث من كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917


عند بداية القرن العشرين، امتدت الامبراطورية الروسية على سدس مساحة الكرة الأرضية. حكمت أكثر من 150 مليون نسمة ينتمون إلى 170 قومية مختلفة. حرر حوالي 20 مليون فلاح من القنانة- العبودية الشخصية- عام 1861. حكمت عائلة رومانوف طوال 300 سنة واستمر حكمها مطلقاً ومتشدداً. خلقت الطبيعة القمعية للغاية للمجتمع الروسي خلال القرن الـ 19 ردود فعل متطرفة. خلال السنوات التي تلت كومونة باريس، كان جيل من الشباب يعاني بشأن حل التفاوتات اليائسة في روسيا. سعت “إلى الحركة الشعبية” و”الأرض والحرية” إلى دعوة الفلاحين للانتفاض من خلال تثقيفهم. ومع ذلك، استبعدت النساء من التعليم العالي في روسيا. سعى الجيل الأول من الثائرات إلى تثقيف أنفسهن، بدلا من الذهاب إلى الجامعات خارج روسيا، وحتى يتمكنوا، في الوقت عينه، من تثقيف الفلاحين. ارتدت بعضهن الملابس الرجالية وهن يتجولن في القرى حاملات الكتيّبات الثورية، في حين أسست أخريات كومونات قائمة على المساواة. عندما لم يستجب الفلاحون، ظهرت منظمة جديدة، اسمها “إرادة الشعب”. حاول مناضلوها إحداث ثورة من خلال أعمال العنف والإرهاب. وكانت النساء على رأس كل هذه التطورات.

انتشر شعور بين الشباب بأن التاريخ يسير ببطء وأن التقدم بحاجة إلى التسريع من خلال أفعال التضحية بالنفس والاستشهاد. كان النظام القيصري متعفناً من داخله، كما انكشفت همجيته عند رده على المعارضة. فأطلق موجة من القمع ضد الطلاب الثوريين بلغت ذروتها في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1877، عندما ألقى القبض على الآلاف من الروس. وباتت “محاكمة الـ 193” نقطة أساسية للعديد من المظالم أدت في نهاية المطاف إلى تأجيج الحركة. قلة برئوا من تلك المحاكمة المبكرة من بينهم/ن كانت صوفيا بيروفسكايا. تركت صوفيا عائلتها الاستقراطية وأصبحت إرهابية ثورية. شاركت في 4 محاولات لاغتيال القيصر ألكسندر الثاني، إلى أن تمكنت من ذلك أخيراً في 1 آذار/مارس 1881. كان عمرها 27 سنة فقط، أصبحت أول امرأة تعدم بتهمة الإرهاب في روسيا. جعلتها شجاعتها وموقفها المبدئي ضد الاستبداد بطلة بالنسبة للعديد من النساء، من بينهن الشابة ألكسندرا كولونتاي.(16)

كانت فيرا فيغنر واحدة من عدد قليل من الثوار الذين هربوا من حملة القمع عام 1877. ولدت مثل صوفيا، في كنف عائلة نبيلة، تركتها لدراسة الطب في برن. تخلت عن دراستها لتعود إلى بلادها من أجل إعادة إحياء القضية الثورية. أصبحت قيادية في منظمة إرادة الشعب، المنظمة نفسها التي ارتبطت بها آنا جاكلارد. ومثل صوفيا بيروفسكايا، شاركت فيغنر في اغتيال اسكندر الثاني واعتقلت. أمضت عشرين شهراً في السجن الانفرادي ثم حكم عليها بالإعدام. ولكن على عكس صوفيا، خففت العقوبة عن فيغنر وأمضت 20 سنة في السجن. عام 1906، سمح لفيغنر بالسفر إلى الخارج حيث نظمت حملة من أجل المعتقلين السياسيين ونشرت كتيباً انتشر على نطاق واسع عن السجون الروسية. بعد ثورة شباط/فبراير عام 1917 جرى التعامل معها كرمز للحركة الراديكالية وعندما نشرت مذكراتها بعد ثورة 1917 حصلت ضجة كبيرة في روسيا وترجم الكتاب إلى الكثير من اللغات. واصلت فيغنر العمل نيابة عن السجناء لطيلة حياتها. كتبت فيغنر: “فكرة التضحية غُرست في الفتيات بفعل التقاليد المسيحية” وأضافت: “عزز ذلك النضال من أجل حقوق المضطهدين”.(17)

قبل اعتقالها، كانت فيرا فيغنر شريكة سياسية لفيرا أخرى- هي فيرا زاسوليتش. كانت زاسوليتش مختلفة في هذه الدوائر لأنها كانت من عائلة فقيرة وعملت كاتبة في سان بطرسبرغ. انخرطت مع الثوار عندما عملت في تعليم عمال المصانع، وسجنت لأربع سنوات عام 1869. بعد “محاكمة الـ 193″، قررت اغتيال العقيد تريبوف انتقاماً لسوء معاملته للمعتقلين. ونجحت في إصابته بجروح خطيرة. أثارت محاكمتها ضجة كبيرة عندما كُشف عن قسوة العقيد تريبوف، وعلى الرغم من كل الأدلة برأتها هيئة المحلفين. فهربت إلى سويسرا وأصبحت ماركسية ملتزمة وعضوة مؤسسة لمجموعة تحرر العمال التي باتت لاحقا الحزب الاشتراكي الديمقراطي والعمالي في روسيا. ساعدت على إطلاق الصحيفة الاشتراكية إيسكرا إلى جانب لينين وآخرين من الماركسيين البارزين. كرست زاسوليتش حياتها للقضية الثورية، على الرغم من دعمها اللاحق للمناشفة ضد البلاشفة الأمر الذي أودى بها إلى معارضة ثورة تشرين الأول/أكتوبر عام 1917. على الرغم من ذلك، حافظ تروتسكي على احترامه لزاسوليتش. وكتب بعد وفاتها أنها جمعت بين العناصر النظرية الماركسية و”الأسس السياسية الأخلاقية” للراديكاليين الروس في الـ 1870ات.(18) أثارت زاسوليتش ومعارضة القيصرية تعاطفاً أممياً. أول مسرحية لأوسكار وايلد كانت تحت اسم: فيرا أو العدميون، كانت مبنية بشكل فضفاض على سيرة حياة فيرا.(19)

أنشأت “الأسس الأخلاقية” للراديكاليين/ات الروس/يات تقليداً من التفاني والتضحية بالنفس. أظهر هؤلاء الراديكاليون الأوائل من خلال الأفعال أن النساء يمكنهن لعب أدوار قيادية في مكافحة الاستبداد. استمرت هذه التقاليد وتطورت على يد النساء خلال الـ 1880ات والـ 1890ات اللواتي كرسن حياتهن لقضية الثورة الاشتراكية. كانت فيرا زاسوليتش من بين عدد قليل من النساء الشجاعات اللواتي وجدن أن طريقهن إلى السياسة الثورية تمر عبر الإرهاب والشعبوية الراديكالية. ساعدت هؤلاء النساء في بناء “جسر مهتز” لأولئك الذين جاؤوا من بعدهن.(20)

واصلت النساء اللواتي انتسبن إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والمنظمة الاشتراكية الثورية، مع نفس المثالية والتضحية بالذات مثل الإرهابيين[طريقة النضال في الفترة السابقة]، لكن شجاعتهن لم تنتشر بالاغتيالات إنما في العمل السري. تميزن بجهودهن المتميزة، وتفانيهن الذي لا يتزعزع للقضية، فضلاً عن شجاعتهن في مواجهة القمع القيصري والتمييز الجندري من جانب رفاقهم. أظهر جيل الشعبويين الذي ناضل من أجل توعية الفلاحين أن الشجاعة لم تكن كافية لوحدها. من أجل تحدي النظام القيصري الاستبدادي، مع جواسيسه وشرطته السرية وغرف التعذيب ومعسكرات الاعتقال، كانوا بحاجة إلى قوة اجتماعية أكثر قوة. فوجدوا ذلك في الحلقات التكوينية، حيث ناقشوا كتابات ماركس وإنغلز، وبين عمال مصانع موسكو وسانت بطرسبرغ الضخمة حيث درسوهم في مدارس الأحد: إنها الطبقة العاملة. هرّب الماركسيون الأوائل الرسائل وأنشأوا الشبكات، خاطروا باحتمال اعتقالهم والتعرض للنفي، أسسوا تنظيماً ثورياً وسط أكثر الأنظمة استبداداً على الكرة الأرضية.

في بداية القرن العشرين، انتعشت الحركة الراديكالية في روسيا بعد أن سحقها قمع الـ 1880ات. شهدت هذه السنوات انضمام العديد من الثوريات الأكثر تأثيراً إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي. اتخذت الكثيرات قراراً صعباً بأن يصبحن ثائرات في نهاية القرن الـ 19، حتى بحلول بداية القرن الـ 20، تضمنت روسيا عدداً من الثوريات أكثر من أي دولة أخرى في أوروبا.(21) فضحين بحياتهن الشخصية، وعشن بلا منازل تحت التهديد المستمر بالاعتقال والسجن والنفي. خلال العمل السري، ناضل/ت النساء والرجال على قدم المساواة، عاشوا/ن فترات من دون طعام، وناموا/ن على الأرض، ووزعوا/ن الوثائق، وعاشوا/ن في حالة من انعدام الأمن والخوف. كان أغلب الجيل الأول من الاشتراكيات الديمقراطيات ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية أو الطبقات الوسطى العليا. ولكن، كان ذلك على وشك التغير.

الهوامش:

16. Porter, Alexandra Kollontai, p.87.

17. Porter, Fathers and Daughters, p.37.

18. Leon Trotsky, Lenin, (New York, 1925), Lenin and Old Iskra, part I, https://www.marxists.org/.

19. Oscar Wilde, Vera; or, The Nihilists (London, 1902).

20. Ali, The Dilemmas of Lenin, p.113.

21. Barbara Evans Clements, Bolshevik Women, (Cambridge, 1997), p.25.

22. http://alphahistory.com/russianrevolution/bloody-sunday-petition-1905/ ‘The Bloody Sunday Petition to the Tsar’ (1905).