ملاحظات نسوية للتفكير في مشروعنا المجتمعي



الاممية الرابعة
2022 / 2 / 5


اللجنة النسائية للأممية الرابعة

يشكل هذا النص اسهاما نسويا في نقاشات اللجنة العالمية للأممية الرابعة في آذار/مارس العام 2020، قصد مدها ببعض الأفكار النابعة من الحركة النسوية

«من أجل عالم نكون فيه متساويات اجتماعيا، مختلفات إنسانيا، وحرات تماما»

منسوب الى روزا لوكسمبورغ

1.إن قسمةَ العمل الجنسيةَ، التي تدعمُ اضطهادَ النساء وتخدمُ مصالحَ الرأسمالية، تسببَ فصلا بين الشأن الخاص والشأن العام، بين عمل إعادة الانتاج وعمل الانتاج. ويكتسي هذا الفصلُ شكلاً خاصاً في ظل الرأسمالية، يمكنُ انطلاقا منه تعريفُ إعادة الإنتاج الاجتماعية بما هي سيرورة اكتسابِ ما نقوم به كنساء من عمل منزلي ورعاية دلالةً سياسيةً، كعمل إنتاج لقوة العمل (الإنجاب) وإعادة إنتاجها (بالاضطلاع بجميع المهام المنزلية ومهامِ الرعاية اللازمة لبقاء الطبقة العاملة)، ما يجعلُ إعادةَ إنتاج الرأسمالية ممكنةً. هذا هو الشرط الأساسي لبقائها. هذا المنطقُ هو ما نسعى إلى القطع معه، لاسيما أن أوجهَ انعدام المساواة التي نعاني منها كنساء تنشأ عنه. إن الحاجة إلى تغييراتٍ هيكلية في الاقتصاد والشأن السياسي والمجتمعي تتطلبُ إعادةَ تنظيم العمل والوقتِ لأجل استطاعةِ إقامة مجتمع مغاير جذريًا. إن الرأسماليةَ تستحوذُ، جنبًا إلى جنب مع النظام البطريركي، على عملنا (داخل المنزل وخارجه) ووقتنا، وتنظم وتائرنا وفضاءات حياتنا (منازلنا، أحيائنا، مدننا…)، والكيفيةَ الواجب بناءُ هوياتنا بها، وتحددُ كيفيةَ بناء علاقاتنا ومشاعرنا، وطريقةَ اغتذائنا، وعلاقتِنا بمحيطنا، إلخ… كل شيء منظم حول المنطق الرأسمالي والبطريركي لتراكم رأس المال. إن منطقنا معاكسٌ لذلك، قائمٌ على وضع الناس وحاجاتهم في مركز الاهتمام، وهذا يعني قطيعةً مع هذا الفصل بين الشأن الخاص والشأن العام، ووضعَ الأشخاص في مركز الاهتمام، وبالتالي القطعَ مع ضروب الاضطهاد والسيطرة التي تخترقنا.

2- . ما القصدُ بوضع الناس في مركز الاهتمام؟ إنه يعني ألا نبقى، بما نحن نساء، مسؤولاتٍ عن ضمان رفاهية من نَـنْشغل بهم من أشخاص، وألا نتحملَ وحدنا مسؤوليةَ إعادة الإنتاج الاجتماعيةِ. كما يعني الاعترافَ بأنفسنا كأشخاص، لأننا نباشرُ هذه المهامَ قبل أن نفكر في أنفسنا أو في مشاريع حياتنا. إننا عندما نتحدث عن إضفاء طابع اجتماعي على هذه المهام، لا نقصدُ تشريكها، بل بالأحرى إعادةَ التفكير في المجتمع وفي كيفية تصورنا للإطار الذي نتبين فيه أشكال حياتنا. يبدو هذا أمرا أساسيا لخلق خدماتٍ عامة شاملةٍ وقوية، و كذا للقطع مع خمول الحياة اليومية. لا يمكننا كنساء الاستمرارُ كأغلبية في إعداد إفطار الأخرين أو غسل ملابسهم. يجب أن توضع أشغالنا الروتينية، ووتائر حياتنا، موضعَ نقاش وتساؤل حتى تكون أكثر استدامة لأجسادنا وكوكبنا…

فضلا عن ذلك، يعني وضعُ الناس في مركز الاهتمام تشييدَ مدنٍ تضعُ الأشخاصَ وحاجاتهم في مركز الاهتمام. يجبُ إعادة تصميم وسائل النقل، ليس لبلوغ العمل أو المركز التجاري بسرعة وحسب.

يلزمُ إعادة التفكير في استخدام الأماكن العامة، والقطعُ مع الفجوة بين مركز مدننا وأطرافها و تلك القائمة بين المناطق القروية والحضرية. يجب أن يكون كل ذلك مرتبطًا بما هو هام وبمن يقوم به… وهذا يستتبع أيضًا إعادة التفكير في تمييز العمل الضروري اجتماعيًا وذاك غير الضروري. إن لدينا أولويات متباينة.

بالإضافة إلى ذلك، يتيحُ النهوضُ بمهام إعادة الإنتاج الاجتماعيةِ، باعتبارها شأنا اجتماعيا وسياسيا، تفاديَ أن تكون كل امرأة في المنزل من يتفاوض بشأن توزيعها. حاليًا، يُنظر إلى هذه المهام على أنها شأنٌ فردي وشخصٌي، خارجَ المجال السياسي. ومن المعلوم أن هذه التفاوض لا يجري، بالنظر إلى الدور والموقع المنسوبين لكل جندر، في ظل المساواة. يجب أن تكُفَّ الأسرةُ عن كونها فضاءَ إعادةِ انتاج السيطرة. ويجب أن تكُفَّ عن كونها شكلَ الحياةِ الجماعيةِ الوحيدَ الممكنَ. وهذا يستتبع إعادة التفكير في شكلِ الأبوة والأمومة بطريقة جماعية أكثر. ما يؤدي إلى إلغاء الأسرة كمؤسسة لإعادة إنتاج النظام. وهذا يعني تسييسَ حياة البيت وجميعَ القرارات الشخصية المتعلقة بالأمومة والأبوة. يجب أن نفكر أيضًا في نوع نظرتِنا إلى الطفولة ودور المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعنا، والعلاقات الاجتماعية التي نقيمها معهم، وكيف يمكننا القطعُ مع أوجه منطق الهيمنة الذي أصبحت متأصلة فينا.

يجب أن تكون الميادينُ والشوارعُ وأماكنُ العمل والمراكزُ التربوية وكل فضاء نتواصل فيه اجتماعيًا ملكاً لنا أيضًا لبناء علاقات اجتماعية مغايرةٍ بين الأشخاص.

يتعينُ أيضًا مساءلة ومناقشةُ الأشكال التي ننظر بها إلى علاقاتنا العاطفية، لاسيما أنها اليوم متمفصلةٌ على أساس ضروب من انعدام المساواة.

يلزم وضعُ الزواج الأُحادي موضعَ نقاش وتساؤل، وبناءُ نماذج مغايرةٍ من العلاقات. مع احترام قراراتِ كل فرد الشخصية، مع فكرة أن الخيار الممكن ليس وحيدا، و أن لا خيار أفضل من آخر. على هذا النحو وحده يمكننا بناء مشاريع حياتنا وحسب، فرادى أو جماعات، مع شخص واحد أو أكثر، بكيفية ملؤها الحرية والتنوع.

وأخيرًا من أجل تعزيز تنوع خيارات الكينونة والتعبير عن الذات والارتباط وبناء علاقات والاختيار بين مواقف مختلفة والقطع مع طريقة واحدة للقيام بالأشياء، في إطار منظور ديمقراطي ومتعدد، يفسح في المجال لاتخاذ القرار الفردي بعد تفكيك معايير الهيمنة المميزة للنظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي الراهن.

3.الاعتراف بعمل اعادة الانتاج و الرعاية لا يعني بالضرورة الاعتراف به في شكل نقدي أو تحويله إلى فرصة عمل (حتى مع معايير مختلفة عن تلك الخاصة بالرأسمالية).

ليس النقاش الدائر حول مسالة الأجور المنزلية وإضفاء طابع اجتماعي على أشكال الرعاية جديدًا، حتى لو اكتسى أهمية مرة أخرى. إن موقفنا المؤيدَ لإضفاء طابع اجتماعي على أعمال الرعاية لا يمر فقط عبر تفكير في شبكة خدمات عامة تضمن هذه الأشغال، بل إنه يثير إعادةَ التفكير في الخدمات العامة نفسها بحيث تكون أكثر ديمقرطة وأكثر لامركزية وقائمة أكثر على المشاركة، وأقل سلطوية، وأقل صرامة، وأكثر جماعية… هذا يجبرنا على إعادة التفكير في شكل الدولة في مجتمع اشتراكي، وكيف تختفي لإفساح المجال لطريقة جديدة من تمفصل المجتمع والسلطة.

يجب، عندما نفكر في هذه التغييرات العميقة، يجب ألا ننسى أنها تجبرنا على إعادة النظر في حميميتنا الأعمق، وفي كيفية تصرفنا وتفاعلنا مع أنفسنا وأجسادنا وحياتنا الجنسية ومع الأشخاص الآخرين. لا ترتكزُ قسمةُ العمل الجنسيةُ على فصل عملِ الانتاج وعملِ إعادة الإنتاج وحسبُ، بل تقوم أيضًا على التكامل الجندري، بين الرجل والمرأة، بتنميطهما واستبعاد إمكانات الكينونة الأخرى، وباعتماد معايير إكراه..
يجبُ أن يتضمنَ مشروعُنا المجتمعيُ بنحو مركزيٍّ واستراتيجيٍّ القطيعةَ مع ثنائية الجندر والأشكال المعياريةِ (اتخاذ الغيرية معياراً وتوافق الهوية الجندرية مع الجنس المعين). كيف نعيش رغباتنا ومتعتنا، وكيف نبني هويتنا الجندرية وتوجهنا الجنسي، وكيف نعبر عن ذلك، كل هذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقسمة العمل الجنسية هذه، وكل هذا أيضًا جزء من النظام البطريركي الذي نسعى إلى القضاء عليه. لا بدَّ من بناء ثقافة جديدة، تتعارضُ مع ثقافة الاغتصاب، وتعترفُ بأجساد جميع النساء مهما كانت هويتهن الجنسية، ورغباتهن، اعترافا بهن كأشخاص ذوي مقدرة على اتخاذ قرار بشأن أجسادهن وحياتهن وجنسياتهن، وتبرز أن ثمة ألف طريقة لنكون شخصًا ونعيش ونعبر عن جندرنا وحياتنا الجنسية. ليس كشيء مكمل أو ثانوي ولكن كنقطة أساسية في استراتيجيتنا، لأن تراكم رأس المال ينطوي أيضًا على سلب أجسادنا وحياتنا الجنسية بالنظر إلى أن ذلك يخدم منطقه الخاص وبقائه.