مدونة الأسرة وسؤال الحداثة



حليمة زين العابدين
2006 / 9 / 4

سنتان على دخول "مدونة الأسرة" حيز التطبيق
مدونة الأسرة وسؤال الحداثة

منذ صدورها سنة 2004 وإلى الآن، وهي في محك التقييم بمعيار الحداثة وفي شأنها تضارب ووجهات نظر االهيئات الحقوقية والحزبية والنقابية والجمعيات النسائية، ووجهات النظرهذه، يمكن إجمالها في ثلاثة مواقف معبر عنها :

االموقف الأول :
موقف المنبهر والمؤيد، ويراها إصلاحا تشريعيا غير مسبوق في كل البلاد الاسلامية، ومشروع المجتمع الحداثي وهي إصلاح أشبه بالثورة على قانون للأحوال الشخصية، تحصن بالقدسية لقاومة كل مطالبة أومحاولة للتغيير على مدى 36 سنة (1957ـ1993) إنه موقف بعض المنظمات النسائية وهيئات لاتتعارض مع ماتؤ كد عليه وزاره العدل من حيث أن مدونة الأسرة قد صيغت بمقاربة تلائم بين القيم الاسلامية السمحة والاتفاقيات والمواثيق الدولية وان اسسها تقوم على :
ـ 1 ـ مبدأ المساواة :
بما يؤكد على أن النساء شقائق الرجال في الأحكام بالنسة لسن الزواج والحضانة وعند إبرام عقد العلاقة الزوجية، او في حالة فسخه مع اعتبار مبدأ الاتفاق على تدبير الممتلكات المكتسبة خلال الحياة الزوجية، ويراعي حقوق الاطفال ويضمن كرامة الرجل.
ـ 2 ـ التشريع لأسرة التعاون ومسؤولية الزوجين المشتركة في رعاية الأسرة والقيام بشؤونها.
ـ 3 ـ توسيع سلطة القضاء لحماية حقوق كلا الزوجين بما لا يتعارض مع حقوق الاطفال.

الموقف الثاني :
الموقف المتحفظ الناظر إليها بشك وريبة تنأى بها عن أن تكون مشروع مجتمع حداثي باعتبارها معطى فوقيا لم يتنجه المجتمع وهو بذلك عاجز عن تطبيقه، كما أنها قانون استثني من المسطرة العادية لوضع القوانين إذ تم في إطار لجنة ملكية استثنائية. ولم تستجب إلى مطالب حركة حقوقية ونسائية تقدمية تستهدف مطابقة التشريعات المغربية مع ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولم تات بالجديد فهي لم تضف على مدونة الأحوال الشخصية السابقة سوى تعديلات طفيفة مما يبقيها في تعارض مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في مسائل كثيرة ومنها :
الولاية الاختيارية التي تتعارض مع الإرادة الحرة في الزواج، اللامساواة في الارث، سلطة الزوج عند فسخ عقد الزواج حيث ابقت الطلاق بيد الزوج وإن كان بطلب الإذن من القاضي الذي يحرص على حضور الزوجة، وهي لا يشكل رفضها الطلاق مانعا لإحداثه، وكذلك فإن رغبة الرجل في الطلاق تتم خارج مساطر التطليق والشقاق ومن مظاهر تناقض مدونة الأسرة مع ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مسألة التعدد، وإن تم تقييده، فقد بقى قابلا لاستعمال مختلف أساليب التحايل على، القانون لتحقيقه.

الموقف الثالث :
وهو موقف يرى ان مدونة الاسرة حدث تاريخي، لانها ازالت القدسية عن قانون الأحوال الشخصية وأحدث معها شبه قطيعة لانها قامت على مبادئ مغايرة ؛ التعاون والمساواة بدل الطاعة، وتخلت عن استعمال مصطلحات حاملة لشحنات الدونية وأنها جاءت نتيجة نضال انخرطت فيه الحركة النسائية والحركةالديمقراطية في المغرب، نساء رجال، وهذا الحدث يمكن أن يكون طفرة المجتمع نحو الحداثة والديمقراطية إذا مانسجم تطبيق مقتضايات مدونة الاسرة مع فلسفتها المنطلفة من مبادئ المساواة واسرة التعاون والمسؤولية المشتركة بتوفير ألياته وشروطه وتم توعية المجتمع بها وبمقتضايتها. غير أن هذين الشرطين لم يتوفرا فبالنسبة للتطبيق الصحيح لها تعترضه الكثير من المعيقات منها :
ـ 1 ـ ان الاطر المكلفة بتنفيذ مقتضياتها غير كاقية من حيث العدد ومن حيث التمكين والتأهيل - لإدراك ابعادها وفلسفتها، وغير قادرة على التخلص من موروث مدونة الاحوال الشخصية الحامل لأبعاد امتهان كرامة المرأة وإدلالها.
ـ 2 ـ عدم توفر المحاكم على بنيات تحتية تتناسب وقضايا الأسرة ومشاكلها المطروحة على القضاء وهو ما يساهم في تكديس الملفات وفي المشاكل التي يثيرها استدعاء المجلس العائلي أمام المحكمة من غير وجود قاعات ومكاتب مناسبة لتسهيل عمل مجلس العائلة.
ـ 3 ـ البطء في إصدار الأحكام مثلا في دعاوى النفقة التي يجب البث فيها داخل أجل شهر، وقد تستمر إلى حدود السنة، مما يؤدي إلى مآسي اجتماعية مثل التشرد والضياع بالنسبة للأطفال.
ـ 4 ـ تعقيد المساطير وبطء تفعيلها :
ــ مسطرة الزواج وهي لا تحتكم لمنهج موحد ذلك أن بعض المحاكم تفرض جلب عقود الازدياد من أماكن الولادة مهما بعدت عن مكان السكنى. كما يطلب من الأزواج الإدلاء بشواهد طبية،لإثبات الخلو من الأمراض المعدية وما دام هذا الشرط واسعا وعاما فيمكن اعتبار الزكام أحد موانع الزواج نظرا لأنه مرض معدي، كما تنص المدونة على أن الراغب في الزواج عليه أن يضع ملفا يؤشر عليه من طرف القاضي قبل إرساله من طرف العدول إلى المعني، وهو مايضيف وظائف أخرى لدور القاضي غير أمور التعدد وزواج القاصر.
ــ مسطرة التطليق بسبب الشقاق، تم تحديدها حسب القانون في ستة أشهر، وقد تطول المدة بسب تراكم الملفات،
ــ مسطرة التطليق للغيبة، يمكن أن تصل إلى أربع سنوات،
ـ 5 ـ رفض القضاة لعقد الوكالة، دون توفرهم على أي سند قانوني أو شرعي وهو ما يسبب الكثير من المشاكل خاصة للمغاربة القاطمين بالخارج
ـ 6 ـ تفاوت الأحكام بين محكمة وأخرى وبين منطقة وأخرى، اضافة الى عدم تفعيل دور النيابة العامة، وعدم إلمام المحامين بمقتضيات المدونة خاصة فيما يتعلق بزواج القاصر والتعدد
هذا بالإضافة إلى العديد من الخروقات لمضامين ومحتويات المدونة والتي اوردتها تقارير الجمعيات النسائية والحقوقية وهي كلها تتنافى وفلسفة المساواة والتعاون وتكرس منطق الميز وتتغافل التحايل على القانون لتزويج القاصر أو لإباحة التعدد أوالتهرب من النفقة أو لطرد الحاضنة من بيت الاسرة.
ومن المخاوف التي يثيرها اصحاب هذا الموقف أن المدونة يمكن العصف بها لانها لم تتح لها قوة إعلامية تحسس وتعرف بها وتجعل مبادئها من المكونات الثقافية، كما أنها مهددة كما طموح المجتمع الحداثي بفكر نكوصي يعادي التغيير وبالردة عن التفكير العقلاني الحداثي والتي تكتسح المجتمع.