الحركة النسائية المغربية الواقع والآفاق



حليمة زين العابدين
2006 / 9 / 3

I - السياق التاريخي.

إن تاريخ الحركة النسائية المغربية للنهوض بأوضاع المرأة وقضاياها، يمتد إلى الأربعينات من القرن الماضي، وقد عرفت قضية المرأة منذ هذه المرحلة تحولات في بعض الثوابت المؤسسة للثقافة المهيمنة، ساهم فيها خروج المرأة للفضاء العام ومشاركتها في تحمل الأعباء المادية للأسرة، غير أن خصوصية الحركة النسائية وتميزها لإقرار حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وجعلها في خدمة قضايا النساء وإبراز الصور الإيجابية لهن داخل المجتمع، لم يتبلور كعمل قادر على فعل التغيير، إلا بإدراك هذه الحركة لخصوصية النضال النسائي، ومن تم عملت على تأسيس قطاعات نسائية داخل الأحزاب السياسية في سبعينات القرن المنصرم، ولم تكن قادرة على فرض خصوصيتها نظرا لأن الأحزاب تعاملت مع المسألة النسائية كقضية فرعية للمشاكل الاجتماعية ومع المرأة كمؤثث للفضاء الحزبي لا تتاح له فرصة الوصول إلى مراكز القرار في دواليب الأحزاب، مما أبعد النساء بقوة العقلية الذكورية المهيمنة، عن النضال السياسي لفرض قضيتها كخصوصية أو لمحاربة التهميش والإقصاء الذي يطالها من داخل الأحزاب.

ومع بداية الثمانينات من القرن الماضي برز الوعي لدى الحركة النسائية بضرورة استقلالية نشاطاتها من أجل فرض حقوقها المدنية والسياسية عن النشاط الحزبي لضمان إسماع صوتها في المجال العام وإقرار مساواتها، فبادرت إلى تأسيس الجمعيات النسائية بعيدا عن التصورات الحزبية، التي غالبا ما كانت تخضعها للتوافقات السياسية المرتبطة برهانات السلطة والنفاذ إلى مراكز القرار، أو تقدم تنازلات بشأنها. وقد شكلت الاستقلالية مطلبا نسائيا ذا طبيعة أولوية لأسباب منها :

1. أن خصوصية المشاكل التي تواجه النساء تستدعي أن يفرد لها نضال خاص ونوعي.
2. أن الأحزاب السياسية لم تعط القضية النسائية بعدا أولويا في مشروعها السياسي والاجتماعي.
3. فشل التجارب التنسيقية بين نساء القطاعات الحزبية لتداخل الإيديولوجي والحزبي مع المطالب النسائية.

وقد كان هاجس الجمعيات النسائية في البداية هو إسماع صوت النساء والتعريف بقضاياهن وإثارة الرأي العام بشأنها فبادرت بإصدار جرائد ومنها جريدة "8 مارس"، جريدة "نساء المغرب"، جريدة "كلمة".

وقد ساهم نمو النسيج الجمعوي النسائي مع توفر شرط الاستقلالية في تشكيل حركة نسائية ذات ابعاد سياسية وحقوقية توازي بين عمليات التحسيس وفرض الخصوصية وعمل القرب وبين الفعل النضالي المطلبي الذي لم يقف عند مستوى الحركة الاحتجاجية بتنظيم مسيرات ووقفات، وحملات التوقيع لإصلاح القوانين وتحديث مدونة الأسرة ومناهضة العنف، بل تجاوز ذلك الى المستوى الاستراتيجي من خلال :

* اقتراح مشاريع قوانين بديلة ومذكرات مطلبية
* إعداد تقارير موازية لتقارير الحكومة
* المشاركة في ملتقيات المنظمات غير الحكومية على المستوى الدولي
* تشكيل لوبيات للضغط للتأـثير على القرارات السياسية في إطارات تنسيقية...

وكما نجحت الحركة النسائية في إعطاء بعد إيجابي لنشاطها في مجالات التنسيق وتكثيف الجهود والعمل المشترك لخوض معارك نضالية مطلبية استراتيجية في إطار لجن وتكثلات ـ منها :

* لجنة التنسيق لوضع مذكرة الاصلاح الدستوري سنة1992،
* اللجنة لإقامة محاكمة ضد العنف سنة 1996،
* اللجنة لمتابعة إصلاح مدونة الشغل سنة 1999،
* تنسيقات مراكز مناهضة العنف ضد النساء، و"ربيع المساواة" لمتابعة إصلاح مدونة الأحوال الشخصية..

نجحت في إقناع العديد من القطاعات الحزبية والنقابية والجمعيات غير النسائية في تبني قضيتها والنضال إلى جانبها من أجل تحديث المجتمع ودمقرطته وإقامة أسسه على المساواة بين جميع مكوناته. والدخول معها في تنسيقات ومنها :

* "الجبهة للدفاع عن قضايا النساء"،
* "شبكة دعم الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"،
* "اللجنة الوطنية للمسيرة الدولية 2000" (12مارس 2000)،

وبالرغم من محدودية الحركة النسائية في الزمن فقد استطاعت تحقيق نتائج كبيرة منها :

1. وضع "خطة إدماج المرأة في التنمية" في إطار من التشاور بين الحكومة والمجتمع المدني وبتوظيف لآليات مقاربة النوع الاجتماعي من منظور شمولي يدمج المجالات الأربعة ذات الأولوية المحددة في الصحة والتعليم ومحاربة الفقر والإصلاح القانوني.
2. إصلاح قوانين الحريات العامة ومنها : مدونة الشغل، القانون الجنائي وتجريم التحرش (الجنسي)،
3. إصلاح مدونة الأحوال الشخصية واستبدالها بمدونة للأسرة منطلقة من مبدأ المساواة وأسرة التعاون.
4. إصلاح مدونة الانتخابات وتبني مبدأ التمييز الإيجابي
5. اعتراف المؤسسات الرسمية بالعنف الممارس ضد النساء
6. تنظيم أوراش دائمة لتطهير المقررات الدراسية من كل ثقافة مناهضة لحقوق الإنسان ولمبدأ المساواة
7. تشكيل كتابة للدولة من ضمن اختصاصاتها النهوض بأوضاع النساء..

II - الرهانات والتحديات المستقلبية

إن ما حققته الحركة النسائية بفعل نضالاتها التي مكنتها من استقطاب العديد من الفعايات الديمقراطية والمؤسسات الحاملة طموح المجتمع الحداثي لتتبنى مشروعها، مهدد بانتشار فكر نكوصي محافظ يستهدف العصف بحقوق النساء وهو ما يطرح عليها التوقف للتفكير في الكيفية التي تمكنها من تحصين مكتنسباتها أمام مايعرفه الواقع من تحولات تستبطن مقاومة التغيير، وقبل ذلك مساءلة الذات عن الجوانب التي تم إغفالها في غمرة النضال لتغيير القوانين أو إصلاحها. ولعل الجواب أن الحركة النسائية، حركة خاصة ونوعية لإقرار مطالب استراتيجية بامتياز وهي بذلك حركة سياسية وحقوقية وإن كانت ترمي تغيير الواقع الاجتماعي للنساء بتقديم بعض الخدمات لهن في مجال التأهيل الاقتصادي بتمكينهن من مهن مدرة للدخل ومحاربة الامية وتوفيرالارشاد القانوني وأيضا التأهيل السياسي بتقوية قدراتهن لولوج مراكز القرار الحزبي والترقي في دواليب السلطة، فقد ظلت بعيدة عن أن تكون حركة للتغيير المجتمعي، ولم يكن ضمن استراتيجتها بعد الامتداد وسط الجماهير للتأثير في العقليات وتغيير الثقافة السائدة، وإن كان هذا طموحا مِؤجلا إلى مابعد إصلاح القوانين. وهو ما اصبح حاليا رهان الحركة النسائية وقد تم إصلاح مجموعة من القوانين خاصة وأن طموح التحديث لا تواكبه إرادة سياسية عمومية لمأسسة الحقوق النسائية وهو مايفرض على الحركة النسائية إعادة النظر في الموقف من الخصوصية والتحول في استراتيجيتها بما يمكنها من حماية مكتسباتها القانونية وفرض حقوق اقتصادية واجتماعية للنساء من غير عزل قضياهن عن مشروع الاصلاح المجتمعي لوقف كل مقاومة للتغيير أوالتراجع عن المكاسب التي تم تحقيقها.من خلال :

-- إيجاد آليات للانغراس في وسط المجتمع،
-- توظيف كل الإمكانيات المتاحة لتغيير الذهنيات ونشر قيم المساواة وتعميق الوعي بحقوق النساء،
-- العمل على ان تصبح المؤسسات التعليمية فضاء حقيقيا لترسيخ التربية على حقوق الانسان وقيم المواطنة والمساواة في أوساط الشباب،
-- وضع خطة لتغيير أوضاع النساء بمقاربة شمولية تشاركية تعمل على انخراط كل الفاعلين المعنيين ومؤسسات الدولة،
-- تأهيل النساء بالتكوين والتمكين الذاتي ليمتلكن كفايات اقتحام مراكز القرار داخل المجال الحزبي بما يؤهلهن للنفاذ إلى دواليب القرار السياسي وامتلاك السلطة المحصنة لما حققنه من مكاسب ومن أجل فرض مكاسب جديدة،
-- متابعة تفعيل مدونة الاسرة في بعدها الاصلاحي.